المدن المتحضرة
الطالب / احمد ماجد شافي
قسم الجغرافية التطبيقية
لا يوجد تعريف موحَّد معتمد عالميًّا للمدينة المتحضِّـرَة، بل عدَّة مؤشِّرات ومعايير اقتصادية واجتماعيَّة وعمرانيَّة متَّفق عليها، وتُستخدم لقياس تحضُّر المدن. منها التصنيف العالمي السنوي لجودة الحياة الصادر عن(وحدة المعلومات في مجلَّة إيكونومست-Economist Intelligence Unite) الذي به تُقاس جودة العيش في مئة وأربعين مدينة وفق معايير الاستقرار والرعاية الصحيَّة والثقافة والبيئة والتعليم والرياضة وجودة البنية التحتيَّة. وهناك أيضًا تقويم (ميرسر – Mercer) الذي يصنِّف جودة الحياة في مئتين وواحدٍ وثلاثين مدينة باعتماد معايير أداء خاصَّة بخدمات التنقُّل والبيئة السياسيَّة والثقافيَّة وجودة الرعاية الصحيَّة والأداء الاقتصادي، ونظام التعليم والاستدامة ووجود المسارح ودورالسينما والأندية الرياضيَّة، ورقيِّ المطاعم ومرافق الترفيه والاستجمام.
بالإضافة إلى المقياسين أعلاه، هناك مؤشِّر قياس ازدهار المدن (CPI) المتكوِّن من ستَّة معايير تقويم أساسيَّة، وعدد من المؤشِّرات الفرعيَّة. تقيس المعايير الأساسيَّة، وفقًا لأسس اعتمدها برنامج الأُمم المتَّحدة، ازدهار المستوطنات البشـريَّة
الأسس التي اعتمدها برنامج الأمم المتحدة لقياس ازدهار المدن
١ / الإنتاجيَّة وتطور البنية التحتيَّة،
٢/ جودة الحياة والعدالة والاندماج الاجتماعي،
٣/ الاستدامة البيئيَّة والإدارة الحضريَّة.
وتتفرَّع عن كلِّ معيار أساس أبعاد فرعيَّة متغيِّرات ومؤشِّرات تشمل: نوعيَّة السكن، وحصَّة استهلاك الفرد من الطاقة والمياه الصالحة للاستخدام، ونقاء الهواء، وترابط طرق المدينة وتواصلها. أمَّا المتغيِّرات فتشمل: معدَّل البطالة، ونسبة الأطبَّاء، وجودة استخدام النقل العام، ومعدَّل الوفيَّات، وإعالة الشيخوخة، ومعدَّل الأُميَّة، ومعدَّل الجريمة، ونصيب الفرد من المساحات الخضـراء، ومعدَّل الفقر، والنظافة وجمع النفايات الصلبة، والفساد، وحصَّة استهلاك الفرد من الطاقة المتجدِّدة ، وعدد المكتبات والمؤسَّسات الثقافيَّة، والشفافية والمسائلة، وعدد الجامعات، وإسهام النساء في قوَّة العمل، والقدرات المؤسَّسية.
الارتقاء بجودة الحياة وازدهار المدينة مسؤوليَّة مجتمعيَّة مركَّبة، لا تنحصر مهام تحقيقها بالمؤسَّسات الحكوميَّة وإدارات المدن، بل يتوقَّف نجاحها على سلوكيَّة الأفراد وحرصهم على تطوُّر مدنهم. ولندع جانبًا عناصر التطوير غير المرتبطة بسلوكيَّة الأفراد، ونركِّز على تأثير سلوكهم في جودة الحياة في المدينة وازدهارها. وتحديدًا على معايير الجودة التالية:
أوَّلًا، النظافة، وإدارة النفايات الصلبة : تعدَّ نظافة المدينة وخلوُّ طرقها وأزقَّتها ومرفقاتها العامة من النفايات الصلبة من أهمِّ معايير جودة الحياة في المدينة وسمات تحضُّرها. تنجم ظاهرة عدم نظافة المدينة عن سلوك إنساني خاطيء وغير متحضِّر، ويتحمَّل سكَّان المدينة مسؤوليَّتها. فأشجار المدينة لا تقذف علب المشـروبات الغازيَّة الفارغة في الأزقَّة، وأعمدة الإنارة لا ترمي علب السكائر الفارغة وأعقاب السكائر على أرصفة الشوارع. واجبات السكَّان ودورهم في نظافة المدينة واضحة وسهلة التطبيق، وتتطلَّب وعيًا وحرصًا والتزامًا بالتعليمات، واتِّباع النهج الحضاري السليم.
ثانيًا، للأفراد دور محوري في نجاح سياسات إدارة الطرق والتنقُّل. فعالية خطط معالجة الاختناق المروري، تتوقَّف على نهج السكَّان وسلوكيَّة سائقي المركبات الخاصَّة، والتزامهم بقواعد القيادة، وسياقاتها السليمة، واحترامهم آداب استخدام الطرق. التزام الأفراد بقواعد المرور.
ثالثًا، رفع كفاءة استخدام السلع العامَّة والمنشات الخدميَّة، والحفاظ على سلامتها، تعدُّ من مسؤوليَّات سكَّان المدن وواجباتهم المدنيَّة. فخامة المرافق الخدميَّة العامَّة والمراكز الثقافيَّة والترفيهيَّة، تعكس جودة الحياة في المدينة ورقيَّها، وتعدُّ عامل جذب سياحي واستثماري.
رابعًا، ارتفاع نسبة مساحة الأراضي الخضراء، والحدائق العامَّة والمنتزهات، تعدُّ من معايير جودة المدن، وأحد معالم المدن الجميلة والمتحضِّرة. مسؤوليَّة الأفراد ودورهم في تعزيز جماليَّة مدنهم، تقتضـي الحفاظ على رونق المساحات الخضراء، وتوسيع رقعتها وصيانتها. وكذلك رفع حصَّة الفرد من المساحات الخضراء.
خامسًا، الهدوء والسكينة وانخفاض التلوُّث الصوتي، وانعدام مصادر التلوُّث البصـري، عوامل تفضـي إلى تحسين جودة الحياة، وجعل المدينة أكثر جاذبية واستقطابًا للمستثمرين، والإقامة فيها أكثر متعة وهناء.
لهذه الأسباب، تشرِّع الحكومات المحليَّة قوانين تحدُّ من الضوضاء ومن تبعاته السلبيَّة. التلوُّث الصوتي، ناتج عرضي لتصرُّفات فرديَّة غير مسؤولة، لا يتحمَّل مسبَّبوها تبعات سلوكهم السلبي على المجتمع. والسيطرة على الضوضاء تسهم في رفع متعة الحياة في المدن. إزالة مصادر التلوث البصري الناجمة عن تصـرُّفات الأفراد، وتعزيز جماليَّة المدينة وزيادة الصروح الفنيَّة والعمرانيَّة من شأنها رفع جودة الحياة في المدينة، وإسعاد سكَّانها وزوَّارها.
سادسًا، ثمَّة علاقة طرديَّة بين معدَّل الجريمة وازدهارالمدينة الاقتصادي وتطوُّرها الاجتماعي. ارتفاع معدَّل الجريمة وانتشارها في المدينة، يعدُّ عاملًا طاردًا للسياحة، ومعوِّقا للاستثمار والنموِّ الاقتصادي . المدن التي تحتلُّ صدارة القائمة الأكثر جودة وصلاحيَّة للعيش، تتميَّز بأمانها وانخفاض معدَّل الجرائم فيها. ارتكاب الجريمة الاقتصاديَّة سلوك وقرار فردي. سكَّان المدن، يتحمَّلون مسؤوليَّة خفض معدَّل الجريمة الاقتصاديَّة وتحسين جودة الحياة في مدنهم.
للسلوكيَّة الفرديَّة أهميَّة استثنائيَّة في تحسين جودة الحياة وتطويرالمنظومتين الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة داخل المراكز الحضريَّة. كما أنَّ للأفراد دور جوهري في ترسيخ قيم التعايش والتلاحم الاجتماعي. وعليهم تقع واجبات حلِّ الأزمات التي تعاني منها المدن والتجمُّعات السكانيَّة. مسيرة تطوير المدن تبدأ بتغيير الأفراد سلوكهم، وتعزيز التزامهم بالقوانين، وتحمُّلهم مسؤوليَّة تطوير مدنهم ورقيِّها.