المدن والتغير المناخي
م. د. نهى نعمة محمد الموسوي
جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الإنسانية – قسم الجغرافية التطبيقية.
          توجد العديد من الأسباب التي تؤكد أهمية دراسة او البحث في دور المدن ومساهمتها في نشوء ظاهرة التغير المناخي ، إذ تساهم الأنشطة الحضرية المختلفة بصورة مباشرة في نشوء انبعاثات الغازات الدفيئة والتي ترتبط بالمدن ، كالنقل وتوليد الطاقة وعمليات الإنتاج الصناعي والسلع الاستهلاكية… الخ، وفي ظل التزايد الكبير لعمليات التحضر السريع فان إيجاد فهم واضح لتأثير التغير المناخي على المدن سوف يصبح امرا اكثر أهمية ، إذ ان هنالك العديد من الأدلة التي تشير الى اثر التغيرات المناخية على المدن وشرائحها السكانية المتزايدة ، نظرا لنمو المتزايد للمدن دون الاهتمام لجوانب الطلب الحالي والمستقبلي على الموارد ودون مراعاة لتأثيرات ظاهرة التغير المناخي.
       تتباين مصادر وكمية الانبعاثات من مختلف الأنشطة او القطاعات الحضرية الا ان اهم المصادر الرئيسية لانبعاثات الغازات الدفيئة في المدن يرتبط بمعدل استهلاك الوقود الصلب سواء كان في مجالات انتاج الطاقة او النقل او الصناعة ، إذ تشير الإحصاءات ان قطاع امدادات الطاقة يساهم بنحو 21 % من الاجمالي العالمي لانبعاثات الغازات الدفيئة ، أما قطاع النقل فيسهم ما بنسبته 13% ،إذ  تعتمد المدن وبشكل كبير على النقل بمختلف انواعه لأغراض نقل السلع والبضائع والافراد ، وتعد مسألة الانبعاثات المتأتية من النقل في الدول النامية هامة بشكل خاص في الوقت التي تشهد فيه هذه الدول انتشارا متسارعا لملكية المركبات الخاصة إذ بلغت 1.2 مليار مركبة تقريبا وتشير التوقعات الى ارتفاع العدد عام 2050 لكي يصل الى 2.6 مليار  .
    أما الانبعاثات الناتجة من المباني التجارية والسكنية مرتبط بشكل وثيق بالانبعاثات المتأتية من عمليات استهلاك الطاقة الكهربائية والتدفئة والتبريد في المباني . إذ تشكل ما بنسبته 8%  من الإجمالي العالمي لانبعاثات الغازات الدفيئة ، وعلى الصعيد العالمي فان القطاع الصناعي يسهم ما بنسبته 19% إذ تعتمد العديد من الأنشطة الصناعية على الاستخدام الكثيف للطاقة في عملها . بينما نلاحظ ان هنالك تباين كبير في مستوى انبعاث الغازات الدفيئة المتأتية من مختلف المدن والاقاليم جدول (1) ، إذ تساهم الكثافة السكانية الحضرية في الدول المتقدمة والبالغة 18 % في نشوء ما بنسبته 47% من مجمل انبعاثات غاز الكربون في العالم في حين تساهم الدول النامية والبالغة 82% في نشوء النسبة المتبقية والبالغة 52% شكل (1) . 
      كما إن تخطيط المدن يؤثر بشكل مباشر على النحو الذي تعيش به المجتمعات، لأن إقامة أماكن العمل مثلا بعيدا عن البيوت، يعني كثرة اللجوء إلى المواصلات لأجل التنقل، أما في حال عدم وجود مساكن كافية للناس بالمدن فإن ذلك يؤدي إلى بروز أحياء عشوائية (الاحياء الفقيرة ). أن المدن الموجودة في العالم لا تمثل سوى 2%  من مساحة الأرض في حين أن نصف سكان الكوكب يعيشون فيها، وسط توقعات بأن تصل هذه النسبة إلى 70 في المئة بحلول سنة 2050.
وأشار إلى أن هذه المساحة المحدودة للمدن، أي 2 في المئة، تستهلك  ثلاثة أرباع الطاقة الموجودة، وتتسبب بـ80 في المئة من الانبعاثات، وبالتالي فهي أبرز عامل من عوامل تغير المناخ “كما أن الحواضر هي الأكثر عرضة للخطر”.
 جدول (1) : مستوى انبعاث الغازات الدفيئة المتأتية من مختلف المدن والاقاليم                                                   شكل (1)
                
         الخلاصة : تعد مشكلة التغير المناخي من المشكلات المهمة التي تؤثر على المدن في الوقت الحالي نظرا للتزايد الكبير في اعداد السكان والتحضر السريع و غير المخطط ، يمكن الحد من هذه الظاهرة او التخفيف من اثارها السلبية من خلال استخدام الطاقة المتجددة ، والتي تعتمد على الموارد الطبيعية اعتمادا كليا كاستخدام الطاقة الشمسية من خلال الالواح الشمسية او استخدام طاقة المياه في توليد الطاقة الكهربائية ، كما تعتمد كل من مصادر  طاقة الرياح والحرارة الجوفية والمد والجزر وطاقة الأمواج على الموارد الطبيعية المتوفرة في مواقع معينة .  كما ويساعد التخطيط العمراني الصديق للبيئة في الحد من مشكلة التغيرات المناخية  بثلاث خطوات رئيسية يجب أن تراعيها المدن لأجل مكافحة تغير المناخ، وأولها هو خفض انبعاثات الكربون، ثم التحول إلى مصادر للطاقة المتجددة والنظيفة قدر المستطاع، وفي مستوى ثالث، ينبغي إقامة أنظمة مستدامة.
 

شارك هذا الموضوع: