المدينة الرافدينية القديمة (مفهومها وخصائصها)
ا.د حسن حمزة جواد
كلية التربية للعلوم الإنسانية-جامعة كربلاء
نحاول تسليط الضوء على أهم خصائص ومميزات المدينة الرافدينية القديمة، من ناحية شكلها، تخطيطها، مركزها، طرقها واهم المعالم فيها، لتكوين صورة واضحة تجمع بين المدينة الهلنستية في بلاد الرافدين وبين المدينة الرافدينية القديمة، التي امتدت جذورها إلى ذلك الوقت، فالكثير من مميزاتها استمرت لنجدها في المدن السلوقية، وكان للبيئة الطبيعية والموقع الدور الكبير في تشابه خصائص تلك المدن القديمة.
ذكر إن المدن المبكرة في بلدان الشرق الأدنى القديم كانت تتشارك فيما بينها بعدد من الصيغ المنظمة المشتركة، على الرغم من التنوع الحضاري الكبير بين سكانها، ومن امثلة ذلك الثيوقراطية، لأن الحاكم والكاهن الاعلى شخص واحد، ومراكز استقرار الكهنة وتابعيهم وخدمهم حولهم جميعا وسط المدينة، وبعد ذلك تم بناء قصر الحاكم بالقرب من هذا المركز الديني، وإلى جانبه بنيت بيوت المواطنين التابعين للحاكم والمباني الحكومية، وفى هذا المركز الحيوي كان يوجد السوق، لتبادل احتياجات السكان، ومنه تتجه الطرق نحو الأبواب الرئيسة في الأسوار.
وامتداد بيوت الاغنياء على الطرق العامة الرئيسة وخلفها بيوت الفقراء بين الطرق الضيقة واحدة من أهم خصائص ومميزات تلك المدن القديمة، فضلا عن وجود الميناء على أبوابها، وهو مركزها التجاري، مع احتوائها على الأسوار ومنطقة الضواحي الواقعة خلفها، والحاوية على المراعي والحقول الزراعية.
إذا كانت هذه هي الخصائص العامة والمشتركة بين مدن الشرق الأدنى القديم، فهل هي موجودة في بلاد الرافدين؟ ومشتركة بين مدنه؟ وما هي تلك المدن؟
هناك ميزة أو خاصية تكاد تتميز بها المدن الرافدينية القديمة، وهي نشوء المدن قرب مصادر المياه، ولاسيما في وسط وجنوب العراق القديم، فكانت على الأنهار أو فروع الأنهار، بل عدت قاعدة في اختيار مواقع المدن في جميع الادوار التأريخية، التي مرت على بلاد الرافدين، وما انتشار الاطلال الآثارية في المناطق الجرداء في الوقت الحاضر إلا بسبب تغير مجاري الأنهار عبر العصور، وبعضها كان يحاذي النهر من جهة واحدة مثلما في سبار وكوثى، وهناك مدن امتدت على ضفتي النهر مثل مدينة بابل واور وكيش ونفر، ويبقى مركزها الرئيس في جانب واحد، وهذا واضح في مدينة بابل.
 لم يقتصر الاستقرار قرب الأنهار في بلاد الرافدين على سهولة الحصول على المياه، للاحتياجات اليومية للسكان أو للزراعة وتربية الحيوانات، بل تجاوز ذلك إلى تحقيق اهداف اقتصادية وأمنية، إذْ أسهمت الأنهار في حركة النقل وتنشيط التجارة بين المدن والبلدان المجاورة، أما من الناحية الأمنية فكان لهذا العامل أهمية قصوى، فنجد الكثير من المدن قد تحصنت بالخنادق المائية مع الأسوار، ومن اشهرها مدينة اور، التي تحيط بها الأسوار مع الخندق المائي، ويوجد في مدينة بابل خندق مائي ايضاً، يأخذ ماءه من النهر الموجود شمال المدينة، ثم يعود ليصب في النهر الممتد إلى جنوبها، ويتراوح عرض هذا الخندق بين (20-60 م)، وتم تغليفه من الداخل بالطابوق والقير لتقويته، وحوطت نينوى العاصمة الآشورية بخندق مليء بالماء من ثلاث جهات، والجهة الرابعة كانت محمية بنهر دجلة.
واذا أردنا الحديث أكثر عن المدن الشمالية الآشورية التي استحكمت دفاعاتها الأمنية بنهر دجلة فهي مدينة آشور، الواقعة على ضفته الغربية، وأمنت حدودها من الشرق بمسافة بلغت نحو (١٥٠٠م)، وتميز مجرى النهر قربها بسرعة جريانه وعمق واديه، وهو بذلك حصن طبيعي مانع للمدينة من جهة الشرق، فضلا عن توسطها لنهري الزاب الأعلى والاسفل، مما زاد في منعتها وحمايتها، وهي بذلك محمية بالمياه بأكثر من جهة، أما مدينة كلخو(Kalhu)(النمرود) فهي واحدة من المدن الآشورية المحصنة بالمياه أيضاً، وقعت على الضفة الشرقية لنهر دجلة، يحدها من الجنوب الزاب الأعلى، الذي ينتهي مصبه بنهر دجلة، فهي بذلك محمية بالمياه من جهة الغرب والجنوب.
 وبذلك شكلت الخنادق المائية والأنهار والجداول المتفرعة منها عوارض مائية طبيعية لتحصين المدن، واعاقة السيطرة عليها، فالقريبة من الأنهار حصلت على فرصة أكبر من غيرها، في تعزيز قدراتها العسكرية للدفاع عن نفسها. وهنا لآبد من طرح سؤال سنحاول الاجابة عليه فيما بعد، هل احتوت العاصمة الملكية سلوقية دجلة على هذه الميزة الدفاعية، التي تميزت بها مدن العراق القديم.
نمت المدينة في بداياتها الأولى حول المعبد، وكان هناك حرص كبير على استمرار بناء المعبد في المكان نفسه، وخير مثال على ذلك معبد اريدو ثم صارت ظاهرة موجودة في كل مدن العراق القديم، ومنها معابد مدينة اور ومدينة نفر وآشور وبابل الرئيسة، إذْ صار المعبد النواة الحضرية الاساسية، تتجمع من حوله مرافق المدينة الأخرى كافة، ومن أهمها القصر، إذْ عد المعبد والقصر النواة الحضرية الأساسية للمدينة الرافدينية القديمة.
اذ تركزت منطقة القصور والمعابد في جنوب العراق القديم في مركز المدينة، وحول الزقورة توجد المعابد، ويحيط بجميعها سور مركزي واحد، وخير مثال على ذلك مدينة اور، التي احتوى مركزها على المعابد الرئيسة والزقورة، وبيت الخزينة الدينية، والمقبرة الملكية والقصر الملكي، ويحيط بجميعها سور خاص، يرتبط مع المدينة بمداخل عدة، استعملت لأغراض مختلفة منها الخدمية أو للاحتفالات. 
أما في الشمال فتكون منطقة القصور والمعابد أو المدينة الملكية خارجة جزئيا عن أسوار المدينة، أو على الحافة الخارجية القريبة من النهر والمطلة عليه، وانتشرت المعابد بين القصور، ففي مدينة آشور مثلا، وقعت القصور والمعابد في الجزء الشمالي منها، على حافة المدينة النهرية، وكذلك الحال بالنسبة للمدن الأخرى مثل كلخو(النمرود) ونينوى ودور-شروكين، أما المدن التي يخترقها النهر فيكون مركزها الديني والدنيوي (اي مكان المعابد والقصور) بالعادة على حافة النهر، وعلى جانب واحد من المدينة القديمة، أو على الجانبين المتقابلين، ومن هذه المدن بابل والوركاء وكيش ونفر.
يمكن القول ان المعبد كان مركز المدينة، ثم أصبح معه القصر مركزا للمدينة الرافدينية القديمة، وإذا كان الأول في بداية أمره يمثل الركيزة الاساسية للمدينة، فهو مقراً للسلطة السياسية والإدارية والاقتصادية، ومن حوله نمت وتطورت المدينة.
 أما في المدن الآشورية فكانت المنطقة الملكية (المحتوية على البنايات الدينية والدنيوية) في اطرافها أو أحد اجزائها، فلم تكن في مركز المدينة، والسبب يعود إلى أنها مدن ملكية أتبع في تخطيطها التنظيم الدقيق، وفقا لمخططات معينة مثل كلخو (النمرود) ودور-شروكين. وبذلك يكون هناك نوعين من المدن في العراق القديم أحدهما تكون فيها المنطقة الملكية المحتوية على القصور والمعابد وملحقاتها وسط المدينة، وأخرى تكون في أحد اجزائها وهي بالغالب المدن الملكية الآشورية. 
من المميزات التي تميزت بها مدن العراق القديم، احتوائها على اسوار خارجية وداخلية، مختلفة الأشكال، إذْ شيد سكان بلاد الرافدين الأسوار منذُ أقدم القرى التي عرفها الانسان، وقام السومريون في عصر فجر السلالات (٢٨٠٠-2371 ق.م) بتشييد الأسوار الدفاعية حول مدنهم باللبن، وكانت بسيطة وغير منتظمة، وتأخذ شكل المدينة، أي محيطها الخارجي، ولا تحتوي الأبواب في جوانبها على الابراج، ووضعت الركائز لأسناد الأسوار ، هناك العديد من الأسوار التي عثر عليها المنقبون في المدن والقرى الرافدينية القديمة، وعد السور الذي عُثر عليه في تل الصوان(Tell Es-Sawwan) اقدم نظام دفاعي من نوعه في بلاد الرافدين، ويمثل الحد الفاصل بين المدينة الواقعة داخل السور والضواحي الواقعة خارج السور، وأُرجع تأريخه إلى الالف السادس قبل الميلاد، وكان للوركاء سور له بابان، احدهما في الشمال والأخر في الجنوب، ومكون من جدارين مع سلسلة من انصاف الابراج، وتبرز عن السور بما يقارب ٢.٥ م، أما مدينة اور فكان لها سور أيضاً، وهو بيضوي الشكل مشيد باللبن، وهناك سور ثاني داخل المدينة يحيط بالمنطقة المقدسة، أما مدينة بابل فكانت تحتوي على سوريين احدهما خارجي والأخر داخلي مع خندق ماء، وقد قوي السور بأبراج بارزة.
ولقد مر بناء الأسوار على مر العصور والحقب التأريخية في بلاد الرافدين بمراحل تطورية مختلفة، ففي عصر فجر السلالات (2800- 2371 ق.م) كانت بسيطة وغير منتظمة، أما في العصر الأكدي (2371 – 2230 ق.م) فقد شهدت الاستقامة والانتظام، ثم في العصر البابلي القديم (٢٠٠٦-١٥٩٥ق.م) صارت تأخذ شكل واجهات المعابد والمباني، بأبراجها الدفاعية، الموزعة على طول الجدران، ودلت قوة اسوار المدن الآشورية على مدى تطور الفكر العسكري الدفاعي، إذْ كان في نينوى مثلا أكثر من سور، بعضها شيد من اللبن، وتتقدمها اسوار من الحجر تبلغ ١٢م، وبذلك يمكن القول ان وجود الأسوار مع المدن ما هي الا صفة ملازمة مع أغلب مدن العراق القديم، منذُ اقدم العصور القديمة.
وكان في المدن الرافدينية القديمة نوعان من الطرق، النوع الأول غير المنتظم، فتارة يكون عريض وأخرى ضيق، وتكون منفتحة وواسعة عند مداخل المعابد الكبرى والقصور، وأنها ليست مستقيمة بل تنمو وتتلوى مع أشكال القطع السكنية والانشائية المختلفة، أما النوع الثاني فتكون الطرق مستقيمة ومنتظمة، وجدت بالأصل في المدن الدينية والعسكرية، وعرفت بأسماء الآلهة والبوابات، التي تؤدي إليها هذه الطرق، وكذلك هناك طرق للاحتفالات، ارتبطت بأعياد رأس السنة البابلية في مدينة بابل والوركاء وآشور.
وكان للطرق في العواصم الآشورية نصيب كبير من اهتمام الملوك الآشوريين، إذْ عُدَّوها شيئا جماليا، فضلا عن دورها في الحركة والتنقل، بل تفاخر ملوكها في شقهم الطرق الواسعة في نينوى، وربطها مع المدن الأخرى، إلاّ ان اللافت للنظر هنا هو ان مدينة دور-شروكين، العاصمة الملكية انفردت بطرقها المستقيمة المتقاطعة بعضها مع بعض، لتكون ما يشبه رقعة لعبة الشطرنج، وهو التخطيط المتبع فيما بعد بالمدن اليونانية.
ويمكن القول ان هنالك نوعين من الطرق، أحدهما عشوائي، نما بصورة تلقائية بمرور الوقت، والنوع الاخر هو المتبع في المدن الملكية، المخططة على أراضي جديدة أو بالقرب من المواقع القديمة، اتاحت الأرض البكر لمصمميها ان يخططوا طرقها بحرية وانتظام، وأكثر أتساعاً وتناسقاً من المدن القديمة.
وعرفت طرق المدن الرافدينية القديمة التبليط، ففي مدينة بابل مثلا وجد شارع الموكب، وبوابة عشتار قد بلطت بحجر جيري، وفي تعلية الطرق استعمل التراب النقي والآجر بطبقاتً عدة، بينها مادة الزفت والقار، وأخر تعلية في شارع الموكب كانت بوضع حجر بركاني ذو لون احمر بنقاط بيضاء، وكتب على حافاته نصوص بنائية، تشير إلى الشارع والى تعلياته، ولم يقتصر الأمر على مدينة بابل بل شهدت مدينة آشور تبليط طرقها بالحجارة أيضاً.
أما خطط المدن الرافدينية القديمة فكانت على أشكال مختلفة، فمنها المربعة مثل مدينة بابل، والتي تطورت بعد ذلك لتكون على شكل متوازي المستطيلات، بعد ان امتدت رقعتها إلى الجانب الغربي من النهر، الذي عرف بالمدينة الجديدة، وقسمها الشرقي هو الجزء الرئيس منها. 
ومن مدن بلاد آشور مدينة كلخو(النمرود)، احدى العواصم الآشورية الجديدة، ذات الشكل المستطيل، وبمساحة تبلغ 4 كم2، وفضلاً عما تقدم فان هناك الشكل شبه المنحرف في تخطيط مدن بلاد الرافدين، إذْ كانت العاصمة نينوى بهذا الشكل، الذي كان أقصر اضلاعه في الجنوب واطولها في الشرق، أما مدينة آشور فقد اتخذت الشكل المثلث تقريبا، وجاءت دور-شروكين لتتميز بشكلها المربع، المشابه إلى مدينة بابل في أول أمرها، وزوايا سورها تتجه نحو الجهات الأربعة الرئيسة، وهناك نوع أخر أتخذ الشكل الدائري تمثل في مدينة الحضر.
ان المدن الرافدينية القديمة في الغالب لا على العموم تتكون من ثلاثة اجزاء رئيسة، هي قلب المدينة أي مركزها، والمكون من المعابد والقصور، والجزء الثاني هو ضواحي المدينة، الذي هو مصدر غذاء سكانها مما تنتجه مزارعها وبساتينها ومواشيها، أما الجزء الأخير منها فهو ميناء المدينة، الذي يُعدَّ مركزها التجاري، ولاسيما تجارتها الداخلية والخارجية، وفيه اماكن لإقامة التجار والمسافرين، وعرف بالسومرية بــ (كار)(kar)، وباللغة الأكدية بـــ ( كارو)(karu)، ومدينة اور من اشهر تلك المدن، التي دلت اثارها الباقية على وجود هذا الجزء فيها، اذ وقع مينائها في الجزء الشمالي الشرقي من الزقورة بنحو(٣ كم)، ولا يمكن تعميم هذه الاجزاء الثلاثة على جميع مدن بلاد الرافدين، إلاَّ إنَّ غالبيتها كانت كذلك، وفضلاً عن كونه (الميناء) المركز التجاري للمدينة فهو مدخلها الرئيس، وله الدور الكبير في النقل والمواصلات ، وكان لها فوائد مادية أيضاً، وذلك عن طريق ما تدره من رسوم تُفرض على السفن الداخلة والخارجة منها، وذكر ان المدن الاشورية لم تخلُ من الموانئ، فهناك ميناء في مدينة نينوى، الذي وصف انه عند أحد بواباتها، المعروفة بـ (بوابة المسناة)، المرصوف مثله مثل ميناء مدينة كلخو(النمرود) بالحجارة الصلبة المهندمة .
وهناك مدن عراقية قديمة احتوت على ميناءين، ومثال ذلك مدينة اور، التي كان لها ميناء في الجزء الشمالي وأخر في الجزء الغربي، يكونان ملاصقين للأسوار من الداخل، ولهما مداخل مائية تسهل مرور السفن والزوارق عبر مياه الخندق الدفاعي إلى النهر والأهوار القريبة منها. 
وكون دفن الأموات يحتاج الى بقعة من الأرض ضمن مخطط العمارة فنجد من الضروري التطرق الى هذا الموضوع، فهل خصص العراقي القديم جزء من مدينته لهذا الغرض؟ أم كانت مواضع عدة مختلفة خصصت لهذا الشأن، استنادا إلى ما ذكره الآثاري العراقي (نائل حنون) فإن هناك مجموعة من المواضع احتوت على قبور سكان العراق القديم منها:
1- تحت أرضيات المساكن، وهي واحدة من أقدم أنواع الأماكن المعدة للدفن منذُ العصور الحجرية القديمة، واستمرت هذه العادة في عصر فجر السلالات (٢٨٠٠-2371ق. م)، إذْ عُثر على قبور من هذا النوع في مدينة نفر وكيش، ثم استمر في عصر اور الثالثة (٢١١٢-٢٠٠٦ ق. م) في العاصمة اور كذلك في مدينة آشور، ثم في مدينة نفر بالعصر البابلي القديم (٢٠٠٦-١٥٩٥ق. م)، وممكن ان تكون مخصصه للعبيد، وعرف في اللغة السومرية القبر الموجود داخل البيوت باسم (كي ماخ) (Ki-Makh) ويعني (الأرض العظيمة). 
٢- الدفن في القصور الملكية، وهو امتياز خاص لدفن الملوك أو الأتباع المقربين من البلاط.
٣-المقابر المخصصة للأموات، أي ان هناك قطع من الأراضي خصصت للدفن، وهي على نوعين، منها ما كان داخل المدن بين البيوت، وكان هذا النوع معروف من العصر الحجري المعدني (5600- 3500 ق.م) وهناك احتمال أتباعها في مدينة نفر خلال العصر البابلي القديم (٢٠٠٦-١٥٩٥ق. م)، ونوع أخر منتظم وجد داخل المدن مثل اور ونينوى. أما النوع الثاني من المقابر المخصصة هو ما موجود خارج المدن، ويعود أقدمها إلى العصر الحجري الوسيط، اذ دفن سكان القرى القريبة من كهف شانيدار موتاهم فيه، وكانت مألوفة في مدينة نفر ايضاً، ولاسيما في العصر الأكدي (2371 – 2230 ق.م) وما تلاه.
٤- الدفن في اضرحة مستقلة، شيدت لعدد من ملوك سلالة اور الثالثة (2112- 2006 ق.م) في مدينة اور عاصمتهم الملكية.
مما ورد نجد ان المدن الرافدينية القديمة اشتركت فيما بينها بالكثير من الصفات والمميزات، جاءت طلبا للأحوال الطبيعية والأخطار الخارجية، التي كانت تهددها، ومن هذه الصفات:
 
١- اشتركت أغلب المدن بوقوعها على الأنهار الرئيسة أو الفرعية، وسُخرت مياه تلك الأنهار لخدمة السكان في أغراض عدة كالإيفاء بمتطلباتهم اليومية وأغراضهم الدفاعية، استغلت في عمل خنادق مائية تحيط بالمدينة، فضلا عن استعمالها في النقل. 
٢- احتوت المدينة الرافدينية على سور أو اثنين، لحمايتها من الأخطار الخارجية منذُ أقدم عصورها.
٣- كانت طرق المدن على نوعين، الاولى عشوائية وغير منتظمة، وأخرى منتظمة تقع عليها أهم المؤسسات الدينية والدنيوية، وفي الغالب كانت موجودة في المدن الملكية والدينية، وتم العناية في أرضياتها، اذ بلطت بالحجارة.
٤- احتوت كبريات المدن الواقعة على الأنهار على جزء مهم وحيوي، تمثل بالميناء، الذي عُد وسيلة مهمة لربط المدينة بالعالم الخارجي، ومركز تجاري وحضاري، لتلاقح الأفكار والثقافات المتعددة بين المحليين والغرباء.
5- اشتملت المدينة الرافدينية القديمة في مركزها على المعابد والقصور والبنايات الحكومية، إلا ان هناك نوع أخر تركزت فيه تلك المباني بوقوعها في أحد اجزاء المدينة لا في وسطها.
6- اختلفت الطرائق المتبعة أو المواضع التي دفن فيها سكان بلاد الرافدين موتاهم، فهناك عادة الدفن داخل المنازل، وهناك داخل المدن بين البيوت، ويوجد خارج المدن أيضاً، مع وجود مقابر خاصة بالملوك على شكل اضرحة، وقبور داخل القصور الملكية للملوك وتابعيهم المقربين جدا.
 
للمزيد انظر:
حسن حمزة جواد، مدينة سلوقية دجلة دراسة تاريخية حضارية، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة بغداد-كلية الآداب-قسم التاريخ، 2019م.

شارك هذا الموضوع: