المرأة ومسؤوليتها في كلام الامام علي (ع)
م.د نور حسين الرشدي                   قسم الجغرافية التطبيقية
حظيت المرأة مكانة متميزة في الفكر الإسلامي نتيجة الواقع الذي عاشته في الحضارات التي سبقت الإسلام، بين الرفعة والسمو في بعض الحضارات والاستهانة والتدني في حضارات أخرى.
اما في مجتمع الجزيرة العربية قبيل ظهور الإسلام فقد حدثنا القرآن الكريم (وهو اصدق المصادر التاريخية وأوثقها عن المكانة الاجتماعية للمرأة آنذاك ، فالوأد ودفنهن احياء كانت احدى سمات ذلك المجتمع وكذلك بيعهن في سوق النخاسة كانت تجارة رابحة ، فجاء الإسلام ثورة على الفساد وأعطى المرأة المكانة المتميزة والمرموقة فتحدثت آيات القرآن الكريم في الكثير منها عن المرأة ، وكان الرسول (ص) من خلال احاديثه مثالا تطبيقيا لتشريعات الإسلام فيها وقد اعطانا القرآن الكريم أمثلة واقعية من الحياة فمريم وامرأة فرعون كانت انموذجاً عن الأمثلة السامية وامرأة نوح ولوط نموذج لتدنيها ، ويمكننا استعراض بعض الآيات التي ذكرت فيها المرأة في مواضع عدة منها يقول الله تبارك وتعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]، ويقول الله تبارك وتعالى :{أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}[آل عمران: 195] , وكفل الاسلام للمرأة حقوقها :{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: 228], وهذا حق الانسانية العام الذي يكفله الإسلام ، اما المرأة في وصايا الرسول الاكرم (ص) فللرجل حقوق وعليه واجبات، وللمرأة حقوق وعليها واجبات ، يقول رسول الله محمد (صلى الله عليه واله وسلم): ( ما اكرم النساء الا كريم , ولا اهانهن الا لئيم)، ويقول أيضا (صلى الله عليه واله وسلم):( خيركم خيركم لنسائه ، وانا خيركم لنسائي)، (المرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة).
اما عن المرأة في عهد الامام علي، فقد نالت المرأة في عهد امير المؤمنين (عليه السلام) كامل حقوقها وحريتها الانسانية المشروعة، وكامل كرامتها ولم يذكر التاريخ حادثة واحدة اهان فيها الامام المرأة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان معروفًا بتعامله الحسن مع النساء، سواء كان من أهله أو من عامة الناس. كان يحترم مكانتهن ويُظهر لهن الرحمة والعدالة، ويراعي حقوقهن وفقًا لتعاليم الإسلام. في سيرته مواقف عديدة تُظهر هذا التعامل المثالي، ومنها موقفه مع فاطمة الزهراء (عليها السلام): كان الإمام علي مثالًا للزوج المثالي في تعامله مع زوجته السيدة فاطمة (عليها السلام) شاركها في أعباء الحياة رغم مكانته وكونه قائدًا كان يقول(ع) والله ما أغضبتُها، ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرًا.”
وهذا يبرز المودة والاحترام المتبادل بينهما، اما موقفه مع ابنته زينب (عليها السلام): كان الإمام علي يعامل ابنته السيدة زينب (عليها السلام) بعناية خاصة، وكان يُعلمها الفصاحة والبلاغة، حتى أصبحت رمزًا للشجاعة والصبر. يُروى أنه كان يقول للسيدة زينب: “يا نور عيني، أنت من أعظم النساء شأنًا.”وهذا يعكس مدى تقديره لها ولدورها في المجتمع، اما موقفه مع النساء في وصاياه:
  • كان الإمام يوصي بأهمية احترام النساء وصون كرامتهن. في وصيته لابنه الإمام الحسن (عليه السلام)، قال: كن للمرأة عونًا، فإن المرأة أمانة وليست ملكًا، وهذا يعكس نظرته العميقة لدور المرأة في الحياة، ومن كلام الامام علي يمكننا استخلاص عدد من المسؤوليات التي تُبرز رؤيته لدور المرأة، وهي: مسؤوليتها في بناء الأسرة:
الإمام علي (ع) شدد على أن الأسرة هي النواة الأساسية للمجتمع، ودور المرأة فيها جوهري. هذا يشير إلى أن مسؤوليتها الأساسية هي في رعاية الأسرة وتوفير بيئة محبة ومطمئنة لأفرادها، بعيدًا عن الاستغلال أو الضغط عليها، اما دورها كزوجة الإسهام في تحقيق السكينة والود داخل الأسرة، التعاون مع الزوج في بناء حياة مستقرة قائمة على الاحترام والمودة، اما دورها كأم:
الإمام علي (ع) كان يؤكد على دور الأم في تربية الأبناء، حيث قال: الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة، وهذا يبرز أهمية دورها في غرس القيم الأخلاقية والدينية في الأبناء، مما يؤثر إيجابيًا على المجتمع، اما مسؤوليتها في الأخلاق والتقوى، الإمام علي (ع) كان يركز على أهمية الحفاظ على الأخلاق والقيم لدى المرأة، باعتبارها قدوة للأجيال. يقول: عقول النساء في جمالهن، وجمال الرجال في عقولهم) يُفهم من هذا أن المرأة مسؤولة عن تعزيز قيمتها الذاتية من خلال أخلاقها وحكمتها، لا فقط من خلال مظهرها، أما مسؤوليتها الاجتماعية فبالرغم من تركيز الإمام علي (ع) على دور المرأة داخل الأسرة، إلا أنه لم يغفل دورها في المجتمع، فقد أشار إلى أن المرأة تُسهم في بناء المجتمع من خلال أدوارها المتنوعة، سواء في المساهمة في الأعمال الخيرية، أو نقل القيم، أو دعم قضايا الحق والعدالة، . مسؤوليتها في حفظ كرامتها ودينها:
الإمام علي (ع) دعا المرأة إلى صيانة نفسها وحفظ كرامتها، لأنها أساس قوة الأسرة والمجتمع. قال: زينة النساء الحياء. الحياء هنا لا يعني الانزواء، بل الاحترام الذاتي والالتزام بالقيم التي تجعلها ركنًا أصيلًا في المجتمع.
خلاصة القول ان مسؤوليات المرأة وفقًا للإمام علي (ع) تتنوع بين دورها في الأسرة كأم وزوجة، ودورها الاجتماعي كعضو فاعل يسهم في بناء القيم الأخلاقية، مع الحفاظ على التوازن بين هذه الأدوار. كان الإمام ينظر إلى المرأة كركيزة أساسية في المجتمع، محذرًا من التقصير في احترامها أو تحميلها ما لا طاقة لها به.
 

شارك هذا الموضوع: