المصادر- المفهوم والأنواع
بقلم م.م. هبه علي الموسوي/ كلية التربية للعلوم الإنسانية/ قسم اللغة العربية .
نجد معنى المصادر في مصنّفات المَعَاجِم اللُّغَوية متصدراً في معرض الحديث عن مادة
( ص، د، ر) والمعاني والدلالات الناتجة عنها، إذ إنّ الصاد والدَّال والراء أصلان صحيحان، أحدهما يدل على خلاف الوِرْد، والآخر صدر الإنسان وغيره، «المَصْدَر أصل الكَلِمَة التي تَصْدُرُ عنها صَوادِرُ الأفعال، وتفسيره أنّ المصادر كانت أوّل الكَلام، كقولك الذهاب والسّمع والحِفظ، وإنّما صَدَرت الأفعال عنها، فيقال: ذَهَب ذَهابًا وسَمِعَ سَمعًا سَماعًا وحَفِظَ حِفظًا، وقيل الصَّدرُ عن كُلّ شيء الرجوع ، والصَّدْرُ بالتسكين المصدر، وقوله صَدُر المطية مصدر من قولك صَدَر يصدُرُ صدرًا». والمصدر« ما يصدُرُ عنهُ الشيءُ وهو صيغةً اسمية تدلُّ على الحدثِ فقط». أما في المعنى الاصطلاحي للمصدر فننظر أنه عند انعام النظر في كتاب سيبويه يجعلنا نقف على أنَّ مصنفه لم يضع حدًا للمصادر بل اكتفى بسرد أبوابه وأنواعه، قال سيبويه: « فالأفعال تكون من هذا على ثلاثة أبنية: على فَعَلَ يَفعَل، وفَعَل يفعِل، وفِعَل يَفْعَل، ويكون المصدر فَعْلًا، والاسم فَاعِلا».
وتحدّث ابن السرّاج عن المصادر في باب الأسماء التي أعملت عمل الفعل فقال: «اعلم: أنّ المصدر عَمِلَ عَمَل الفعل، لأنّ الفعل اشتقّ منه وبني مثله للأزمنة الثلاثة، الماضي والحاضر والمستقبل».
أمّا أبو علي الفارسي فنراه قد حذا حذو سيبويه وابن السراج (ت316هـ) إذ يقول في مطلع حديثه عن المصادر: «اعلم إنّ أمثلة الأفعال مشتقة من المصادر، كما أنّ أسماء الفَاعِلين والمفعولين مشتقة منها…. وأنّ أبنية المُتَعَدِّية على ثلاثة أضرب: فَعَلَ يَفْعِل، وفَعَل يَفْعُلُ، وفَعِل يفْعَلُ».
و لعلَّ أوّل من وضع له حدًّا من القدماء هو ابن جنّي، إذ تحدّث عنه في باب أطلق عليه (باب المفعول المطلق وهو المصدر)، فقال: «اعلم أنّ المصدر كُلّ اسم دلّ على حدث، وزمان مجهول، وهو وفعله من لفظٍ واحد، والفعل مشتق من المصدر».
وكذا عَرَّفَهُ ابن سيده (ت458هـ) بقوله: « المصدر اسم الحدث الذي تصرّف منه الأفعال نحو الضرب تصرف منه ضَرَب يضربُ وسيضرب والمصدر للفعل كالمادة المشتركة ولذلك سمّته الأوائل مثالاً وسمّوا ما اشتقّ منها تصاريف ونظائر».
ونستطيع أن نرى بوضوح تأثر ابن سيده بابن جنّي من خلال تعريف ابن سيده للمصدر، وكذا الأمر مع الرضي (ت686هـ) من خلال حدِّه للمصدر بقوله: «اعلم إنّ المصدر عَرَض، لا بدّ له في الوجود من محل يَتَقوَّم به، وزمان ومكان، بعض المصادر ممّا يقع عليه، وهو المُتَعَدِّي ولبعضها من الآلة، كالضرب، لكنّه وضعه الواضع لذلك الحدث مطلقًا غير نظر إلى ما يحتاج إليه في وجوده».
أمّا المُحْدَثون فلم يضيفوا شيئًا على ما قاله القدماء حول تعريف المصدر، وكانت تعريفاتهم تدور حول المحاور نفسها : فالمصدر كَلِمَة تَدلّ على حالة أو حدث من غير الإشارة إلى زمان معين، أو هو الاسم الدَّال على حدث مجرد من الزمان كالقيام والقعود والكتابة والعطاء. والمصدر: اسم يدلّ على الحدث المجرد فقط وليس على حدث صادر عن فَاعِله أو قائم بفَاعِله ولذلك فهو لا يدلّ على الصيرورة ولا على الزمان (كما تَدلّ عليها الأفعال)؛ ولأنّ الحاجة تقتضي الحديث عن الأحداث من غير ملاحظة صدورها عن أحد لذلك لزم التعبير عنها بكَلِمَة أخرى غير الفعل، ويسمّى ذلك في العرف اللُّغَوي بـ(المصدر) أو قل اسم المعنى في مقابل (اسم الذات) فيقال مثلاً حبر جميل كما يقال بيت جميل.
وعُرّف المصدر بأنّه اللفظ الدَّال على حدث غير مقترن بزمان، المتضمن أحرف فعله، نحو (عِلْم) و (اجتهاد) ، وهو الصيغة الدَّالة على حالة أو حدث أو معنى مجرد من الزمان والمكان والذات ويشمل المصدر على جميع أحرف فعْله لفظًا أو تقديرًا وقد يزيد عليها، والمصدر هو اسم الحدث الجاري على الفعل وذلك أنّ المصادر هي الأحداث، فالدّلالَة العامة للمصدر هي الدّلالَة على الحدث، وهو الاسم الذي يدلّ على الحدث مجردًا من الزمن والشخص والمكان وهو عند البصريين أصل المشتقات.
والمصدر ثلاثة أنواع: المصدر القِيَاسي ، وهو الذي نستطيع أن نقيس عليه مصادر الأفعال التي وردت عن العرب ، ولا نعلم كيف تكلّموا بها ، وهو الأصل الذي تطّرد عليه مصادر كُلّ باب. والمصدر السَّمَاعي، وهو الذي يسمع في الفعل خارجًا عن الوزن القِيَاسي الذي يجب أن يكون عليه، والمصدر الصناعي، وهو المصوغ بإضافة “ياء” النسبة إلى اسم ، مردفة بتاء التأنيث للدّلالَة على صفة فيه، ويكون ذلك في الأسماء الجامدة كالحجرية والإنسانية والحيوانية والكميّة والكيفيّة.
وخاض علماء العَرَبِيَّة هذا المضمار ببذل جهودهم في جمع متفرقات هذه المصادر تحت مقاييس وجاءوا إلى هذه المقاييس من ناحية الماضي والمضارع فقربوا مآخذها ما استطاعوا وانقسمت المصادر بعد هذا من حيث السَّماع والقياس على ثلاثة أقسام:
أحدها ما لا شبهة في صحّة القِيَاس عليه، نحو (فَعْلَلَة) مصدرًا للفعل الرباعي المجرد كدَحْرَجَ وعَرْبَدَ ونحو (إِفْعَال) مصدرًا للفعل الرباعي المزيد كأكرم إكرَام ونحو (تَفْعِيل) مصدرًا للفعل المضعف تعلَّم تَعْليم، ونحو (مُفَاعَلَة) مصدرًا للفعل الرباعي أيضًا كخَاصَم مُخاصَمة، ونحو (افتِعال) مصدرًا للفعل الخماسي كارتقى ارتِقاء، ونحو (تَفعَّل) مصدرًا لما جاء على تفعَّل كتكَلّم.
ثانيها: ما لا يختلف في قصره على السَّمَاع، لقلّة ما ورد منه في الكَلام، كالمصدر الوارد على (فِعَّال) نحو كذب كذّابًا أو الوارد على فِعِّيلى نحو الحثِّيثى للمبالغة في التَحَاث، أو ما جاء على فَعَلَى نحو جَمَزى.
ثالثها: ما جرى الخلاف في جواز القِيَاس عليه، كطائفة من مصادر الفعل الثُّلاثي نحو (فَعْل) مصدرًا للفعل المُتَعَدِّي كشرب، وفهم، ونصر، ونحو (فعَل) مصدرًا لفعل اللازم، كفرح، ونحو (فُعُول) مصدرًا لفَعَلَ اللازم، كقَعَد وعَدَا.
المصادر والمراجع:
– لسان العرب ،ابن منظور.
– المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية في القاهرة.
– كتاب سيبويه.
– الأصول في النحو،. أبو بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي.
– التكملة، أبو علي الفارسي.
– اللمع في العَرَبِيَّة، أبو الفتح عثمان بن جنّي.
– المخصص، ابن سيده.
– الصَّرف الوافي، د. هادي نهر.
– كتاب الصَّرف، عباس محمد كاظم.
– علم الصَّرف، راجي الأسمر، إشراف د. إميل بديع يعقوب.
– الوافي في النحو والصَّرف، د. حبيب يوسف مغنية.
– دلالات الأبنية، د. عبدالحق أحمد محمد الحجي.
– أبنية الصرف في كتاب سيبويه، د. خديجة الحديثي.
– القِيَاس في اللُّغَة العَرَبِيَّة، محمد الخضر حسين.