(المعنى النحوي في الجملة الفعلية المطلقةعند النيسابوري في تفسيره ” غرائب القرآن ورغائب الفرقان )
الطالبة : مريم فاضل نعمة / دكتوراه-لغة . 
يمثل المعنى مقصدًا أساسيًا من مقاصد الكلام، وغاية أثيرة من غاياتهِ، وللمعنى مستويات إذ ينشأ المعنى من الصوت الذي يؤلف المفردات ثم ما تكتنزه هذهِ المفردات من معانٍ، ثم ما يضيف إليها التركيب من معنى إضافي يغادر العلاقة المباشرة بين اللفظ والمعنى إلى علاقة نظمية تنتظم بها الألفاظ ؛ لتؤدي معاني أُخر فيكون المعنى هو المحصلة الناتجة من تأليف المفردات وضمها إلى بعض ، ولا يكون هذا التأليف اعتباطيًا ؛ لأن للتأليف قواعد تحكمه استقراها النحويون من كلام العرب تنماز بحسبها الأساليب والتراكيب في تأدية المعاني وهو ما يعرف بالمعنى الوظيفي للمفردات في داخل التراكيب ؛ لأن الوظيفة البيانية تتجلى في المعنى التركيبي لا الإفرادي؛ لما بين مفردات التراكيب من تعالق وتواشج ومصاحبات ، وما ينتج عنه من تماسك واتصال، يجعل  التركيب كُلًا واحدًا يؤدي معنى تركيبيًا، قد لا يمكن للمفردات أن تؤديهِ محققًا بذلك الفائدة التي يستطيع المتكلم السكوت عليها مقرونة باكتفاء المتلقي بها.والجملة الفعلية المطلقة هي الجملة التي يقتصر فيها على ذكر المسند والمسند إليه حيث لاغرض يدعو إلى حصر الحكم ضمن نطاق معين بوجه من الوجوه ،أمّا التقييد أن يزاد على المسند والمسند إليه شيء يتعلق بهما أو بأحدهما، والجملة الفعلية  أما أن تقيد بمفرد  كالمفعول، نحو: أكل الولد تفاحة، والنعت، نحو: الطالب المتفوّق محبوب ، والمجرور، نحو: استعرت الكتاب من المكتبة والمضاف إليه، نحو: حضر أمين السرّ ،والحال، نحو: خرجت مسرعا، والتمييز، نحو: اشتريت عشرين كتابا،والظرف، نحو:سآتيك غدوة. والنّاسخ، نحو: أوشك المطر أن ينهمر، وأمّا أن تقيّد بجملة أمّا أن تكون مفعولية، نحو: علمت أنك مسافر (علمت سفرك)،أو نعتيّة، نحو: في القاعة طلاب يقرأون (قارئون)، أو ظرفيّة، نحو: نهضنا حين طلع الفجر، أو حالية، نحو: مررت على المروءة وهي تبكي (باكية)،أو  جملة الموصول، نحو: من عاش مات. أو  جملة شرطيّة، نحو: إن تدرس تفز.أو مجرورة بحرف الجر، نحو: جئت لأنّه دعاني.                                 
ومن دلالات الفعل المضارع عند النيسابوري الدلالة على الزمن الماضي قولهِ تعالى : رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (الحجر:2) فقد ذكر النيسابوري السبب في دخول (ربما) على الفعل المضارع مع أنه مختص بالماضي بقولهِ : “انما دخل على المضارع مع إنه مختص بالماضي ؛ لأن المترقب في أخبار الله بمنزلة الماضي المقطوع بهِ في تحقيقهِ فكأنه قيل : ربما ود و(ما) هذهِ كافة أي تكف رب عن العمل فتتهيأ بذلك للدخول على الفعل”، وذكر هذا المعنى الزمخشري(ت:538هــ) ، وذكر ابن عطية (ت:542هــ) : “قال الكسائي والفراء : الباب في (ربّما) أن تدخل على الفعل الماضي ، ودخلت هنا على المستقبل اذ هذهِ الأفعال المستقبلة من كلام الله تعالى لما كانت صادقة حاصلة ولابد جرت مجرى الماضي الواقع” ،  فالمعنى هنا أنه واءَم بين حال الذين كفروا وتمنيهم الإسلام مع كونه مترقبًا مستمرًا وبين دلالة الفعل المضارع على التجدد ، فلو قال “ربما ود” بالماضي لدّل على أمنية منقطعة.  ويدل الفعل المضارع على التجدد والاستمرار ، ومنه ما وردَ عند النيسابوري في قولهِ تعالى : أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (الأعراف:62)قال النيسابوري :” قول نوح وَأَنْصَحُ لَكُمْ وقال هود وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ وذلك لأنه كان من  عادة  نوح عليه السلام العود إلى تجديد تلك الدعوة في كل يوم وفي كل ساعة، وصيغة الفعل دلت على التجدد المستمر ولهذا قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً [نوح: 5] إلى آخر الآيات. وأما هود فكان ثابتا على النصح غير مجدد إياه لحظة فلحظة كما كان يفعل نوح فدلالة الفعل (أنصح) تدل على تجدد نصيحتهِ لهم ويدل على ذلك قولهِ تعالى : “ربي إني دعوت قومي ليلًا ونهارًا” (نوح:5)” .ومن دلالاته الأمر ومنه قولهِ تعالى :وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(البقرة/228) فقد ذكر النيسابوري قولهِ تعالى “والمطلقات يتربصن” : “أنما لم يقل وليتربصن المطلقات بل أخرج الأمر في صورة الخبر إشعارًا بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثالهِ ، فكأنهن امتثلن فهو يخبر عن موجود ، وبناء الكلام على المبتدأ مما زاده أيضًا فضل تأكيد وتقوية ، ولو قيل “وليتربصن المطلقات” لم يكن بتلك الوكادة”.
دلالة سبك (أنْ) مع الفعل(أنْ) حرف مصدري ناصب للفعل المضارع تؤول مع الفعل بمصدر مسبوك فــ(أنْ) مع صلتها تكون كالمصدر، نحو قولك : يعجبني أن نقوم ، والمعنى قيامُك ، ونقول : كرهت أن نقوم وعجبت من أن نقوم.وذهب الجمهور إلى صحة دخولها على الأمر والنهي مع كونها مصدرية ، فذهب سيبويةإلى معنيين في دخولها على الأمر حيث ذكر : “وأما قولهِ: كتبتُ إليهِ أن افعل ، وأمرته أنْ قُم ، فيكون على وجهين : على أن تكون أن التي تنصب الأفعال ووَصَلتها بحرف الأمر والنهي ، كما تصل الذي بتفعل إذا خاطبت حين تقول أنت الذي تفعل ، فوصلت أن بقم ؛ لأنه في موضع أمر كما وصلت الذي بتقول وأشباهها اذا خاطبت ، والدليل على أنها تكون أن التي تنصب ، أنك تدخل الباء فتقول :أوعزت إليهِ بأن افعل …والوجه الآخر أن تكون بمنزلة أي”.يفهم من كلامهِ إنَّ(أنْ) لها معنيان ، الأول : مصدرية ناصبة تسبك مع الفعل بمصدر ، والثاني : مفسرة بمعنى : أي ، وذهب الى هذا المعنى السيرافي (ت:368هــ) ، وذكر أبو علي الفارسي(ت: 377هــ) : (هذا باب ما يكون فيهِ أن بمنزلة أي) ووجه دخولها على الأمر والنهي ، فلما دخلت على الأمر وصلت بالأمر كما تصل الذي بتفعل اذا خاطبت به ، فلما وقع (أن) موقع أمر وصل بالأمر ، وإن لم يكن بابه كذلك، وذكر أنَّ (أنْ) التي للتفسير بمنزلة (أي) ، وهي لا تكون الا بعد كلام تام.ووَرَد هذا المعنى عند النيسابوري في قولهِ تعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(البقرة : 125)فقد قال النيسابوري :” (أن طهرا) إن كانت (أنْ) مخففة ، فالتقدير بأن طهرا وإن كانت مفسرة فمعناها: أي طهرا ، والمراد التطهير من كل أمر لا يليق بالبيت”، وقال النيسابوري : “عهدنا المراد بالعهد هنا الأمر أي الزمناهما ذلك وأمرناهما أمراً ووثقنا عليهما فيه”، فتقدير الكلام(بأن طهرا) (أن) في موضع نصب على تقدير حذف الخافض أو تقديره (أي طهرا) ؛ فتكون مفسرة لا محل لها من الاعراب.وقولهِ تعالى : “رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ(آل عمران : 193) فقد قال النيسابوري : “(ان آمنوا) (أن) مفسرة أو مخففة ،معناه: أي آمنوا، أو بأن آمنوا”، فهي أما أن تكون (تفسيرية) فآمنوا تفسير لينادي ، والتقدير : ينادي للايمان ، أي يقول : آمنوا ، وأما أن تكون مصدرية (بأن آمنوا) متعلقاً بينادي لأنه المنادى به.وأعتقد –والله اعلم- أنّها أقرب إلى التفسيرية .




شارك هذا الموضوع: