المعنى والمحور الداخلي
م.م كرّار جواد المفرجيّ
جامعة كربلاء/ كلية التربية للعلوم الإنسانية
قسم اللغة العربية
مما لا يخفى على كلّ دارس للمناهج النقدية الحديثة أنّ الاحتكام الى النص بما يحتويه من تراكيب والفاظ ودلالات واصوات ومعجمية الفاظ وتركيب جمل وتقديم وتأخير وحذف وذكر ووصل وفصل كلها تدور في فلك النص ذاته ولا تخرج عن إطار نصيته أبداً، ولعل هذا ما تعكز عليه اصحاب المنهج البنيوي لان من شأن هذه الدراسة او هذه الطريقة بالتعامل مع النصوص أن تكون عازلة للنص عن كاتبه اذ هي تحتكم الى ما يعتري النص بنفسه وكلما مر ذكره دائر في حلقة النصية ذاتها وغير خارج عنها، وقد يكون هذا المنهج صالحا لبعض النصوص ولا نسلم لهذا; لأن أي نص لو أردنا الوقوف عنده لابد أن ننظر إلى كاتبه وما يعتريه ويمر به وقت كتابته لهذا النص، إذ لا يمكن التسليم والاحتكام إلى النص ذاته فقط; لأن الكاتب ما كتب نصه إلا نتيجة حدث معين فإن المتكئ على هذه الطريقة أو ما يمكن تسميته بالمحور الداخلي للنص لا يستطيع في الأعم الأغلب مغادرة حدود النص ذاته، وهذا يجعل من دراسته النصوص مقيدا، ولعل ابرز من توقف عند هذه الآلية بالتعامل مع النصوص وكان له السبق في وقوفه هذا هو عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) حين تحدث عن النظم وطريقته في نظريته للنظم جاعلا من مراعاه معاني النحو والحذف والذكر وما الى ذلك اساسا للوقوف على دلالات النصوص فهو قد مثل المحور الداخلي للنص خير تمثيل ثم جاء تاليا عليه حديثا في التعامل مع أدبية الأدب العالم ريفاتير حين تحدث في الأسلوبية البنيوية عن أدبية الأدب وكيف أن النص لابد أن يكون حاملا لمعاني السبك والترابط بين داخله وخارجه محتكما الى سلطة السياق والقارئ العمدة حتى يكتسب أدبيته مبينا أن لذلك الأمر اتجاهات مختلفة يمكن من طريقها التمييز والوقوف عند دلالات هذا المنهج منها القارئ العمدة، والسياق، والمحور الداخلي، والمحور الخارجي، وحديثنا في هذا المقال عن المحور الداخلي فلو أردنا ان نطرح سؤالا ونقول: هل إنّ المحور الداخلي يمكن ان يكون آلية من آليات الكشف عن المعنى في النصوص وفي النص القرآني على وجه الخصوص؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول: إنّ هذا الاتجاه أو ما يسمى بالمحور الداخلي يمكن أن يكون آلية من آليات الكشف عن المعاني في النصوص الأدبية والشعرية والقصصية والروائية في جانب معين فقط وهو الاحتكام إلى النص وما يمكن أن ينتجه النص من دلالات داخلية متكئا في ذلك على المعجم والصرف والصوت والنحو والتركيب وما إلى ذلك من آليات النص ذاته، أما إذا ما أردنا الإجابة على الجزء الثاني من السؤال وهو هل يمكن لهذا المحور ان يقف على دلالات النص القرآني ومعانيه؟ فيمكننا ان نقول: إنّ النص القرآني جاء بمعنى وقصد لقائله، وقائل النص لا يعلم مقاصده إلّا من خصّهم، وأن نحتكم إلى النص ذاته في كشف المعاني والدلالات ذلك تضييق لسعة الدلالة أولاً، وضياع للقصد المراد من النص نفسه، ويمكن القول أنّ المحور الداخلي للنص عاجز عن الكشف عن دلالات النص القرآني وما يمكن أن ينتج منها من أحكام ومعاني ومقاصد أرادها الله تعالى فإنّ المعنيون بكشف مقاصد النص من خصهم الله واصطفاهم ولا يمكن ان يقف عند تلك المقاصد الا هؤلاء، وأما الاحتكام إلى المحور الداخلي فذلك تضيق للدلالة بل محو لها والإتيان بمعاني جديدة تفرضها الألفاظ والتراكيب والأصوات والبنى.