المعنى وقصد المتكلم 
م.م كرّار جواد المفرجي
لطالما خالج فكرنا سؤال هل ان هذه المعاني التي تستنبط من الآيات الكريمة عن طريق التفسير وعن طريق تدبر العلماء فيها هي ما اراد الله عز وجل من مقاصد ام ان هذه المعاني هي تدبرات العالم الذي تبحر في مجموعة من العلوم كأن تكون علوم اللغة وعلوم الصرف وعلوم الفقه والاصول والفلسفة وما الى ذلك من العلوم المتعلقة بفهم النص القرآني حتى تمكن من معرفة ذلك؟ لابد من الذهاب الى معرفة امكانية اللغة من ايصال قصد المتكلم الى المتلقي وهل يشترط في ان يكون المتلقي متسما بسمات معينة حتى يتمكن من فهم مقاصد المتكلم وعلى المستوى الإنساني تكون الحالة ممكنة وميسورة وفقا لنظرية التلقي على ان يراعي المتكلم المقام في كلامه وما يحيط بالنص من متعلقات خارجية وداخلية اي مراعاه سياق الحال اما ان كان النص نصا مقدسا ونعني بذلك النص القرآني فهل ان مقاصد الله قد اطلع عليها كل من قرا الآية القرآنية او السورة المعينة ام ان الله قد اختصه من اختصهم بفهم مقاصده وتفهيمها للسائلين بقدر حاجتهم وقدر عقولهم لذا نحاول ان نجيب على هذه الأسئلة في هذه السطور القليلة الأتية في مقالنا العلمي هذا.
ان لكل متكلم قصد ومن لا قصد له لا حكمة له اذ ان من لوازم الحكمة ان يكون المتكلم قاصدا حتى لا يقع في مغبة العبث، وان الوسيلة المتبعة لإيصال المقاصد هي اللغة اذ هي اداة التعبير عن كل ما يدور في خلجات فرد معين يحاول ذلك الفرد ايصال تلك الخلجات الى المتلقي؛ فحتى يتمكن من ايصالها لابد له ان يراعي مجموعة من اللوازم: اولها حال المتكلم وهو امكانيته في استيعاب ما يود ايصاله اليه من معاني معبرة عن فكرة دائرة في خيال المتكلم، اذ لو كان الخط الممتد بين المتكلم والمتلقي خطا افقيا اي ان كليهما في مستوى واحد من التوافق الفكري والمعرفي فان ذلك سيجعل من امكانية ايصال قصد المتكلم الى المتلقي او ايصال الرسالة من المرسل الى المرسل اليه واضحا وجليا وممكنا بل وواصلا غاية الوصول؛ اما ان كان الخط الموصل او الموصل بين المتكلم والمخاطب عموديا فلابد ان يكون هنالك محطة اشعاع وتفهيم اذ لو عدت الى ما قلنا من خط افقي اي ان يكون المتكلم اعلى رتبة وامكانية وطاقة ولغة من المتلقي في هذا الحال سيكون قصد المتكلم غير واضح وجليا لذلك المتلقي، الا ان يكون هنالك من يفهم ويوضح المقاصد له حتى يتحقق القصد وتتم الفائدة
أن تفسير القرآن الكريم وفهم معانيه يحتاج إلى إدراك عميق ودراية كبيرة لا يتأتى لكل الناس. في هذا السياق، تبرز أهمية التفريق بين “التدبر الشخصي” للقرآن وبين فهم “قصد المتكلم” الحقيقي الذي هو الله سبحانه وتعالى.





القرآن ومقام الراسخين في العلم:
قال الله تعالى في كتابه العزيز: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}
تشير هذه الآية إلى أن معرفة تأويل القرآن، بمعنى الوصول إلى قصده الحقيقي وفهم معانيه العميقة، هو أمر محصور بالله تعالى وبمن وصفهم بالراسخين في العلم. وقد اتفق المفسرون أن “الراسخين في العلم” هم أولياء الله وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين خصهم الله بعلم خاص يؤهلهم لفهم القرآن بشكل كامل وشامل.
التدبر الشخصي والاختلاف عن قصد الله:
التدبر في القرآن الكريم هو أمر محمود أمر به الله عز وجل في قوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}. غير أن التدبر يظل جهدًا بشريًا يعتمد على معارف الفرد وثقافته وظروفه الفكرية والاجتماعية. لذلك، فإن ما ينتجه المتدبر من معنى قد يعبر عن فهمه الشخصي للنص القرآني ولكنه لا يمثل بالضرورة قصد الله سبحانه وتعالى في الآيات.
المفسرون الذين فسروا القرآن خارج إطار مدرسة أهل البيت عليهم السلام، اعتمدوا على علومهم مثل اللغة والنحو والبلاغة والأصول الفقهية والتاريخ، مما يجعل تفسيرهم محدودًا بما اكتسبوه من معارف بشرية. بينما أهل البيت عليهم السلام، نظرًا لكونهم منبع العلم الرباني ومستودع الوحي، يمتلكون إدراكًا خاصًا يمكنهم من الوصول إلى المعنى الحقيقي الذي أراده الله عز وجل.
دور أهل البيت في تفسير القرآن
لقد وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) العديد من الروايات التي تؤكد أن علم القرآن منحصر لديهم، يقول الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): “ذلك القرآن، فاستنطقوه ولن ينطق، ولكن أخبركم عنه: ألا إن فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم ما بينكم” 
ومما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): “ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله، ظاهره وباطنه، غير الأوصياء”.
هذه النصوص تؤكد أن فهم قصد الله الكامل في القرآن الكريم لا يتأتى إلا من طريق أهل البيت الذين اصطفاهم الله بعلم خاص.
إن تفسير القرآن الكريم يمثل رحلة طويلة من التدبر والاستنباط، ولكن يظل الفهم الكامل لمعاني القرآن وقصد الله فيه أمرًا محصورًا بأهل البيت (عليهم السلام)، الذين هم الراسخون في العلم. لذا، فإن أي تفسير خارج إطارهم هو جهد بشري يعبر عن تدبر صاحبه، ولكنه لا يعكس المعنى الإلهي المطلق 


 

شارك هذا الموضوع: