المنظور السياسي لفتوى الجهاد الكفائي
أ .د . رحيم عبد الحسين عباس
كلية التربية للعلوم الانسانية
فسم التاريخ
مرَّ المجتمع العراقي في العقود الأربعة الاخيرة ابتداء من عام ١٩٨٠ بظروف حساسة ومتشابكة في الوقت نفسه ، إذ ضم هذا المزيج المتشابك كثير من الاحداث في جميع الميادين من حروب وعقوبات أقتصادية خلفت أوضاع اجتماعية غاية في الصعوبة .
وما كاد الشعب العراقي يلتقط أنفاسه بعد عام ٢٠٠٣ حتى أطلت برأسها فتنة طائفية كادت تقضي على البقية الباقية من قوى المجتمع ، وتوجت تلك الفتنة بصفحة غدر مدعومة دوليا سيطر منفذوها بقوة السلاح على محافظات عراقية عدة ، ففي حزيران 2014 وفي ظل ظروف غير طبيعية تمكن تنظيم أرهابي يطلق على نفسه أسم (الدولة الاسلامية في العراق والشام) وعرف ب(داعش) من السيطرة على ثلث مساحة العراق وإحتل مدينة الرمادي وتقدم صوب الموصل ثاني اكبر مدن العراق وأحتلها ومعها إنهارت القوات الامنية ، اذ استطاع التنظيم من بسط سيطرته على الموصل وزحف الى تكريت وسامراء وسقطت معها الفلوجة بيد التنظيم .
وبما أن المرجعية الدينية في النجف الاشرف تحظى بموقع اجتماعي وتأثير سياسي بالغ الاهمية بوصفها الامتداد الفقهي لمرجعية الشيعة الامامية الأثني عشرية ، وفيها الفقيه المرجع يضطلع بدور نائب الامام (ع) لرعاية مصالح الامة ، لذا انبرت المرجعية الدينية ممثله بزعيمها آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني بإصدار فتوى الجهاد الكفائي في الثالث عشر من حزيران 2014 للدفاع عن العراق ومقدساته.
وبعد ثلاثة ايام من سقوط الموصل بيد داعش، كانت الفتوى موجهة الى كل من هو قادر على حمل السلاح للدفاع عن ارض ومقدسات الوطن واجباً كفائيا ، وقد احدثت الفتوى المباركة صدمة عنيفة لداعش .
و بناء على تلك الفتوى أُسس الحشد الشعبي العراقي ، حشدا لم يقتصر على طائفة بعينها ، بل شمل كل طوائف المجتمع العراقي والذي حقق انتصارات عسكرية باهرة ، واستطاعوا بذلك الحفاظ على الوطن والمواطن من داعش الذي أوجد فراغاً أمنياً اشاع الفوضى وانتشار السلاح المنفلت ، مع غياب واضح للضبط القانوني والتشريعي في المناطق التي سيطر عليها تنظيم ( داعش ) ، اذ تعرضت تلك المناطق لمآسي كثيرة منها التهجير ومجزرة الايزيديين والتنكيل بالشيعة وقتلهم ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم ولم تسلم حتى الاماكن المقدسة والمزارات الشريفة من التفجير والهدم وغيرها من الاعمال المشينة التي تثير الهلع في نفوس المواطنين مهما كانت انتماءاتهم الدينية والقومية .