( الموقع الجغرافي وأثره في جذب الاستثمارات الخارجية  في العراق)
   يعد الموقع من أكثر الخصائص الجغرافية تأثيراً في تكوي وتحديد الوزن السياسي للدولة ويعد أهم العوامل الطبيعية التي تؤثر في تحديد القرارات والاجراءات العسكرية والاقتصادية والاجتماعي ، أحد أبرز العوامل التي تُسهم في تحديد قدرة البلد على جذب الاستثمارات الأجنبية. وهو مؤشر إيجابي في تحقيق الأمن الغذائي العراقي، بيد أن الواقع يشير إلى أن معظم أراضي العراق هي صحراوية وتقع ضمن المناخ الجاف وشبه الجاف بل أن قسماً كبيراً من أراضي السهل الرسوبي يقع ضمن هذه الأنطقة المناخية، كما أن الإهمال الحكومي المستمر لقطاع الزراعة أفضى الى حدوث عجز غذائي في توفير بعض المحاصيل الغذائية الرئيسية ، مما اضطر الحكومة الى استيرادها من دول مختلفة بالعملة الصعبة لسد العجز الحاصل في حاجة السكان، وقد كلف هذا الأمر الدولة مليارات الدولارات التي خصصت لشراء تلك المواد، في الوقت الذي كان يجدر بها استثمارها في قطاع الزراعة وتلبية متطلباتها لسد حاجة السكان المتزايدة الى المواد الغذائية في ظل تزايد النمو السكاني في العراق ، وتحقيق درجة ممتازة من الاكتفاء الذاتي.  كما يقع العراق في قلب منطقة الشرق الأوسط، ويحده من الشرق إيران، ومن الغرب سوريا والأردن، ومن الشمال تركيا، ومن الجنوب المملكة العربية السعودية والكويت. يعتبر العراق بمثابة نقطة وصل بين القارات الآسيوية والأوروبية، ما يمنحه ميزة استراتيجية تجعل منه معبراً أساسياً للتجارة والنقل. كما له موقع استراتيجي وسيط بين دول العالم فهو قريب من الأسواق العالمية ونقطة وصل جغرافي لخطوط التجارة الدولية ، فيلاحظ إطلالة هذه المناطق على الخليج العربي مع تعدد المنافذ الحدودية المرتبطة بها فضلا عن تنوعها من منافذ برية الى بحرية مع وجود الموانئ الجوية وهذا يجعلها تشرف على العديد من الأسواق الخارجية ، ووسيلة ربط ما بين الأسواق الخليجية والأسيوية والأوربية. يتمتع العراق بوفرة نسبية من الموارد الطبيعية حيث يحتل المرتبة الحادية عشر في انتاج الغاز الطبيعي فضلا عن ذلك توفر المعادن مثل الكبريت والفوسفات ومواد البناء الأولية وكذلك الاراضي الصالحة للزراعة والمراعي التي تبلغ حوالي ثلث مساحة العراق الكلية والتي تبلغ حوالي ٤٣٥ الف كم ۲ ، ويأتي في مقدمة تلك الثروات النفط الذي يشكل حوالي (11%) من اجمالي الاحتياطي العالمي وهذه النسبة مرشحة للزيادة بسبب توقف عمليات التنقيب في العراق منذ عام ۱۹۹۱ وبعد أن بدأت عقود جولات التراخيص تثبت فاعليتها في رفع طاقات الانتاج والتصدير. 
ومنذ عام 2003، شهد العراق نهضة نفطية واضحة، إذ تمكن من رفع مستوى إنتاجه النفطي بشكل ملحوظ. ساعده في ذلك، الانفتاح على الشركات الدولية المتخصصة في الطاقة، من خلال نظام التعاقد الجديد المسمى “جولات التراخيص”. فارتفع الإنتاج من ثلاثة ملايين برميل يوميًّا عام 2003، إلى أكثر من 4.22 ملايين برميل في الربع الأخير من عام 2023.



ولم تتوقف الارتفاعات عند هذا الحد، فالصادرات النفطية قفزت إلى 3.4 ملايين برميل يوميًّا في الربع الأول من عام 2024، محققة عائدات مالية تتراوح بين 8 و11 مليار دولار شهريًّا. ومع وجود خطط توسعية تستهدف الوصول إلى مستوى 5 ملايين برميل بحلول عام 2025، يواجه العراق تحديات اتفاقات “أوبك بلس”، التي قد تحد من طموحاته في زيادة حجم صادراته النفطية.
أما قطاع إنتاج الغاز العراقي، فيمكن اعتباره ركيزة أساسية أخرى في مسار تحقيق الاستقلال الغازي عن المصادر الخارجية مستقبلًا، إذ تتمكن الحكومة العراقية إلى الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الغاز خلال نهاية هذا العقد، أو الاستغناء تدريجيًّا عن تدفقات الغاز الخارجية، وخاصة تلك القادمة من إيران، التي دخل العراق بسببها في مشاكل عدة تتعلق بتوقف الإمدادات أو مشاكل في تسديد فاتورة الغاز نتيجة العقوبات الأميركية على إيران.ولكي يتحقق هذا الهدف الإستراتيجي، بادرت وزارة النفط العراقية، بالتعاون مع شركات عالمية مثل “توتال إنرجي” و”غاز بروم”، إلى تطوير إنتاج الغاز من عدة حقول غازية، منها حقول “أرطاوي” و”المنصورية” في ديالى و”عكاز” في غرب العراق، إضافة إلى الاهتمام بتوجيه الموارد نحو استغلال الغاز المصاحب، الذي يتم هدره خلال عمليات الإنتاج النفطي. 
وبرز العراق في منتصف القرن العشرين ضمن أبرز الدول الصناعية في منطقة الشرق الأوسط. فقد أطلقت بغداد خلال خمسينيات القرن الماضي حملة تنموية مذهلة، أسست من خلالها منظومة صناعية ضخمة ومتنوعة، بدءًا من قطاع الصناعات الدوائية إلى صناعات الغزل والنسيج، ومن إنتاج الأسمدة إلى إنتاج الأغذية، وصولًا إلى الصناعات الثقيلة كالحديد والصلب ومشاريع التكرير والبتروكيماويات.
مثّلت هذه النهضة الصناعية 23% من الناتج المحلي الإجمالي للعراق، لكن مع تعاقب الأنظمة السياسية واستمرار الصراعات الداخلية والخارجية، بدأت هذه القوة الصناعية التراجع بشكل درامي، فقد شهد القطاع الصناعي العراقي ضربات قاصمة، بين عامي 1991 و2003، فدمّرت وأغلقت العديد من المصانع الوطنية، وتدهور الإنتاج، وانخفضت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى ما دون 4%، وصنّف أكثر من 1000 معمل ومصنع خارج الخدمة، إضافة إلى توقف أكثر من 18ألف مشروع صناعي وإنتاجي عن العمل. وكما وتحول القطاع الصناعي خلال تلك السنوات، من قطاع داعم للاقتصاد العراقي إلى عبء ومصدر ضغط على المالية العامة للدولة، بسبب النفقات العالية التي تتكبدها الحكومة لتغطية الكلف التشغيلية لمصانع ومعامل حكومية لا تنتج أي سلعة، وتساهم بشكل غير مباشر في تعزيز قاعدة الاستيراد وزيادة الاعتماد على المنتجات والسلع المستوردة





ثانيا : السكان والقوى العاملة :
 يمتلك العراق ثروة هامة وهائلة من القوى البشرية ، والتي من شأنها ان تمارس أثرين اساسيين على الاستثمارات ، ينصب الاثر الأول على جانب الطلب ، اذ يؤدي نمو السكان بوتائر عالية الى اتساع حجم السوق نتيجة لزيادة الطلب ، اما الاثر الآخر فينصب على انخفاض تكاليف الانتاج وذلك من خلال انخفاض الاجور الناتجة عن الزيادة في عرض العمل ، ومن الجدير بالذكر ان انخفاض المستوى النسبي لاجور اليد العاملة بشكل عام في العراق ، الى جانب توفر المهارات البشرية وبكلف منخفضة نسبيا عما هو متوفر لدى الدول المجاورة ادى الى بروز ظاهرة المعروض من القوى العاملة ذات الاجر المنخفض والتي يمكن ان تعد واحدة من سمات الاقتصاد العراقي خلال المرحلة الراهنة والتي بلاشك تشكل ميزة نسبية لجذاب الاستثمارات للاقتصاد العراقي عموما والمناطق الحرة خصوصا. 
ويتسم المجتمع العراقي بتنوع ثقافي واجتماعي، ويعتبر الشباب من أبرز الفئات المبدعة التي تشكل ركيزة أساسية في الاقتصاد المحلي. لكن هذا التنوع يواجه تحديات كبيرة من جراء النزاعات السياسية والطائفية التي أثرت على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في العديد من المناطق. هذا التحدي الاجتماعي يُعرقل الاستثمار الأجنبي حيث يسهم في خلق بيئة غير مستقرة قد تؤدي إلى زيادة المخاطر بالنسبة للمستثمرين.
من جانب آخر، تسهم العوامل الجغرافية في تعزيز ثقافة التعاون بين مختلف الفئات الاجتماعية، ما يخلق فرصاً للاستثمار في قطاعات التعليم والتكنولوجيا، حيث يسعى الشباب إلى الابتكار واستخدام التقنيات الحديثة. ورغم ذلك، فإن التحديات الأمنية تستمر في تشكيل عائق أمام توظيف هذه الموارد البشرية.
يمثل العراق سوقاً واعداً للاستثمار الخارجي ، بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي وموارده الطبيعية الغنية. ومع ذلك، فإن التحديات البيئية والجغرافية تشكل عقبة كبيرة أمام جذب الاستثمارات الأجنبية. إن التعامل مع هذه التحديات يتطلب تخطيطاً استراتيجياً شاملاً من قبل الحكومة العراقية بالتعاون مع الشركاء الدوليين، من أجل تعزيز الفرص الاستثمارية وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
 



شارك هذا الموضوع: