م . م . مشرق ضياء موسى
جامعة كربلاء / كلية التربية للعلوم الانسانية / قسم التاريخ
الموقف السياسي للخلافة العباسية من الصراعات السياسية والعسكرية بين الصفاريين والسامانيين :
بعد ان دخل يعقوب,الصفاري الى نيسابور عاصمة الطاهريين, اخذ يتطلع الى مد نفوذه الى بلاد ماوراء النهر على اعتبار انها كانت من ضمن ممتلكات الدولة الطاهرية, ومن المعروف ان الخلافة العباسية في زمن المأمون وضعت هذه المنطقة تحت حكم الاسرة السامانية وقد اقر الطاهريون تلك التولية .
وقد بدأ التوتر بين السامانيين والصفاريين بعد ان دخل يعقوب الصفاري الى خراسان, اذا بدأت القوات السامانية تحتشد على شواطئ نهر جيحون تحسباً لتقدم الصفاريين صوب بلاد ماوراء النهر, الا ان نصر بن احمد قرر سحب قواته من هناك عندما علم بانشغال يعقوب الصفاري بمشاكلة الداخلية .
ثم عادت العلاقات الى التوتر من جديد بين الطرفين, خاصة بعد ان اضطربت الاوضاع في بخارى, وسبب اضطراب اوضاعها هو عدم قدرة الولاة على ادارتها حيث استبدل اربع من الولاة في وقت قصير, فكتب اهل بخارى الى نصر بن احمد يسألونه بتوجيه من يضبط امنها, فوجه نصر اخاه اسماعيل لحكم بخارى والتي كانت في وقتها تابعة للنفوذ الصفاري فقرئت الخطبة في المدينة للأمير نصر بن,احمد الساماني واسقط اسم يعقوب عنها وكان ذلك في سنة 260ه/874م, وقد علم يعقوب الصفاري بما حدث في بخارى من فوضى ومجيء اسماعيل بن,احمد الساماني اليها, الا انه لم يفعل شيئاً بسبب انشغاله بمحاربة الزيديين في طبرستان, كما انه انشغل بحروبه ضد الخلافة العباسية بعد ان انتهى من الزيديين.
لقد توطد نفوذ السامانيين وحكمهم وارتفعت معنوياتهم بعد وصول تقليد رسمي لهم من الخلافة العباسية سنة261ه/874م بحكم بلاد ماوراء النهر, الامر الذي قطع الطريق امام طموحات الصفاريين في السيطرة على بلاد ماوراء النهر والدليل على ذلك ان في فترة حكم يعقوب الصفاري,لم يحدث ,نزاع بين الطرفين,وظلت الاوضاع هادئة,بينهما .
ومن الجدير بالذكر ان اسماعيل بن احمد,الساماني عندما جاء الى,حكم بخارى كتب الى رافع بن هرثمة عندما كان والياً,على خراسان واتفقا على التعاون والتعاضد,فيما بينهما, كذلك طلب اسماعيل الساماني من رافع اعمال خوارزم فولاة اياها .
وعندما مات يعقوب الصفاري سنة 265ه/879م ومجيئ اخيه عمرو تجدد النزاع بينه وبين رافع بن هرثمة الذي تمرد الاخير على الخلافة العباسية, وقد حسم الصراع لصالح عمرو الصفاري, وهنا شعر عمرو الصفاري انه قدم خدمة للخلافة العباسية بقضائه على رافع بن هرثمة سنة 284ه/897م, فطلب من الخلافة العباسية ان يتولى بلاد ماوراء النهر مكافأة له على قتل رافع, وبما ان بلاد ماوراء النهر كانت تابعة الى الدولة الطاهرية , وان الصفاريين هم من اسقطوا الدولة الطاهرية فكانوا يسعون ان تكون هذه المنطقة تحت حكمهم , وفعلاً ارسل الخليفة المعتضد رسولاً الى عمرو الصفاري,ومعه الهدايا فعندما قرأ عمرو,خطاب الوعد بالولاية سرته ولاية,بلاد ماوراء النهر من بين الهدايا جميعاً.
ومن دون شك ان عمرو الصفاري,قد نسي او تناسى ان اسقاط الدولة الطاهرية وأخذ ممتلكاتها انما تم بعدم رضا الخلافة, واغلب الظن ان الخليفة كان متردداً في اعطاء عمرو تقليد بلاد ماوراء النهر ولم يصل مع الهدايا المرسلة الية, في بادئ الامر وهنا أبى عمرو قبول الهدايا الا بوصول تقليد بلاد ماوراء النهر معها , فكتب الرسول الى المكتفي بالله بن المعتضد وكان حينها في الري وعنده جماعه من خواص ابية بما سأله عمرو فأنفذوا الية العهد وحمل لعمرو العهد والهدايا التي سيرها له الخليفة المعتضد .
وعلى ما يبدو ان سبب تردد الخليفة المعتضد في اعطاء التقليد لأنه كان يرغب في ان يظل هناك نوع من التوازن بين الطرفين في مجال القوة العسكرية والعلاقات السياسية , لكنه عندما لمس ان هناك تصميم من عمرو الصفاري على ولاية بلاد ماوراء النهر ارسلها اليه .
وعندما اوصل رسول الخليفة عهد بلاد ماوراء النهر الى عمرو الصفاري , سألة عمر وقال له ما هذه ,؟ فقال له رسول الخليفة,هذا الذي سألته,, فقال له عمرو : ” ما اصنع به,فان اسماعيل بن احمد لا يسلم,الي ذلك الا بمائة ,الف سيف ” , فقال له رسول الخليفة : ” انت سألته فشمر,الان لتتولى العمل في,ناحيته “, فأخذ عمرو الصفاري العهد وقبّلة,ووضعة على راسة ثم وضعة امامه, ويذكر ايضاً ان في نفس الوقت ارسل الخليفة المعتضد سراً الى,اسماعيل بن احمد الساماني,وقدم له تأييداً جديداً,بولايته على بلاد ماوراء النهر, وشجعة وقوى قلبة على محاربة,عمرو الصفاري .
واهم ما جاء في رسالة الخليفة المعتضد لإسماعيل الساماني قولة : ” اخرج واحمل بجيشك على عمرو بن الليث,,وخلص الملك منه.انك أحق بأمارة خراسان والعراق اللذين كانا ملك ابائك سنوات عدة بعد ان استولوا عليهما عنوه,وانك صاحب الحق أولاً , وخصالك حميدة ثانياً , وانا أدعو لك ثالثاً,, ولست أشك ,, لهذه الاسباب الثلاثة , في ان الله, تعالى,سينصرك علية …” .
فمن خلال تحليل نص هذه الرسالة نستطيع ان نخمن منها ان هناك اتفاق مسبق بين اسماعيل الساماني والخليفة المعتضد للقضاء على الصفاريين , وعلى ما يبدو ان الخليفة كان مدرك تماماً قوة السامانيين وتفوقهم على خصمهم , لذلك اراد ان يضرب بعضهم ببعض ويتخلص من الصفاريين الذين اساؤوا للخلافة وبذلك يوفر للخلافة جهود القضاء عليهم.
وقد ذكر ان اسماعيل الساماني استلم رسالة من عمرو الصفاري ,يدعوه الى طاعته ويعده بالعودة الحسنة ويشعره بانه احد امرائه الذين يشاركونه في الحكم على اعتباره الحاكم الحقيقي لولاية خراسان, ومن المرجح ان هذه الرسالة قد اثارة حفيظة اسماعيل الساماني فكان,جوابه لرسول عمرو الصفاري بالقول : ” … وسيكون,جوابي لك بالسيف,وليس بيني وبينه غير الحرب , فعد الية واخبره,,ليعد وسائل القتال “ .
ومن الواضح ان الرسالة التي ارسلها الخليفة المعتضد لإسماعيل الساماني أثرت في نفسه وعملت له دافعاً لقتال عمرو الصفاري, فمن خلال تحليل الرسائل التي ارسلها اسماعيل الى عمرو نلاحظ فيها منطق القوة والاصرار على عدم الانصياع لما يريده عمرو الصفاري , وهكذا فرضت الظروف السياسية والعسكرية ارادتها فكان الصدام بين القوتين السامانية والصفارية سنة 287ه/900م .
حيث جمع اسماعيل ما لدية من جيش وعبر به نهر جيحون بهدف القضاء على عمرو الصفاري, كذلك استعد عمرو للزحف على بلاد ماوراء النهر فوجه حملته الاولى فعبر عليهم اسماعيل نهر جيحون وهزم جيش عمرو في هذه الحملة .
ثم امر عمرو الصفاري قائد جيشة بالزحف على بخارى واوصاه ان لا يتعرض لأهلها بسوء وان يحاول كسبهم , وما ان سمع اسماعيل بذلك حتى عبر نهر جيحون لساعته وبدأ بالهجوم بمجانيقه القوية على جيش عمرو الصفاري, وقد كان قتالاً شديداً بين الطرفين انتهى بانتصار اسماعيل وهزيمة الجيش الصفاري مرة اخرى, وقد وقع في اسر اسماعيل الساماني عدداً كبير من الجيش الصفاري, فقرر اسماعيل اطلاق سراحهم بعد ان اكرمهم وحملهم بالهدايا ليعودا الى ديارهم, وهو بهذا العمل اراد ان يستميل اليه قلوب اعدائه بكرم اخلاقه, وبهذه الطريقة استطاع اسماعيل كسب عدد كبير من جند عمرو الصفاري الى جانبه, حيث انضموا الى صفوف الجيش الساماني قبل وقوع المعركة الفاصلة, بل ان البعض الاخر منهم انحاز الى معسكر اسماعيل خلال المعركة نفسها التي حدثت قرب بلخ سنة 287ه/900م .
وحين وصلت اخبار هذه الهزيمة لعمرو الصفاري والذي كان وقتها في نيسابور وفرار شحنة سرخس ومرو امام الجيش الساماني, قام عمرو بتجهيز سبعين الف رجل ومضى الى بلخ , ولما تقابل الجيشان الساماني والصفاري انهزم الجيش الصفاري الذي كان بقيادة عمرو عند مشارف بلخ وفر جنوده في اثناء المعركة .
ويذكر ان عمرو لم يقبل نصيحة رجالة وقادة الحملة عندما ذكروا له شدة النهر وصعوبة اجتيازه ومن ثم فشل في عبور النهر في حين ان قوات اسماعيل قد وصلت الى النهر وتمكنت من عبوره ثم توجهت الى قوات عمرو في مدينة بلخ, وتم مهاجمة حصن بلخ الذي كان يتحصن فيه عمرو الصفاري .
لقد حاول اسماعيل الساماني اقناع اهل بلخ بتسليم عمرو الصفاري اليه, الا انهم لم يفعلوا ذلك فعزم على قتالهم وقد بادر عمرو بالخروج اليه واشتبك معه في معركة شديدة انتهت بهزيمة الجيش الصفاري هزيمة حاسمة, اما عمرو فوقع في قبضة خصومة الذين اقتادوه اسيراً الى اسماعيل الساماني, ولما بلغ الخليفة المعتضد اسر عمرو فرح كثيراً فمدح اسماعيل وذم عمرو.
ثم ارسله اسماعيل الساماني اسيراً الى بغداد وبقي في سجنها حتى مات سنة 288ه/901م, وذكر انه حبس حتى مات قبل المعتضد بيومين , اما اسباب هذه الهزيمة التي تعرض لها الصفاريين اما السامانيين فترجع الى عدة عوامل : منها حسن التدبير ودقة التخطيط والتنظيم الذي سار علية الجيش الساماني, وكذلك كثرة من هرب من اصحاب عمرو الصفاري قبل المعركة وفي اثنائها, بإضافة الى انضمام عدد كبير من الجيش الصفاري الى الجيش الساماني, وفسر البعض الاخر ان سبب هذه الهزيمة يرجع الى ان اهل البلاد التابعة للصفاريين قد ملوا وضجروا من سطوة الجيش الصفاري وعسكرته الذي يصعب على الناس العيش في ظلها فترة طويلة من الزمن .