مقالة بعنوان الميتافيزيقا
انقسمت الآراء حول الميتافيزيقا بين فريق يرى ان الكشف عن المبادئ الميتافيزيقية هو شغل الفلاسفة الشاغل، وبين من يرى ان المبادئ الميتافيزيقية زائفة وخالية من أي دلالة .ومن هنا يتبين ان الميتافيزيقا قوة عجيبة في اجتذاب الناس اليها او تنفيرهم منها,فهناك من يتطرف في قبولها وهناك من يغالي في خصومتها.وحتى يتضح لنا كلا الامرين لابد من ان نتدرج في فهم الميتافيزيقا ونشأتها وبيان طبيعتها ومعناها وموضوعاتها.
-النشأة التاريخية والمنطقية للميتافيزيقا
سارت كلمة الميتافيزيقا في غير الطريق الذي رسم لها في البداية ,فكلمة الميتافيزيقا التي تطلق على كتاب ارسطو الرئيسي المسمى بهذا الاسم مع انه لم يستخدم هذه الكلمة على الاطلاق ،بل لم يستخدمها واحد من فلاسفة اليونان ،فهي لم تظهر في العصر الهليني وانما ظهرت في العصر الهلينستي عندما قام اندرونيقوس الرودسي حوالي 60ق.م وهو الرئيس الحادي عشر للمدرسة المشائية في روما بتصنيف كتب ارسطو وترتيبها ونشرها مع شرح للفلسفة الارسطية ، واثناء ترتيب اندرونيقوس لكتب استاذه ارسطو وجد ان هناك مجموعة من البحوث لم يطلق عليها المعلم الأول اسما معينا يستقر عليه وقد جاءت في الترتيب بعد البحوث التي كتبها ارسطو في الفيزيقا ، فاطلق عليها اندرونيقوس اسم ميتا فيزيقا أي انها الكتب التي تلي بحوث الفيزيقا دون ان تحمل أية إشارة الى مضمون هذه البحوث بل هي مابعد طبيعة ارسطو فحسب.
ومع تطور المصطلح أصبحت وصفا للموضوعات التي يدرسها هذا العلم بمعنى انها العلم الذي يدرس موضوعات تجاوز الظواهر المحسوسة ، فهو يعنى بدراسة الوجود بصفة عامة وملحقاته أي المقولات التي تعبر عن خصائص أساسية لهذا الوجود ، كالجوهر والعرض والتغير والزمان والمكان والعلاقات …الخ.وهي كلها صفات كلية تصلح ملحقات او مقولات للوجود بالإضافة الى الوجود الإلهي وصفاته ،والنفس والروح ..الخ .
وبعد هذا لم تعد الميتافيزيقا اسما لكتاب بل(لعلم) بالمعنى الواسع الذي يدل على مجموعة من الأفكار المنظمة والمنسقة والتي تدور حول موضوع معين .فالميتافيزيقا أصبحت أيضا اسما للعلم الذي يبحث عن الأسس او الأفكار الأولى في أي علم اخر .
وبعيدا عن النشاة التاريخية للميتافيزيقا هناك سؤال اخر عن النشاة المنطقية،كيف تأتى للعقل الإنساني ان يفرز علما رياضيا وعلما طبيعيا. وقد تسمى الميتافيزيقا التي هي من النوع الأول بالميتافيزيقا التاملية المتمثلة بهيجل، والميتافيزيقامن النوع الثاني بالميتافيزيقا النقدية والمتمثلة بكانت .كلا النوعين من الميتافيزيقاعملية فكرية مشروعة اذا وقفت عند حدود إمكانها ، اما الجانب غير المشروع فهو ان تتجاوز ذلك الإمكان . فالميتافيزيقا التاملية مقبولة اذا وقفت عند مجرد إقامة البناء الفكري النظري,فيكون لها نقطة ابتداءتولد منها النتائج فيكون بنائها متسق الأجزاء كالبناءات الرياضية .ولكن بتجاوزها لذلك وزعمها انها تصور الكون كما هو موجود بالفعل فهنا يكون موضع الخطأ وكان الامر يتحول الى خرافة.اما بتوجيه الجهود نحو العلوم ونتائجها فذلك نوع نافع ومقبول من الميتافيزيقا.  
-تعريف الميتافيزيقا
ليس من السهل في واقع الامر تعريف الميتافيزيقا ، وبيان طبيعتها،وتحديد مجالها وموضوعاتهاوربما كان سبب هذه الصعوبة امرين:
الأول/الفلاسفة انفسهم فالاراء لاتتوخى القصد والاعتدال على الاطلاق بل تذهب الى حد موغل في التطرف والتضارب سواء في القدح او المدح ، فبعض الفلاسفة يتحدث عن التفكير الميتافيزيقي بأزدراء وبعضهم الاخر يرفعه لمرتبة عليا.اذ يجد البعض ان لاجدوى من التفكير الميتافيزيقي بينما يجد البعض الاخر عكس ذلك.
الثاني/هو بساطة المشكلة الميتافيزيقية ويقول تايلر في هذا الصدد”من الصعب ان تضع امام القاريءالمبتديءفكرة تمهيدية عن طبيعة الدراسة التي هو مقبل عليهاوهذه الصعوبة تزداد في حالة البحوث التي يطلق عليها عادة اسم الميتافيزيقا, ذلك لان المسائل التي تعالجها هذه البحوث هي في الواقع من ذلك النوع البسيط المألوف بصفة عامة غير ان بساطتها وعموميتها هذه هي نفسها التي تؤلف الصعوبة الرئيسية في تعريفها.
ومع ذلك يمكن القول ان المتتبع للمعاجم الفلسفية سيجد ان هناك عددا من التعاريفات المتمايزة التي قدمت من قبل الفلاسفة كلا حسب توجهه المذهبي فلسفيا وهذا تبعا لما أورده لالاند في معجمه الفلسفي متتتبعا الميتافيزيقا منذ نشاتها مرورا بالعصر الوسيط والذي يعرفها على انها “معرفة الأمور الإلهية ومباديء العلوم والعمل”مما جعل توما الاكويني يطلق عليها اسم العلم الإلهي.وحتى العصر الحديث الذي تباين فيه معنى كلمة الميتافيزيقا بحسب التشديد فيها اما على فكرة بعض الكائنات او على نظام ما للواقع كموضوع خاص للميتافيزيقا.واما على فكرة نمط خاص للمعرفة ..معرفة كائنات لاتقع تحت الحواس .فالميتافيزيقا هي العلوم النظرية التي تتناول الأشياء الأقل مادية وخصوصا الله والكائنات العقلية والمصنوعة على صورته. وموضوع الميتافيزيقا في هذه  الحقبة التاريخية من التفكير الفلسفي يدور في فلك مالايكون طبيعيا ولا محسوسا.
فالميتافيزيقا بناء على ذلك هي العلم الذي يتامل الموجودات اللامحسوسة والماورائية وهي أيضا معرفة الأشياء في ذاتها لامعرفة الظواهر التي تتجلى من خلالها هذه الأشياء ،وهي دراسة الأشياء من منظور الازل أي من حيث هي جواهر وماهيات ثابتة وازلية 
 
م.م. علي سلمان عواد -قسم العلوم التربوية والنفسية 

شارك هذا الموضوع: