النزعة السالبة نقيض الحداثة والتحديث ومميت الامم
ا.د.عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي
قسم التاريخ – كلية التربية للعلوم الانسانية – جامعة كربلاء
 الحداثة هو الهاجس الذي يتحرك في داخلنا كلما قرأنا شيئا ، أو سمعناه ، يتحول الى موقف من التجديد والتحديث ، أو الإبداع والتطوير . لأن كل مبدع هاجسه التغيير. التحديث من وزن التفعيل تفيد فعلاً نشطاً ومتجدداً وقاصداً. وما نحن بصدده يتعلق بالفعل الهادف الذي يحركه المجتمع أو على الأقل تحركه الطليعة التي تقود المجتمع الناهض. ووصف التحديث هو “اضطراد تكيف المؤسسات المصاحب لتشكل وظائف الحياة المتغيرة باستمرار مع تنامي المعرفة. تلك المعرفة التي ترافق التقدم العلمي والتقني والتي تجدد تحديات الحياة وتعيد تعريف علاقة الإنسان بمحيطه الطبيعي”. والمؤسسات المذكورة في بداية العبارة تشمل المفاهيم، والمناهج، والشخصيات المعنوية كالتنظيمات، ومؤسسات الدولة والمجتمع، ووصف رجال الفكر التحديثي. ” المصلحون ” ، و” المتجددون او المجددون ” ، و” التحديثيون ” و”التوفيقيون والاحرار ورجال الفكر والنخبة والصفوة وغيرها ” فحينما  سئل عنهم رجل الدين الشيعي والشاعر  علي الشرقي في بواكير انضمامه اليهم ابان القرن الماضي اذ قال : ” فقيل لي هذه طائفة من “المتجددين” الذين تمردوا على التقاليد وتعاطوا كما يقولون وجوه الاصلاح والتحديث ” . والتحديث بذلك ليس ظاهرة طارئة، بل هو ظاهرة متجددة في التاريخ ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالحضارة الغالبة، في حقبة ما، بسلطانها المادي أو المعنوي أو بكليهما. ولربما اتسع وقع جوهر الحضارة على عملية التحديث، أو ضاق، تبعاً لمدى نفوذ تلك الحضارة واتساع رقعتها. فالحضارات الصينية و الهندوسية باعتبارهما حضارتان إقليميتان قادتا التحديث في رقعة أضيق من التي نفذت إليها الحضارة الإسلامية أو الرومانية. وهنا لابد من معرفة المشاكل التي تعيق عجلة التحديث من الدوران وابرزها النزعة السالبة التي ظهر في التاريخ الاسلامي اذ  تجلت بواكير الحداثة والتحديث عندما اقتبس المسلمون الاوائل  منتجات (التقانة) بصفة خاصة في العهود الأولى للإسلام في اقتباس أدوات الحضارة والتقانة ابتداءً من أواخر العهد النبوي الشريف اذ كان همّ المسلمين في قرنهم الأول نشر الإسلام في وجه مقاومة قريش وبقية العرب الذين لم يسلموا ولم يسالموا، ثم في وجه الحضارتين الفارسية والرومانية. لذلك غلب الطابع العسكري على اقتباسات المسلمين التقنية الأولى وهو اول عمل تحديثي اصابهم . ثم اضطرد ذلك النسق في كل معارك المسلمين التالية حتى فتح الأندلس في عام 93هجرية، حين تميز القواد السياسيون والعسكريون في التلقي الإيجابي لمنتجات التجربة الإنسانية العالمية في التقانة العسكرية، وحتى للأساليب المعاصرة لتنظيم المجتمع مثل إنشاء الدواوين بسبب اتساع دولتهم التي هي بحاجة الى ادارة جيدة . وكل ذلك قد ضرب بسهم وافر في النجاح المدهش الذي ميز صعود الحضارة الإسلامية.ولقد استمر هذا النهج في القرنين التاليين، لكنه تميز بعد ذلك برغبة أقوى في اقتباس علوم الإنسانية الأخرى وتجاربها. فنشأت، نتيجة لذلك، حركة نشطة للترجمة خاصة في عهد الخليفة العباسي المأمون . بمقابل هذا التعاطي الطلق مع التحديث في التاريخ العملي للمسلمين الأوائل، لكن اصطدمت بجدار النزعة السالبة المقيدة التي أبطأت بمقدرات الاستجابة المرنة عند المسلمين للتطور. ويمكن إرجاع تلك النزعة إلى المفهوم حول المستقبل والتطور الزمني بصفة عامة، ذلك المفهوم الذي تراكم وتقوى عبر العصور والذي يمكن استقصاء أصوله عند اتجاهات التنسك واعتزال الحياة العامة الذي بدرت ملامحه بعد عهد الصحابة. وقد ساهم في ذلك التعامل الجزئي أو الانتقائي مع الأحاديث التي تصف مجيئ الفتن ، خاصة وقد ركن بعض الناس إلتصور للمستقبل وفق تفسير انتقائي سالب لما وجدوه من نصوص ذخرت بها كتب الحديث التي صدرت في القرون التالية. هكذا أصبحت واردات المستقبل وتطورات الزمان باللزوم شراً وفتنة تدني البشرية من النهاية وكل ذلك اصبح رهينة النزعة السالبة . وربما كان العامل الأهم في غلبة هذه الذهنية هو الإحباط الذي أصاب المسلمين جراء الفتن السياسية التي عاينوها كفاحاً وإن تطور هذه النظرة السالبة إلى الزمن والمستقبل قد وضعت التحديث في موضع الشك.

شارك هذا الموضوع: