النظرية الجغرافية في علم الجريمة
   ” ظهر أنصار هذه النظرية في أوائل القرن التاسع عشر، وكان أهم دعاتها العالم الفرنسي “جيري” Guerry ِAndre Michel والعالم البلجيكي”كتيليه “Quetelet Adolphe والعالم الفرنسي ” أنر يكو فيري” Ferri Enrico. ومفاد هذه النظرية أن للظواهر الجغرافية أثراً كبيراً على السلوك الإجرامي.
  وقام “جيري” مدير الشؤون الجنائية بوزارة العدل الفرنسية بدراسة الإحصاءات الجنائية التي قامت بنشرها فرنسا اعتباراً من “1826– 1833” حيث توصل إلى الحقائق التالية:
– ازدياد الجرائم ضد الأشخاص في المناطق الجنوبية من فرنسا في الفصول الحارة.
– ازدياد الجرائم ضد الأموال في المناطق الشمالية خلال الفصول الباردة.
حيث وجد علاقة بين الموقع الجغرافي ودرجة الحرارة من ناحية، ومعدلات الجريمة من ناحية أخرى. ثم وضع قانونه المعروف بـ” قانون الحرارة الإجرامي.”
  وبناءً على هاتين النتيجتين وضع”كتيليه” Quetelet الذي جاء بعده قانونين هما:-
الأول: قانون ميزانية الجريمة، الذي يفيد بثبات الإجرام من عام إلى آخر، موضحاً إياه بالقول: ” فكما توجد ضرائب مالية في المجتمع، توجد كذلك ضريبة إجرامية يجب على المجتمع تحملها كل عام، ويمكن تحديدها كأي ضريبة، وتدرج في ميزانية الجريمة كافة أنواع الجرائم التي سترتكب كل عام على أساس أن الجرائم ترتكب كل عام بالعدد نفسه وبالعقوبات نفسها وبالنسبة نفسها تحت تأثير الوسط الاجتماعي نفسه والظروف التي يمر بها المجتمع.
الثاني : فهو نفس القانون الذي توصل إليه “جيري” معمماً إياه على قارة أوربا قائلاً: “إن جرائم الأشخاص تغلب في الأقاليم الجنوبية لأوربا حينما يكون الطقس حاراً، بينما تكثر جرائم الأموال في الأقاليم الشمالية لأوربا حينما يكون الطقس بارداً وبفضل أَتباع هذه النظرية الذين انتشروا في القارتين الأوربية والأمريكية توسعت مجالات الدراسة، وكان الفيلسوف” مونتسكيو “Montesquieu ” 1689- 1755″ أول من أشار إلى وجود علاقة بين العوامل الجغرافية والجريمة واظهر ذلك خلال بحوثه في علم الاجتماع القانوني والفقه القانوني، وقد بين في كتابه” روح القوانين” أن للمناخ وطبوغرافية الأرض، تأثيراً على الأفراد، وهي السبب في نشوء التمايز في الخصائص العقلية والميول بين الأفراد، وذكر أن جرائم العنف لاسيما الجرائم الجنسية تزيد نسبتها في المناطق الاستوائية والقريبة منها، بينما جرائم الإدمان على الكحول تزداد نسبتها في المناطق القريبة من القطبين. بل أنه يرى أن القوانين والعادات وكافة أشكال النظم هي عبارة عن نتاج للعوامل الجغرافية.
  إذن؛ حالة المناخ وموقع البلد وإستراتيجيته وطبيعة البيئة الجغرافية في كل مجتمع من المجتمعات لها تأثيرها على نمط من أنماط الجريمة، كما تدل على ذلك الدراسات والإحصاءات الجنائية على النحو الذي سنبينه بإيجاز:
– ارتفاع درجة الحرارة في المناطق الحارة وفي المناطق الأخرى خلال فصل الصيف يزيد من حيوية الجسم وحدة طبعه، ويسهل اندفاعه إلى ارتكاب جرائم العنف، مثل القتل والتهديد ، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة هذه الجرائم. في حين أن انخفاض درجة الحرارة في المناطق الباردة خلال فصل الصيف الشتاء، يؤدي إلى خمود حركة الجسم وهبوط درجة الانفعال العصبي ما يحول دون سرعة الهياج والاندفاع ويقلل من ارتكاب جرائم العنف، بينما تزداد 
   لا يمكن إنكار أثر العوامل الجغرافية في السلوك الإنساني، لكن هذا لا يكفي وحده لتفسير الظاهرة الإجرامية، إذ لا يكون الفرد أسيراً للبيئة الطبيعية إلى الحد الذي تصبح هي المسؤولة وحدها عن تفسير أعقد مظاهر السلوك- الإجرامي- فمهما كان أثر المناخ على الفرد ومهما كانت أهمية البيئة الطبيعية في صقل نفسيات الجماعات والشعوب فإنه من المؤكد أن العامل الجغرافي لا تظهر آثاره إلاّ من خلال عوامل أخرى نفسية وجسمية واجتماعية، وهذا ما يدفعنا إلى عدم تقبل تلك الفكرة التي تفسر السلوك الإجرامي المعقد بإرجاعه إلى العامل الجغرافي وحده متغافلين عوامل أخرى لا تقل عنه في الاهمية. 

شارك هذا الموضوع: