النمو الصناعي: محفزات النمو وطرق تحقيقه
تهدف سياسات التنمية الاقتصادية القومية والإقليمية إلى زيادة الناتج القومي والإقليمي، وتعتبر الزيادة الكمية في الإنتاج الصناعي من أبرز ثمار هذه السياسات ووسائلها لتحقيق التنمية المستدامة. يُعرف هذا التحسن بالنمو الصناعي، والذي يمثل الزيادة المتحققة في كمية أو قيمة الإنتاج الصناعي عامة أو في أحد فروعه خلال مدة زمنية معينة. قد يحدث النمو الصناعي في مناطق أو أقاليم معينة دون غيرها، وقد يكون نموًا خاصًا في فرع صناعي معين أو في قطاعات الصناعة بشكل عام.
ينجم النمو الصناعي عن عدة عوامل، أبرزها زيادة العوامل المشتركة في العملية الإنتاجية أو رفع كفاءتها، إضافة إلى تحسينات في عمليات النقل، والتخزين، والتسويق، وكذلك في إدارة الإنتاج والخدمات. وبناءً على هذه العوامل، يمكن تحقيق زيادة الإنتاج الصناعي عن طريق أحد طريقتين رئيسيتين أو عن طريق دمج الطريقتين معًا:
١_تنظيم المؤسسات الصناعية والاستخدام الأكفأ لعناصر الإنتاج المتاحة: هذه الطريقة تعتمد على تنظيم وتحسين كفاءة المؤسسات الصناعية باستخدام الموارد المتاحة بشكل أكفأ، ما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية في القطاعات الصناعية. رغم أنها تعتمد على الإمكانات الذاتية للمؤسسات، إلا أنها قد تكون أقل سرعة في تحقيق النمو الصناعي المطلوب.
٢_استثمار المزيد من الموارد المالية في القطاع الصناعي: في هذه الطريقة، يتم تمويل مشاريع صناعية جديدة، أو توسيع المشاريع القائمة، أو تحديث المشاريع الحالية. بينما تُعتبر هذه الطريقة أكثر تأثيرًا وسرعة في تحقيق النمو، إلا أنها تتطلب موارد مالية إضافية قد يصعب توفيرها، إضافة إلى اتخاذ قرارات استثمارية أساسية مثل تحديد نوع الصناعة، حجم الإنتاج، والموقع الجغرافي للمشاريع. هذه القرارات تؤثر بشكل مباشر على كيفية توزيع الاستثمارات بين فروع النشاط الصناعي، مما يؤدي إلى إعادة بناء الهيكل الصناعي الوطني أو الإقليمي.
علاوة على ذلك، يُعد التقدم التقني من المحفزات الرئيسة للنمو الصناعي، خاصة في الفروع التي تستفيد من التقنيات الحديثة مثل الصناعات الهندسية، الكهربائية، والإلكترونية. توطن هذه الصناعات في إقليم معين يعطيه ميزة تنافسية، ويؤدي إلى تفوقه على أقاليم أخرى في نسبة النمو الصناعي المتحققة. في المقابل، فإن تخلف صناعة ما عن استيعاب التطورات التقنية الحديثة ومتابعتها يؤدي إلى تباطؤ عمليات نموها، خاصة عندما تكون لهذه الصناعة مكانة مهمة في الهيكل الصناعي القومي أو الإقليمي. لذلك، فإن التقدم التقني يعتبر أحد المحفزات الأساسية التي قد تميز إقليمًا صناعيًا عن آخر.
يمكن أن يتحفز النمو الصناعي أيضًا من خلال التمويل المالي الوطني والأجنبي، أو من أسواق جديدة سواء كانت محلية أو دولية. هذه العوامل تفتح المجال لاستثمار الموارد الأولية أو مصادر الطاقة، مما يعزز من قدرة الاقتصاد على تحقيق النمو الصناعي. إلا أن المحفزات الوطنية، التي تعتمد على الإمكانات الداخلية، تعد أكثر فاعلية لأنها تُعزز من استدامة النمو وتحقيق تنمية شاملة. فمن المؤكد أن المحفزات الوطنية أو الداخلية المنشأ تحدث تأثيرات إيجابية أكثر فاعلية مما لو كانت خارجية المنشأ.
من جهة أخرى، قد لا تساهم مخرجات العملية الإنتاجية في رفع مستوى المعيشة أو تحسين المستوى الحضاري للسكان إلا إذا كانت هذه العمليات تأخذ في اعتبارها الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية. لذلك، فإن الأسلوب الناجح لبدء أو تسريع النمو الصناعي يكمن في الاعتماد على الإمكانات المحلية، بتشجيع عمليات الادخار والاستثمار المحلي. هذا الأمر يعزز من قدرة الاقتصاد الوطني على تحقيق نمو صناعي مستدام، ما يسهم في تحسين رفاهية المجتمع وتطوير الأنشطة الاقتصادية بشكل متوازن.
النمو الصناعي يعد محركًا أساسيًا للتنمية الاقتصادية المستدامة، ويجب أن يعتمد على مزيج من التحسينات في العمليات الإنتاجية، والتمويل الداخلي، والتقدم التقني. من خلال هذه الاستراتيجيات، يمكن تعزيز الهيكل الصناعي الوطني والإقليمي، مما يساهم في تحقيق التنمية الشاملة وتحقيق النمو المستدام الذي يعزز من قدرة الاقتصاد على مواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية.
 
١-عبد الزهرة علي الجنابي، واقع واتجاهات التوطن الصناعي في إقليم الفرات الأوسط من العراق، أطروحة دكتوراه ،جامعة بغداد، 1996، (غيرمنشورة) ، ص 22
٢-عبد الله محمد صالح، “دور الصناعات التحويلية في التنمية الاقتصادية في العراق”، أطروحة دكتوراه ، جامعة بغداد، 2005، (غير منشورة)، ص 45.
٣-إبراهيم حسن حسين، “التحولات الصناعية في المناطق الحضرية في العراق: دراسة ميدانية”، أطروحة دكتوراه ، جامعة الموصل، 2008، (غير منشورة)، ص 67.


شارك هذا الموضوع: