يعد سؤال الهوية من الأسئلة التي تناولتها العلوم الإنسانية بما في ذلك علم النفس ، وعلم الاجتماع،وعلم اللغة ، نظرا لارتباطه بكينونة الفرد ووجوده.
وقد تناول حقل الأدب قضية الهوية ولا سيما في الرواية التي اهتمت بسؤال الهوية وطرحتها بمنظورات مختلفة .
ويقصد بالهوية ” نسق المعايير التي يُعرف بها الفرد ويعرّف ، وينسحب ذلك على هوية الجماعة والمجتمع والثقافة “ ([1]).
فالهوية على هذا التعريف متغيرة غير ثابتة فهي خاضعة للمجتمع والثقافة وهما دائما في تحول وبهذا يؤثران على الهوية المتغلغلة في عمق حياتنا الاجتماعية والثقافية فهي ” ليست كيانا يعطى دفعة واحدة وإلى الأبد بأنها حقيقة تولد وتنمو ، وتتكون وتتغاير،وتشيخ وتعاني من الأزمات الوجودية والاستلاب ” ([2]).
فهي تحيل ” على المتعدد والخاص المشترك والمتمايز في الوقت نفسه كما أنها تشير أيضا على الفردي والجماعي ،الثابت والمتغير الأمر الذي يجعلها موزعة بين تقاطبات تبدو للوهلة الأولى مستحيلة التجميع ولا يمكن أن نقر لها بثابت إبستيمولوجي ولو بنوع من المجازفة مفاده إمكانية اختزال مفهوم الهوية بثنائية الموضوعي والذاتي في الفعل الإنساني ” ([3]).
فالهوية ” بوصفها سردية هي كيان يتشكل ـ أو يشكل في مجرى التاريخ ، وبذلك تكون عرضةـ كأي حدث تاريخي للتغير والتقلب والتحول والانقطاع ، وهي أحوال تقع على النقيض من سمات اليقين والاستقرار والثبات والاطراد وهي السمات التي تحول الهوية إلى كيان متعال لا يتأثر بالظروف الدنيوية والسياقات التاريخية ” ([4]).
وفي علاقة هوية الذات بالآخر يمكن أن تتجسد وتتمثل ” عبر انتماءات ومكونات تتعلق بالجنس والعمر والطبقة الاجتماعية والموروث الثقافي،الذي يشكل ركيزة أساسية فيها،مما يجعل الآخر المعتدي يهتم بالقضاء عليها أي على كل الثوابت التي تشكل الروح والوعي حينئذ يسهل القضاء على الخصوصية ” ([5]). إذ يحاول الآخر بعامل القوة التي يمتلكها أن يفرض صورا نمطية عن الآخر من أجل طمس هويته وهذا ما نجده في الخطابات الكولونيالية التي صدّرت صورا عن الشعوب المستعمرة والمستضعفة من أجل إثبات قوتها بكل جوانبها ولكن مع تفكك الاستعمار وتحرر المستعمرات وحصولها على الاستقلال السياسي إذ نجدها أخذت تثبت نفسها ثقافيا من الرد على الاستعمار بكل أشكاله وهذا ما ساعد على ظهور خطاب ما بعد الكولونيالية ([6]).
إنّ توظيف مصطلح ما بعد الكولونيالية في الكتابات يتجلى ظهوره في ([7]).:
1ـ إظهار الثقافة الوطنية بعد رحيل القوة الإمبريالية .
2ـ الدراسات المقارنة بين مراحل التاريخ الكولونيالي وما بعده .
3ـ يتناسب مع مصطلح النقد عبر ثقافي الجديد وما يتأسس عليه من خطاب .
في ظل هذه التحولات ،التي مست مختلف الجوانب السياسية والثقافية سنجد الرواية ما بعد الكولونيالية ” في صياغة خطاب روائي يطور إستراتيجيات مضادة في الكتابة ، تفكك الصور النمطية المتحيزة إيديولوجيا للمركزية الغربية منطلقة من الوعي بأهمية امتلاك سلطة الكلمة والصوت في تمثيل الذات ” ([8]).
لا ينحصر الرد على الخطابات الكولونيالية بالأدب لكنه ” يعد واحدا من أهم طرق التعبير عن تلك المدركات الجديدة،فمن خلال كتابة الواقع اليومي الذي خبرته الشعوب المستعمرة،ومن خلال الفنون الأخرى مثل الرسم والنحت والموسيقى والرقص أصبح هذا الواقع مستقرا بقوة،كما أصبح تأثيره عميقا ” ([9]).
والرواية العربية في مرحلة ما بعد الحداثة قد أعادت قراءة الواقع والتجربة فقد انتقد الروائيون الواقع وسلطوا الضوء على الأزمات بأسئلة صريحة ومباشرة ومناقشة المحرمات وكسر التابوهات ورفض السرديات الكبرى والأنساق المغلقة والنظر إلى التاريخ كوسيلة لفهم الحاضر ورفض احتكار الحقيقة ([10]).
وقد صورت الرواية العربية العلاقة الملتبسة بين الشرق والغرب وخاصة في الخطاب ما بعد الكولونيالي إذ نجدها عمدت إلى تقديم صورا عديدة لهذه العلاقة منها ” تقويض صورة الشرق المتخيل التي عمد خطاب الاستشراق إلى تقديمها،وهذه الصورة تضمنت الشرق بوصفه مكان للرمسنة مرة وترتبط بالمنطق الاستعلائي تجاه الشرق مرة أخرى ، أما الصورة الأخرى فهي التأكيد على الهوية وتضمنت تأكيدعلى العادات والتقاليد أو الثقافة الشفاهية أو تعلم اللغة كنوع من استعادة الهوية ” ([11])