الولايات المتحدة وأدواتها في الحرب النفسية: تعزيز المعنويات لحلفائها على حساب العراق
الولايات المتحدة وأدواتها في الحرب النفسية: تعزيز المعنويات لحلفائها على حساب العراق
تعد الولايات المتحدة الأمريكية من القوى الكبرى التي تسعى بشكل مستمر إلى تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال استراتيجيات شاملة تشمل القوة العسكرية، الدبلوماسية، والحرب النفسية. العراق، باعتباره دولة ذات موقع استراتيجي وأهمية بالغة في المنطقة، أصبح هدفًا رئيسًا للولايات المتحدة في سياق تحقيق مصالحها السياسية والأمنية. وفي هذا الصدد، تتشابك الجهود الأمريكية مع عدة محاور، أبرزها إبقاء النفوذ العسكري والسياسي الأمريكي في العراق، وتعزيز استقرار حلفائها الإقليميين، بما في ذلك إقليم كردستان والاحتلال الإسرائيلي. ولكن، تبرز التحديات السياسية التي تواجه العراق في الحفاظ على سيادته الوطنية في ظل هذه التدخلات المستمرة.
زيارة الوفد العسكري العراقي إلى واشنطن
في إطار ما يُسمى بالاتفاقية الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، تم تنظيم زيارة الوفد العسكري العراقي إلى واشنطن بهدف تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين. رغم التصريحات الرسمية التي وصفت الزيارة بأنها “فنية”، فإن التحليل السياسي لهذه الزيارة يشير إلى أنها تأتي في توقيت حساس، حيث تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى إرسال رسائل متعددة إلى الأطراف الإقليمية والدولية ومن جانب آخر، تكشف هذه الزيارة عن محاولة أمريكية لتأكيد هيمنتها العسكرية على العراق. فقد تزامن مع الزيارة تصعيد إعلامي تمثل في نشر مقاطع تُظهر تحركات أرتال عسكرية أمريكية، متجهة إلى قاعدة عين الأسد وأربيل في شمال العراق. هذا الاستعراض العسكري ليس مجرد عرض للقوة، بل جزء من استراتيجية نفسية تهدف إلى إرسال رسائل معنوية لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وفي مقدمتهم قادة إقليم كردستان.
الهدف من تعزيز المعنويات: إقليم كردستان وإسرائيل
تعتبر الولايات المتحدة أن إقليم كردستان يمثل جزءًا مهمًا من استراتيجية النفوذ في العراق. فالإقليم يعاني من انقسامات داخلية بين الحزبين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وهذه الخلافات تضعف من استقرار الإقليم. في هذا السياق، يسعى الاستعراض العسكري الأمريكي إلى رفع معنويات الساسة في إقليم كردستان، حيث تعمل واشنطن على تعزيز موقفهم الداخلي في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية. ومن جهة أخرى، تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز موقف حليفها الاستراتيجي في المنطقة، الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعاني من أزمة داخلية تهدد استقراره السياسي. في ظل هذه الأزمة، قد تسعى إسرائيل إلى تفادي التصعيد الداخلي من خلال تعزيز موقفها الإقليمي، وهو ما يتطلب دعمًا خارجيًا. من هنا، تأتي جهود الولايات المتحدة لتقوية الحلفاء في المنطقة عبر رفع معنوياتهم، بحيث يتمكنون من مواجهة التحديات الداخلية والتهديدات الخارجية.
التناقض مع الموقف العراقي: السيادة الوطنية وقرار البرلمان
رغم هذه الاستراتيجية الأمريكية الموجهة نحو تعزيز النفوذ في العراق، فإن الموقف الداخلي العراقي يشهد تناقضًا واضحًا. فقد صوّت البرلمان العراقي سابقًا على قرار يقضي بخروج القوات الأجنبية من العراق، وهو ما يعكس إرادة الشعب العراقي في استعادة سيادته الوطنية. ومع ذلك، تستمر الحكومة العراقية في التعاون مع الولايات المتحدة، مما يخلق تمايزًا بين المواقف الرسمية والشعبية. ويُظهر هذا التناقض أن الأداء الحكومي العراقي قد يعزز من وجود القوات الأمريكية في البلاد، وهو ما يضعف بشكل غير مباشر من سيادة العراق ويعزز من التدخلات الخارجية في شؤونه. في هذا السياق، يجب أن يدرك صانعو القرار العراقيون أن استمرار هذا التعاون سيؤدي إلى تعزيز الانقسامات داخل القوات الأمنية العراقية، حيث قد تزداد محاولات استقطاب بعض هذه القوات نحو تبني العقيدة العسكرية الأمريكية.
الاستراتيجية الأمريكية في العراق: تداعيات سياسية وأمنية
إن الاستراتيجية الأمريكية في العراق تهدف إلى الحفاظ على نفوذها في المنطقة من خلال تعزيز وجودها العسكري والإبقاء على تواجدها غير الشرعي. هذا النفوذ يساهم في خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في العراق، حيث تسعى واشنطن إلى استغلال الفراغ السياسي في بغداد لصالح حلفائها الإقليميين كما الواضح أن الولايات المتحدة تسعى إلى التحكم في مسارات الأمن والسياسة الإقليمية عبر استعراض قوتها العسكرية، مما يُضعف قدرة العراق على اتخاذ قرارات مستقلة. كما أن هذا التوجه يتناقض مع قرارات البرلمان العراقي التي تدعو إلى إنهاء الوجود العسكري الأمريكي، وبالتالي فإن استمرار هذا الوضع يهدد بسيطرة القوى الخارجية على العراق.
خطر الاستنزاف: حرب مفتوحة على السيادة الوطنية
من منظور سياسي، يُعتبر استمرار التعاون مع الولايات المتحدة في هذا السياق خطرًا على السيادة العراقية. أي محاولات لإغلاق المنافذ الحدودية مع سوريا أو تقليص التفاعل مع القوى الإقليمية ستؤدي إلى تصعيد ميداني، قد يتحول إلى حرب استنزاف تضعف العراق بشكل كبير. في هذا الصدد، على الحكومة العراقية والمكونات السياسية أن تدرك أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى استنزاف طويل الأمد للموارد والقدرات العراقية، مما سيزيد من تبعية العراق للقوى الأجنبية.
التوصيات
مراجعة التفاهمات العسكرية مع الولايات المتحدة بما يتماشى مع قرارات البرلمان العراقي.
تعزيز الوحدة الوطنية بين القوى السياسية العراقية، من أجل مواجهة التحديات الأمنية والسياسية بفعالية.
إعادة بناء القوات الأمنية العراقية مع التأكيد على مبدأ الاستقلالية بعيدًا عن التأثيرات العسكرية الأجنبية وإن استعادة العراق لسيادته الوطنية يتطلب تبني سياسة واضحة تحافظ على استقلاله في مواجهة التدخلات الخارجية، وتسعى إلى تحقيق استقرار داخلي دون الاعتماد على القوى الأجنبية لتحقيق الأمن والسياسة الإقليمية.
١-أياد هلال الكناني، سياسة الفوضى الخلاقة الأمريكية الأصول الفكرية والإبعاد الدولية وألا قليمية، مركز الرافدين للبحوث والدراسات الإستراتيجية ، العراق، 2014، ص3٠
٢-عبد المنعم عبد الوهاب، صبري فارس الهيتي، الجغرافيا السياسية، ط1، بيت الحكمة ، بغداد ، 1989، ص 125.
٣-نزيه علي منصور ،لولايات المتحدة الأمريكية ومواجهة الأزمات الدولية في ضوء القانون الدولي، ط 1 ، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2013، ص 34