((بدايات النشاط السياسي لحزب النهضة العراقية 1921))
((بدايات النشاط السياسي لحزب النهضة العراقية 1921))
ا. د. فلاح حسن كزار:- جامعة كربلاء/ كلية التربية للعلوم الإنسانية/قسم التاريخ
اميل : falah72.a@uokerbala.edu.iq
موبايل: 07711911040
2025
مرحلة النشاط السياسي قبل إجازة الحزب
يعد حزب النهضة العراقية من اوائل الاحزاب المعارضة التي برزت على الساحة العراقية قبيل وبعد تشكيل المملكة العراقية عام 1921, وضم نخبة من الشخصيات العراقية المعروفة في الوسط الاجتماعي العراقي, والتي ساهمت قبل تشكيله في خوض غمار العمل السياسي، وفي هذا المقال المقتضب سأتطرق للبدايات الاولى لتأسيس هذا الحزب قبل اجازة نشاطه السياسي بشكل رسمي.
أ- بدايات النشاط السياسي:
سعى العراقيون للتخلص من الانتداب ونيل الاستقلال التام ، وكانت تلك هي أهداف الحركة الوطنية بعد عودة السياسيين المنفيين من جزيرة هنجام ، إذ نشطت الحركة الوطنية التي أظهرت التفافها على زعاماتها الدينية والوطنية وتظافرت جهودها في مقاومة الاحتلال. وعلى هذا الأساس وقبيل تتويج الأمير فيصل ملكاً على العراق رأى فريق من العراقيين ضرورة تأسيس حزب سياسي للتعبير عن إرادة الأمة بصورة حرة ، هدفه توحيد الجهود الوطنية ، لذا بدأ النشاط السياسي يظهر بصورة متصاعدة ، وعلى هذا النحو قدم جماعة من الوطنيين وعدد من أهالي الكاظمية طلباً إلى وزارة الداخلية ودائرة المندوب السامي البريطاني للحصول على موافقة بتأليف حزب سياسي باسم (حزب النهضة العراقية) ، وأرفقوا مع الطلب نسخة من النظام الأساسي ، ويظهر أن تركيبة الجماعة المؤسسة خليط من الملاكين والكسبة والشباب المثقف ومنهم أمين الجرجفجي ، ومهدي الجرجفجي ، والشيخ أحمد الظاهر ، وعبد الرسول كبة ، ومحمد حسن كبة ، وعبد الرزاق الأزري ، وعبد الجليل عوني آل سوز ، والسيد مهدي البير ، وآصف وفائي قاسم آغا ، والسيد أسد الله الحسيني.
أرسلت وزارة الداخلية المنهاج إلى المندوب السامي ، وقبل أن يبدي المندوب السامي رأيه فيه ، أراد أن يدققه مجلس الوزراء ، لذلك وعلى هذا الأساس أحال المندوب السامي بدوره الطلب الى مجلس الوزراء بكتاب رسمي جاء فيه:
((سكرتارية المندوب السامي بغداد 6آب 1921
في العراق الرقم 63568
أمرت أن أرسل إليكم منهاج الحزب السياسي المسمى بحزب النهضة العراقية الذي يراد تأليفه في الكاظمية ليعرض على مجلس الوزراء ، ويرى فخامة المندوب السامي إن أمر تاليف الأحزاب السياسية يجب أن يوضع موضع البحث والتدقيق ، وأن يفكر فيما إذا كان يجوز في الآونة الأخيرة إعطاء مجال لتأليف الجمعيات السياسية ، التي لابد أن تنتج منها نزعة تفضي إلى تفريق أهل العراق إلى جماعات متضادة ، وإذا لم يعارض مجلس الوزراء إنشاء جمعيات سياسية فهل يصدق على منهاج جمعية النهضة العراقية على علاته؟ ففخامة المندوب السامي يريد أن يطلع على رأي المجلس بهذا الخصوص.
ولي الشرف يا سيدي أن أكون خادمكم المطيع س . س . كاربت – سكرتير فخامفة المندوب السامي في العراق)).
في ضوء ما ورد في كتاب المندوب السامي ، تظهر رغبة أهالي مدينة الكاظمية في تأسيس الحزب ، وما يستند إليه أن الطلبات في أغلبها قدمت من تجار المدينة وأعيانها ، ويؤيد ذلك محمد مهدي البصير ، ولي مداخلة في هذا الموضوع وهي أن مقر الحزب في منطقة (رأس القرية) في بغداد ، حيث يكون منزل معتمد الحزب أمين الجرجفجي ، وقد اتخذه في الوقت ذاته مقراً للحزب ، وفي عودة إلى كتاب المندوب السامي وإشارته ، فإنه ربما اختلط الأمر عليه ، ولاسيما وأن أغلب الأسماء من أهالي الكاظمية ، فضلاً عن ذلك فإن الحاج أمين الجرجفجي كان يتردد على مدينة الكاظمية بصورة دائمة بسبب نشاطه التجاري فيها.
وفيما يتعلق بتسمية الحزب ، وهل أن الطلب المقدم كان يحمل اسم جمعية أو حزب؟ فقد وقفت عند ذلك كثيراً ، وتتبعت طبيعة الطلب المقدم فيما إذا كان يحمل اسم (جمعية النهضة العراقية) التي ذكرتها بعض المصادر ، ومنها بعض كتب المؤرخ عبدالرزاق الحسني ، أو يحمل اسم (حزب) لاسيما وأن بعض الكتب المؤرخ نفسه تشير إلى ذلك.
كما إن كتاب المندوب السامي البريطاني المشار إليه سابقاً من إنه يذكر مفردة (حزب) تارة ، ومفردة (جمعية) تارة أخرى ، وحاولت جاهداً الحصول على ملفة الحزب ، لأؤسس حقيقة كونه حزباً أو جمعية ، ولأطلع على الطلب المقدم الحصول على الإجازة ، إلا إن ذلك لم يتحقق ، (بسبب فقدان الملفة في دار الكتب والوثائق ، حالها حال كثير من الملفات ، بسبب ظروف الاحتلال الأميركي وما تعرضت له من الخراب والتدمير) ، لذا فإني أظن إن مفردة (حزب) هي الأقرب إلى الصواب من كونها (جمعية) معتمداً في ذلك على ما أورده بعض المعاصرين لمعتمد الحزب الحاج أمين الجرجفجي وعلى ما نقل شفاهاً عنه قوله عندما سئل: لماذا أسميت الحزب باسم حزب النهضة؟ فأجاب قائلاً: ((لكي أُثبت للبريطانيين بأن العراق فيه رجال أقوياء)) ، ولاسيما أن كلمة (النهضة) كانت تعني في ذلك الوقت (الثورة) ، وفي الوقت ذاته اطلعت على بعض الكتب الرسمية التي وجهها الحزب إلى الملك فيصل بعد أن أجيز في 19/آب/1922 التي حملت ختماً باسم (المركز العام لحزب النهضة العراقية) ، كما أن صحيفة الحزب (النهضة العراقية والتي أصدرها الحزب فيما بعد كانت تحمل عنوان (النهضة العراقية لسان حال حزب النهضة العراقية)
ومما يشار إليه أن حزب النهضة يعد أول حزب خاطب دوائر الدولة ودائرة المندوب السامي للحصول على إجازة علنية لنشاطه السياسي بعد الاحتلال البريطاني للعراق.
يبدو أن المندوب السامي لم يكن راغباً في بعث الحياة الحزبية في العراق ، وفي الوقت ذاته يوجه مجلس الوزراء في الحكومة المؤقتة بضرورة تأجيل النظر في نشاط الحياة الحزبية إلى أجل غير مسمى والدليل على ذلك هو عندما جرت مفاوضات عديدة ومناقشات متواصلة في أروقة مجلس الوزراء في 11/آب/1921 لدراسة كتاب المندوب السامي السابق الذكر ، ومنهاج حزب النهضة العراقية ، واختلاف آراء الوزراء بشأن السماح للأحزاب السياسية بالعمل ، والتي كانت على النحو الآتي:
رأي رئيس الوزراء عبد الرحمن النقيب: وأشار فيه أنه لا مانع لديه من تأليف الأحزاب السياسية التي عدّها سنة الحكومات الدستورية ، ولكنه حبذ في الوقت ذاته تأجيلها إلى ان يتم تشريع قانون بهذا الخصوص .
رأي وزير المالية ساسون حسقيل ، عدّ تأليفها شيئاً ضرورياً وأكد على أنه إذا أضاعت الحكومـة ذلك فسـوف تتألـف جمعيات سريـة ، لذلك يجـب إعطـاء الحرية لتشكيلها مـع ضـرورة تشريع قانون يطبق على هذه الجمعيات ، وقد أيد ذلك وزير الدفاع جعفر العسكـري ، والسيد محمد مهدي بحر العلوم وزير المعارف ، وعزت باشا وزير النافعة (الاشغال والمواصلات) ، والمستر طمسن (TOMSON )المستشار البريطاني في وزارة النافعة .
رأي عبد المجيد الشاوي الوزير بلا وزارة: الذي رأى بأن تأليفها في تلك الآونة مضر ، وموجب للتفرقة وعرقلة أمور الحكومة ، لذلك يجب تأجيلها لحين صدور قانون خاص بها ، وقد أيده كل من مصطفى الآلوسي وزير الأوقاف ، وعبد الجبار الخياط الوزير بلا وزارة ، وعبد الرحمن الحيدري الوزير بلا وزارة أيضا ، في حين امتنع كل من عبد الغني كبة ، وداود اليوسفاني ، والشيخ سالم الخيون الوزراء بلا وزارة عن إعطاء آرائهم.
وفي ضوء تلك الاختلافات في الرأي قرر مجلس الوزراء تأجيل تأسيس الأحزاب السياسية لحين سن قانون خاص ينظمها ، وبعث سكرتير مجلس الوزراء إلى دار الاعتماد البريطانية ، ما دار في هذه الجلسة ، والقرار الذي توصلت إليه وأرسلته بكتابها المرقم (657) في 14/آب/1921.
رحب المندوب السامي بقرار مجلس الوزراء الذي جاء مطابقاً لرغبته وأمر بإرسال كتاب إلى مجلس الوزراء العراقي برقم 14318/10/28 في 19/آب/1921 ، جاء فيه ((أمرت إذ أشير إلى كتابكم المرقم 657 والمؤرخ في 14/آب/1921 ، المتعلق بتأليف الأحزاب السياسية. والظاهر أن الآراء متفقة على ظهور الأحزاب السياسية عاجلاً أو آجلاً ، لكنه يمكن تأجيلها رسمياً لعدم وجود قانون لها ، وعليه فإن فخامة المندوب السامي لا يشك في الحكمة المكنونة في رأي مجلس الوزراء ، المتعلق بهذا الشأن ويأمل إن المجلس سوف يتخذ الوسائل اللازمة لسن قانون الأحزاب السياسية لذلك لا يكون النظر في الاستدعاءات الفردية العائدة بالأحزاب موافقاً ، إلى أن يتم سن القانون المذكور)).
وهكذا رد طلب الوطنيين بتأليف حزب النهضة العراقية ، وأجل السماح لأي نشاط سياسي ، بحجة عدم وجود قانون خاص بهذا الشأن ، مع أن القوانين العثمانية المطبقة في العراق آنذاك كانت تنظم هذه الأمور بالشكل الذي يكفل للناس ممارسة حقوقهم العامة.