تأثير الحالات السلبية الفردية على الصورة المجتمعية لفئة مهنية: المعلمون انموذجاً

تُعد الصورة النمطية التي تتشكل في الأذهان عن الفئات المهنية نتاجًا لتجارب فردية أو مشاهدات جزئية، وقد تتأثر بشكل كبير بسلوكيات شاذة تُضخم إعلاميًا أو اجتماعيًا. ومن أبرز الأمثلة على هذه الظاهرة ما تواجهه فئة المعلمين، حيث تؤثر سلوكيات سلبية فردية على الرأي العام تجاه المهنة ككل.

تؤكد الدراسات النفسية أن الأفراد يميلون إلى “التحيز السلبي” (Negativity Bias)، وهو الميل إلى تذكّر وتضخيم الأحداث السلبية مقارنة بالإيجابية (Baumeister et al., 2001). وهذا يفسر لماذا تؤدي حالات معزولة من الإهمال أو سوء السلوك من قبل معلم واحد إلى تعميمات تطال آلاف المعلمين الملتزمين. على سبيل المثال، واقعة لمعلمة أساءت معاملة طالب قد تُستخدم كدليل ضمني على “تدهور التعليم”، بينما يُتجاهل يوميًا آلاف الحالات من المعلمين الذين يقدّمون جهودًا مخلصة.

تُعزز وسائل الإعلام هذا النمط من التعميم. ففي تحليل إعلامي أجراه Thomas and Wareing (2019)، تبين أن التغطيات الإخبارية السلبية حول المعلمين تَلقى تفاعلاً أعلى من تلك التي تتناول إنجازاتهم، ما يُنتج صورة مشوّهة عن المهنة. ويؤدي هذا التناول إلى تقويض الثقة المجتمعية بالمعلم، وينعكس سلبًا على العلاقة بين المدرسة وأولياء الأمور.

من الناحية المهنية، تؤدي هذه الصورة النمطية إلى انخفاض في احترام الذات لدى المعلمين، كما أظهرت دراسة لـ Korthagen (2017) أن شعور المعلم بقيمته المجتمعية يؤثر مباشرة على أدائه الأكاديمي وتحفيزه الداخلي. وعندما يُعامل المعلمون باعتبارهم “مشتبهًا في كفاءتهم”، فإن ذلك ينعكس على بيئة العمل، ويدفع بعضهم إلى الانسحاب المهني أو الاكتفاء بالحد الأدنى من الالتزام.

لمواجهة هذا التحدي، يقترح Cameron & Grant (2015) اعتماد مقاربات إعلامية وتربوية تصحيحية، تبدأ بإبراز النماذج الناجحة، وليس فقط تسليط الضوء على الإخفاقات. كما يجب تفعيل دور النقابات والوزارات التعليمية في توعية المجتمع بعدم الانسياق وراء التعميمات، وتعزيز التقييم المنصف القائم على معايير موضوعية لا على الانطباعات المسبقة.

في الختام، لا يمكن لمجتمع أن ينهض دون احترام معلميه، ولا يمكن للمعلم أن يؤدي دوره ما لم يشعر بالدعم والثقة. والحالات السلبية الفردية، وإن كانت تحتاج إلى معالجة حازمة، لا يجوز أن تتحول إلى أداة لتشويه صورة مهنة كاملة. المطلوب اليوم خطاب متزن، يعترف بالأخطاء دون أن يعممها، ويدعم التميز دون أن يتجاهل الإصلاح.




المراجع:

Baumeister, R. F., Bratslavsky, E., Finkenauer, C., & Vohs, K. D. (2001). Bad is stronger than good. Review of General Psychology, 5(4), 323–370.

Thomas, L., & Wareing, S. (2019). Teacher representation in the media: Implications and impact. Educational Media International, 56(2), 105–117.

Korthagen, F. A. J. (2017). Inconvenient truths about teacher learning: Towards professional development 3.0. Teachers and Teaching, 23(4), 387–405.

Cameron, M., & Grant, A. (2015). Promoting teacher professionalism: A media and policy perspective. Teaching and Teacher Education, 49, 49–59.

شارك هذا الموضوع: