ترامب والشرق الأوسط الجديد رؤية جديدة ام إعادة صياغة للقديم؟
ترامب والشرق الأوسط الجديد رؤية جديدة ام إعادة صياغة للقديم؟
م.د نور حسين الرشدي قسم الجغرافية التطبيقية
منذ توليه الرئاسة عام 2016، تبنى دونالد ترامب سياسة خارجية قائمة على إعادة ترتيب الأولويات الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد تميزت رؤيته بالسعي إلى تعزيز النفوذ الأمريكي عبر تحالفات جديدة وتغييرات جذرية في القضايا الكبرى، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وإيران، والخليج العربي، وبعد مغادرته البيت الأبيض عام 2021 عاد ترامب إلى الساحة السياسية بخطة جديدة للشرق الأوسط، أعلن عنها في أوائل عام 2025، مما أثار جدلًا واسعًا حول مستقبل المنطقة، ويمكننا استعراض رؤية ترامب لمفهوم الشرق الأوسط الجديد .
تمحورت خطط ترامب الجديدة للشرق الأوسط حول إعادة هيكلة المشهد السياسي والأمني والاقتصادي في المنطقة، مستندة إلى ثلاثة محاور رئيسة:
1.إعادة تشكيل القضية الفلسطينية عبر خطة تطوير غزة
في أوائل فبراير 2025، كشفت تقارير إعلامية عن أن ترامب وفريقه السياسي يعكفون على خطة لتحويل قطاع غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، وتقترح الخطة إعادة إعمار غزة بمشاريع اقتصادية كبرى، تشمل الاستثمارات السياحية والبنية التحتية، ولكنها تتضمن أيضًا مقترحًا مثيرًا للجدل بنقل عدد كبير من سكان غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن بشكل مؤقت.
هذه الخطة، التي وصفتها بعض الجهات بأنها “صفقة عقارية”، أثارت استياء دولي، حيث رفضتها دول مثل ألمانيا وروسيا والصين، فضلًا عن الرفض القاطع من الدول العربية المجاورة مثل مصر والأردن، اللتين أكدتا على ضرورة احترام حقوق الفلسطينيين في أرضهم.
الضغط على إيران وإعادة صياغة الاتفاق النووي
لطالما كانت إيران محورًا رئيسا في سياسة ترامب الخارجية، خلال فترة رئاسته الأولى، انسحب من الاتفاق النووي لعام 2015 وفرض عقوبات قاسية على طهران، وفي إطار خطته الجديدة يسعى ترامب إلى التوصل إلى “اتفاق نووي سلمي”، لكن بشروط أكثر صرامة تهدف إلى الحد من قدرات إيران العسكرية وتقليص نفوذها في المنطقة.
يرى بعض المحللين أن هذا النهج قد يؤدي إلى تصعيد التوترات بدلًا من تخفيفها، خاصة في ظل تصاعد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
تعزيز التحالفات مع الدول الخليجية وإسرائيل
خلال فترة حكمه الأولى، لعب ترامب دورًا رئيسيًا في اتفاقيات “أبراهام”، التي شهدت تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية مثل الإمارات والبحرين والمغرب، ويبدو أن خطته الجديدة تهدف إلى توسيع هذه الاتفاقيات لتشمل دولًا أخرى، مع تقديم ضمانات أمنية أمريكية جديدة لحلفائها في الخليج. كما يُتوقع أن يعمل ترامب على زيادة التعاون العسكري مع السعودية، خاصة في مواجهة إيران، مع تقديم دعم اقتصادي وأمني أكبر لإسرائيل.
أما ردود الفعل على خطة ترامب الجديدة
المعارضة الدولية: أثارت مقترحات ترامب، خاصة المتعلقة بغزة، ردود فعل غاضبة من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، حيث حذرت من أن أي محاولة لفرض تهجير قسري للفلسطينيين قد ترقى إلى انتهاك القانون الدولي.
المعارضة العربية: رفضت الدول العربية الكبرى مثل السعودية ومصر والأردن خطط ترامب فيما يخص القضية الفلسطينية، مؤكدين دعمهم لحل الدولتين كحل وحيد للصراع.
الدعم الإسرائيلي: في المقابل، لاقت الخطة دعمًا من بعض المسؤولين الإسرائيليين، خاصة في ظل سعي حكومة بنيامين نتنياهو إلى إيجاد “حلول جذرية” للوضع في غزة بعد الحرب الأخيرة.
التحديات أمام تنفيذ الخطة
رغم طموحات ترامب الكبيرة في إعادة تشكيل الشرق الأوسط، إلا أن هناك عدة تحديات تعرقل تنفيذ خطته:
المعارضة الشعبية الفلسطينية: لا يمكن فرض أي حل على الفلسطينيين دون موافقتهم، كما أن أي محاولة لفرض تهجير قسري قد تؤدي إلى تصعيد واسع.
2.عدم الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة: في حال فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024، فإن تنفيذ هذه الخطة سيعتمد على مدى استقرار إدارته ومدى قدرتها على فرض رؤيتها الخارجية.
الملف الإيراني: من غير الواضح ما إذا كانت إيران ستوافق على أي اتفاق نووي جديد أم ستواصل تصعيدها في المنطقة، مما قد يعقد حسابات ترامب.
وختاما ً على الرغم أن خطة ترامب الجديدة للشرق الأوسط تحمل عناصر من سياساته السابقة، إلا أنها تسعى إلى إحداث تغييرات جذرية في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وإيران، ومع ذلك، يظل نجاح هذه الخطة محل شك، نظرًا للمعارضة الدولية والإقليمية الكبيرة، فضلًا عن التعقيدات السياسية والاقتصادية التي تواجه تنفيذها فيما إذا كان ترامب سيتمكن من تحقيق رؤيته الجديدة أم لا، سيظل سؤالًا مفتوحًا حتى تتضح ملامح سياساته الخارجية .