تعلم اللغة الانكليزية في العراق التحديات والحلول رحيم عويز عباس\ اللغة الإنكليزية \المرحلة البحثية
مقدمة
يشار إلى اللغة الانكليزية بأنها لغة عالمية وذات انتشار واسع، ويُطلق عليها المصطلح Lingua Franca، وهو يعني أنها لغة يستخدمها الناس باختلاف بلدانهم وثقافاتهم وأصولهم اللغوية لغرض التواصل، كونهم يفتقدون اللغة المشتركة. لذلك، تُعتبر اللغة الانكليزية جسرًا لغويًا يربط ثقافات وأصولًا لغوية مختلفة، مما يسهل التواصل والتفاهم بينهم. فعلى سبيل المثال، لو أن شخصًا يتحدث العربية وآخر يتحدث اليابانية، فإنهم في الغالب يستخدمون اللغة الانكليزية للتفاهم. علاوة على ذلك، تستخدم اللغة الانكليزية في غالبية البلدان حول العالم لأغراض مختلفة كالتعاملات التجارية، وفي التعليم، والفن، والإعلام، بالإضافة إلى استخدامها في الأدلة السياحية وإرشادات السلامة والخرائط وغيرها من مجالات الحياة.
ومن هنا تأتي أهمية تعلم اللغة الانكليزية وفق برنامج تعليمي وسياسة تربوية ناجعة تحقق الأهداف المرجوة.
التساؤل المطروح
هل البرنامج التعليمي والسياسة التربوية في العراق أدت ما عليها في هذا الجانب؟ وهل هناك مناهج واستراتيجيات وخطط تحقق الهدف؟ هذا الموضوع يحتاج إلى بحث كامل يعتمد على استخدام كل ما هو متاح من أساليب البحث والاستقصاء وتحليل النتائج. لكن في هذا المقال المختصر، سيتم تسليط الضوء على الأمور الواضحة ومناقشتها بإيجاز، خاصة في المراحل الابتدائية والثانوية، وبشكل وجيز جدًا في المرحلة الجامعية.
التحديات التي تواجه تعلم اللغة الانكليزية في العراق
المنهج الدراسي: يتمثل المنهج الدراسي بالكتاب وملحقاته، وقد تم تغييره عدة مرات لكي يواكب التطور وإدخال المفردات الحديثة، ولكي يناغم التغير الثقافي ويلائم طرائق التدريس الحديثة. ولكن واجه الكثير من المعوقات فيما يتعلق بالطباعة وعدم تجهيز ملحقاته الأخرى، مثل كتاب النشاط والمادة السمعية والبطاقات الخاطفة والنشرات الجدارية.
الصف الدراسي: مشكلة الصف الدراسي عامة لكل المواد، وغالبية الصفوف الدراسية تكون غير مهيأة لتعليم اللغة الانكليزية لعدم وجود مختبر صوت. علاوة على ذلك، يتم تجاوز أعداد التلاميذ في المرحلة الابتدائية أو الطلاب في المتوسطة والإعدادية الحد المسموح به بشكل كبير جدًا، بالإضافة إلى ازدواج الدوام الذي قد يكون ثلاثيًا في بعض الأحيان. وهذا مخالف لنظام التعليم في العراق، حيث إن الدوام حسب قانون وزارة التربية صباحي، وتوجد مدارس مسائية فقط للذين تتجاوز أعمارهم الحد المسموح. ولكن نتيجة ظروف متوالية ومختلفة، أصبح الدوام الثنائي عادة مقبولة عرفًا، لكنها مخالفة قانونًا إلا في الحالات الحرجة، والحالة الحرجة أصبحت هي الأساس.
طرائق التدريس والاختبارات: لا تزال طرائق التدريس تعتمد على الطرق التقليدية التي لا تتواكب مع أساليب التدريس الحديثة إلا في بعض الاجتهادات الشخصية. ومن الأمور المهمة جدًا أن الاختبارات اليومية والشهرية ونصف السنوية والنهائية، سواء العامة الوزارية أو المحلية، لا تتناغم في كثير من آلياتها وفقراتها مع آليات المنهج والأهداف الواجب تحقيقها. فغالبيتها لا تزال تتبع الطريقة التقليدية القديمة.
دليل المعلم: دليل المعلم هو كتاب يعتبر جزءًا من المنهج، لكن تم إفراده في فقرة منفصلة لأهميته. كل عمل يحتاج إلى خطة يتم العمل على تنفيذها، وكما هو الحال، دليل المعلم يعتبر جزءًا مهمًا من المنهج كونه يوضح ويشرح آليات تنفيذ العملية التعليمية من خلال وضع خارطة لكل وحدة وفقرة من محتويات المنهج. لكن لا يتم التقيد واتباع تعليماته لعدة أسباب، منها عدم توفر بيئة صفية ومادية لتحقيق الهدف، مثل وقت الدرس ومستلزماته، إضافة إلى عدم قناعة بعض مشرفي ومعلمي اللغة الانكليزية بالتقيد بمضمونه، علاوة على عدم توفر هذا الدليل في أغلب المدارس.
المعلم: تعاني بعض المدارس من عدم توفر اختصاص اللغة الانكليزية، ولذا يُكلف غير الاختصاص بسد النقص، وبهذا لا يتم تحقيق أهداف التعلم بصورة كافية. وأحيانًا يكون عدد المعلمين لا يكفي لسد النصاب، مما يجعل هناك جهدًا إضافيًا على عاتق المعلم. وهناك أيضًا بعض المعلمين لم يختاروا الاختصاص عن دافع، لذلك لا يسعى لتطوير نفسه.
التلميذ أو الطالب: التلميذ لا يدرك أهداف التعلم ويشعر أن المدرسة وتحضير الدروس هو رغبة المعلم والأهل وليس رغبة شخصية. وهذا يلاحظ في المرحلة الابتدائية، فالمسؤولية هنا تقع على المعلم والأهل في كيفية تعزيز الرغبة في التعلم لدى التلميذ.
الوسائل التعليمية: تبرز أهمية الوسائل التعليمية المرئية والسمعية والمادية في ترسيخ التعلم، وخاصة في منهج اللغة الانكليزية. عدم توفرها وعدم الاهتمام بها من جميع المعنيين يمثل حلقة سلبية وعائقًا حقيقيًا في تحفيز التلميذ وترسيخ المادة الدراسية. وهنا تبرز حاجة ملحة لتطوير مهارات المعلم باستمرار من خلال دورات حقيقية ينفذها أشخاص مختصون، وأن لا تكون مجرد روتين سنوي لا يحقق الأهداف.
ولي أمر التلميذ وعائلته: يعتبر دورهم مهمًا جدًا، وخصوصًا انطباعهم حول تعلم اللغة الانكليزية دافعًا مهمًا في حث أبنائهم على التعلم.
كيف نتعلم اللغة الانكليزية وماذا نتعلم؟
الحقيقة التي اكتشفناها هي أن سنوات الدراسة من الابتدائية مرورًا بالمتوسطة والإعدادية وختامًا بالجامعية لم تحقق المطلوب، وأن الشخص الذي مر بهذه المراحل جميعها لم يكتسب ثروة لغوية ولا يستطيع استخدام اللغة الانكليزية لا بالجانب الاجتماعي ولا الأكاديمي. بينما يمكن لشخص انغمس في مجتمع إنجليزي لستة أشهر أن يتواصل ويتحدث اللغة ويعبر عن نفسه. إذاً، أين الخلل؟ يقال إن أغبى شخص في العالم ممكن أن يتعلم لغة واحدة، والدليل أن أي شخص في العالم قادر على الكلام يتكلم لغة معينة. وهذا يدل على أن اكتساب اللغة طبيعيًا وعفويًا أفضل من اكتسابها أكاديميًا في ظل مؤسسات علمية.
لنطرح هذا السؤال: هل كل التلاميذ والطلاب سيتخصصون في مجال اللغة الانكليزية؟ الجواب كلا، بل قسم قليل جدًا. كلنا نلاحظ الأطفال كيف يتعلمون لغتهم الأم، يبدؤون بمقطع أو حرف صوتي واحد، وتدريجيًا يصبح كلمة ثم عبارة، ومن ثم جملة. وخلال هذه الفترة، لا يستطيع الطفل أن يظهر اللفظ الصحيح ولا ترتيب الجملة أو قواعدها أو حركاتها، ولا يهتم الطفل بالتصحيح المتعمد من قبل من هم حوله، وإنما يستمر بالتعلم وحده من خلال السماع والتفاعل. بل إن التصحيح قد يضر به ويجعله يتجنب قول الكلمة أو الجملة التي تسبب له الحرج. ومن هنا، فإن متعلم اللغة الانكليزية يتعرض للحرج الكبير عند الإصرار على تعليمه اللفظ الصحيح أو ترتيب الجمل وقواعدها، وإنما نجعله يتعلمها طبيعيًا وبدون تسليط الضوء على الأخطاء، وإنما من خلال سماعه للمعلم أو من خلال قراءته للجمل، وتدريجيًا تنمو لديه هذه المهارة.
وبالجدر بالذكر أن هذه الحالة نلاحظها حتى في الدراسة الجامعية، عندما يُحرج الأستاذ طلبته لعدم إتقانهم اللفظ أو القاعدة اللغوية. فالنتيجة أن الطالب يتجنب الحديث مستقبلًا ويحدث له تراجع في عملية التعلم. وفي الختام، إن اللغة يتعلمها حتى من لم يتقن القراءة والكتابة إذا توفرت البيئة المناسبة للتعلم. وياحبذا لو تكون السنة الأولى لدارسي تخصص اللغة الانكليزية في الكليات هي فقط سنة تمهيدية للسماع والحوار واستخدام اللغة بشكل طبيعي وترفيهي، ووفق آلية منهجية معدة بعد دراسة مستفيضة. والابتعاد في السنة الأولى عن المناهج العلمية كالصوت، مثل خصائص الحروف ومخارجها وفسلجة جهاز النطق ودراسة القواعد، وإنما يكون التركيز على توفير بيئة اجتماعية تستخدم اللغة الانكليزية للتواصل والتفاهم من خلال مشاهد تمثيلية. على سبيل المثال، البيئة اليومية ليوم ما تتمثل بمطعم وما يحتويه المطعم من أنواع الأكل وكيفية مناداة النادل والتحدث معه والسؤال عن الأسعار، وهكذا. الفعالية الأخرى تكون استئجار سيارة أو شقة، أو حلقة نقاشية في موضوع رياضي أو اجتماعي، إلخ. هذه السنة الأولية ستوفر بيئة مشجعة للتفاعل وتظهر القابليات الكامنة وترفع حواجز وعقبات التعلم وتزيد من إدراكات المتعلم والمعلم، كل حسب دوره.
الخاتمة
كل ما تم ذكره أعلاه من مشاكل ومعوقات ووجهات نظر ومقترحات بحاجة إلى أن تؤخذ بعين الاعتبار، ويتم دراسة واقع تعلم اللغة الانكليزية في العراق بشكل جدي وواقعي ومن قبل كل المعنيين لتحقيق الأهداف وخلق بيئة تعليمية مشجعة ومثمرة تحقق النتائج وتطور التعليم وتساهم في رسم السياسة التربوية والتعليمية للبلد.