كلية التربية للعلوم الإنسانية/ قسم اللغة العربية
م. د. سلام سلمان الربيعي
تمظهر الرؤية السوداوية في الشعر
لا يخفى على الدارسين أن للشعر بنيات تسهم في تكوينه أو توليده، ولا بد لأي نص شعري أن يكون مولودا منها، وإذا ما أردنا أن نحصرها فلا يمكن إلا أن تكون بنيات ذاتية وبنيات اجتماعية وبنيات ثقافية، تعطي كل بنية قوتها التأثيرية على مكَوِّن النص.
وقد تباينت الآراء بشأن قوة تأثير هذه البنيات التي تؤدي إلى جعل الشاعر ينزاح إلى الرؤية السوداوية، فهل هذه الرؤية هي نزعة نفسية ذاتية، أم هي نتيجة لتأثير سيسيولوجي على ذات الشاعر التي تكون مهيأة أكثر من غيره؛ نتيجة لما يتمتع به من مؤهلات شاعرية متأتية من الموهبة الشعرية التي هي مسألة تكوينية.
لا يمكن أن نحدد مسارا معينا ثابتا لسيرورة هذه الرؤية السوداوية؛ لأننا وبلا شك سنخرج إلى قولبة الذات البشرية، وتحديد مجالات الإبداع الفني الذي يندرج الشعر الممزوج بالسوداوية  تحت عباءته، إذ إن هذا الشعر الذي يعبر عن حالة مأساوية لا شك أنه متأت من صدمات  تعرض أصابت الشعراء أدت إلى عذابات تمخض عنها ذلك الحزن العميق والاكتئاب الذي يتجلى في كثير من قصائدهم.
وتجلت الرؤية السوداوية في الأدب بصورة عامة والشعر خاصة في بداية ظهور الرومانسية، إذ كان لها جذر فلسفي أرسطي. وفي بداية القرن التاسع عشر أصبح مصطلح السوداوية طاغيا على الأدب، وقد تجلت لدى الأديب (شارل دورليانز). ولم تقف هذه الرؤية عند حدود الرومانسيين بل انتقلت إلى بيئة الرمزيين الذين اتخذوها عنصرا فعالا في ضبابية القصائد الرمزية.
وفي مطلع القرن العشرين دخلت السوداوية إلى الأجواء الأدبية عند كثير من الأدباء؛ لأنها تتماشى مع متغيرات الواقع الذي فرض على الشاعر أن ينكفئ إلى ذاته ويزداد عذابا وحزنا فيلجأ إلى الشعر السوداوي الذي هو تعبير عن تلك المؤثرات.
التأمل والألم عنصران مشتركان في تمظهر الرؤية السوداوية لدى كثير من الشعراء؛ فالشاعر بطبيعته ميال إلى الخيال الذي يأخذه إلى عوالم مختلفة يقف عندها متأملا كل ما يجعله مختلفا عن غيره، ولكن خياله في بعض الأحيان يصطدم بمأساة الواقع فتتولد عنده هزة ذاتية تجعله في صراع ذاتي اجتماعي، ينتهي هذا الصراع إلى شعر يحمل مظهرا سوداويا يشكل حالة عامة عند الشاعر، فلذلك يطلق عليه تسمية (شاعر سوداوي).
ويمكن بعد هذا السرد أن نقول إن الرؤية السوداوية في الشعر منحدرة من دخول الشاعر في أزمة نفسية نتيجة التمزق في البنية الاجتماعية، وهذا التمزق أسهم في خلق شعري غارق في السوداوية. 

شارك هذا الموضوع: