جيوبوليتيك العراق
م.م هاله سعد مجبل قسم الجغرافية التطبيقية\ كلية التربية للعلوم الإنسانية
Email: hala.s@uokerbala.edu.iq
يمتلك العراق موقع جيبولوتيكي متميز في منطقة الشرق الأوسط وموقعه في قلب العالم القديم بين الخليج العربي والبحر المتوسط والتي تلقي عندها القارات الثلاثة(اسيا ,اوروبا, وافريقيا) ونقطة تواصل بين الحضارات والامم والدول المختلفة والتي بلا شك تحتاج إلى التواصل بينها اقتصاديا ومنفعيا والعراق هو الطريق الأقصر لهذا التواصل ويشكل جسرا ارضيا موصلا بين طرق النقل البحرية في جنوب اسيا وطرق النقل البحرية في جنوب اوروبا، فبضائع الصين تصل عبر القناة الجافة والتي تمثل العراق حيث تصل إلى رأس الخليج العربي ثم من خلال العراق إلى تركيا ثم أوروبا(1).
وقد تجلت امتيازات العراق الجيبولوتيكية منذ القدم بسبب موقعه الجغرافي الإستراتيجي الفريد في قلب منطقة الشرق الأوسط وبخصائصه الديموغرافية ومواردها التي لا تعد ولا تحصى خاصة النفط والزراعة والصناعة والتجارة والسياحة وغيرها , فكان لذلك الموقع أثر كبير في أحواله السياسية والاقتصادية، مما جعله ممراً للأقوام الغازية أو المهاجرة، وأصبحت له أهمية دولية كمركز للحكم وأثر حاسم في النزاعات الدولية، فقد اتخذ العراق عاصمة لجميع المحتلين في السابق ,وما يتمتع به من احتياطي نقطي كبير وزيادة الطلب على الطاقة وخاصة النفط والغاز يضع الولايات المتحدة الأمريكية في حذر وترقب شديدين وخاصة بعد تنامي حجم الاقتصاد للدول المنافسة على الهيمنة العالمية ولا سيما دولة الصين التي توجهت الى العراق بشكل واضح منذ سنة (2014) للحصول على امتيازات من النفط العراقي، بالرغم من تفوق الولايات المتحدة الأمريكية في حجم الاحتياطي النفطي على منافسيها، فضلاً عن تفوقها في انخفاض نسبة الاستهلاك من هذين الموردين، غير أن مخاوفها أصبحت ملفتة النظر بعد الازمة المالية العالمية الأخيرة والتي تسببت في تدهور الاقتصاد الامريكي فكانت بمثابة نقطة مفصلية في تراجع أو صعود اقتصاديات الدول العظمى، وبالنتيجة تزايد المكانة السياسية أو تراجعها(2).
أتي سياسة الخارجية العراقية وتحركاتها في البيئة الإقليمية الجديدة التي اخذت تتشكل في جواره الجغرافي، انطلاقاً من تطورات الأحداث السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن أولويات البرنامج السياسي للحكومة العراقية التي ارتكزت على تصورات جديدة ، كانت بمثابة أساس فكري لأثبات العراق لهويته وتأكيد ذاته، وقد تسجد ذلك بإعادة انتاج العراق لعلاقاته الخارجية واستعادة دورة على الساحة الإقليمية، بعد أن خسرها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في العام (۲۰۰۳) تتمثل بتوظيف أدوات التمكين لدية بفعل موقعة الجيبولوتيكي في البحث عن تحقيق أهدافه ومصالحة الاستراتيجية (3).
وفي ضوء ما تقدم يمكن وصف السياسة الخارجية العراقية بانها مختلفة عن السابق في قدرتها على تنفيذ سياسات أكثر نشاطا وفاعلية تعكس توجهات جيبولوتيكية قائمة على قراءة للمتغيرات الإقليمية والدولية بتبني سياسة اكثر انفتاحا وتوازنا تجاه الفضاءات الجيبولوتيكية المتعددة وبالتالي فتح الطريق أمام تغيير في مسارات بناء سياسة خارجية لمرحلة جديدة في المنطقة بعيدة عن الاخفاقات والاخطاء، وينعكس ذلك في ميل السياسة الخارجية العراقية في الابتعاد عن التورط في سياسة المحاور الإقليمية والصراعات في المنطقة وبالخصوص الصراع الإيراني الأمريكي، وهو ما عكسته توجهات العراق في إبراز هويته الوطنية واستقلالية في اتخاذ قرارته الداخلية والحفاظ على تماسكه في ظل التحولات التي أبرزتها تداعيات جائحة وباء كورونا على كافة المستويات السياسة والاقتصادية والاجتماعية، ومحاولته الاستفادة من الفرص المتاحة التي توفرها البيئة الخارجية المواجهة التحديات الأمنية مع تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية والاقتصادية نتيجة تراجع وانخفاض أسعار النفط، مع رغبته بتحقيق تنمية اقتصادية.
المصادر:
(1)ظاهر عبد الزهرة الربيعي ,احمد حسن مجهول الحسناوي ,اهمية موقع العراق الجغرافي بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية ,مجلة كلية التربية للعلوم الانسانية\جامعة ذي قار ,المجلد 8,العدد 4,ص685.
(2) عباس عبد الرزاق الصباغ، العراق ومحنة الجيبولوتيك مقال منشور في الحوار المتمدن ،العدد 2665، 2009, https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid
(3) فراس عباس هاشم ، جيبولوتيكيا السياسية الخارجية العراقية رؤية في معالم التحول المركز الديمقراطي العربي, مصر ,2020 https://democraticac.de/?p