حديث مع الأستاذ الدكتور كمال مظهر احمد
” ذكريات من الماضي القريب”
أ. د. حيدر صبري شاكر الخيقاني
جامعة كربلاء- كلية التربية للعلوم الانسانية- قسم التاريخ
Haidr.s@uokerbala.edu.iq 07818109261
يعد الأستاذ الدكتور القدير كمال مظهر احمد(1937-2021) رحمه الله، من اشهر اساتذة التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب في جامعة بغداد، وكنت احد طلبته خلال السنة التحضيرية اثناء دراستي للدكتوراه في الكلية المذكورة عام 2004، وخلال مدة دراستي وتحديدا في ايلول 2007 حصلت على بعثة بحثية الى المملكة المتحدة في معهد الدراسات التاريخية Institute of Historical Research بجامعة لندن، لإنجاز اطروحتي للدكتوراه كونها عن تاريخ بريطانيا، وكان الدكتور كمال متواجد في لندن ايضا لإنجاز بعض الدراسات، وكنا نلتقي باستمرار في مبنى الارشيف الوطني البريطاني The National Archives بمنطقة كيو كاردنس Kew Gardens في لندن، وكنا نعمل في الارشيف منذ الصباح وحتى الساعة الرابعة مساءا، واحيانا نبقى اكثر من ذلك الوقت. وفي احد الايام الموافق 29 كانون الثاني 2008 دعاني الدكتور كمال على الغداء في المنزل الذي كان يقيم به قرب مبنى الارشيف الوطني البريطاني، وعندما ذهبت الى هناك وجدته بانتظاري بصحبة زوجته السيدة الفاضلة شهلاء الحيدري وقد رحب بي كثيرا، وكان الدكتور كمال مظهر، بالإضافة الى كونه مؤرخ حصيف، يتمتع بشخصية مميزة تتسم بالتواضع والبساطة والاخلاق النبيلة، والثقافة الغزيرة، فضلا عن كونه رجلا مسلما مؤمنا ايمانا راسخا بدينه. وبعد انتهاء الغداء جلسنا معا نتحدث في البداية حول الدراسات التاريخية في العراق، ودار بيننا حديث ممتع في موضوعات عدة، وطرحت عليه اثناء الحديث بعض الاسئلة عن سيرته العلمية، وقد وسع صدره للإجابة عن جميع اسئلتي، وسألته في بداية الحديث عن بداية حياته العلمية، فاخبرني انه درس في بغداد في دار المعلمين العالية (كلية التربية فيما بعد) وتخرج منها عام 1959، وكان من زملائه في الدراسة الاستاذ الدكتور هاشم صالح التكريتي، وابلغني انه يرتبط بعلاقة صداقة معه منذ خمسينات القرن المنصرم، وكان معهما في الدراسة الاستاذ الدكتور صالح العابد(1935-2006) رحمه الله، وكان الدكتور هاشم والدكتور صالح في المرحلة الثالثة آنذاك، بينما كان هو في المرحلة الاولى، وابلغني بانه حضر حفلة تخرج الدكتور هاشم والدكتور صالح عام 1957 ويذكر انه شاهد الملك فيصل الثاني يمنحهم الشهادات وكان عدد الخريجين (28) طالب فقط. واخبرني بانه كان من الطلبة المتميزين في الدراسة منذ المرحلة الاولى، ودخل “صف الشرف” مع ثلاثة من الطلبة عندما اصبح في المرحلة الثالثة، وكان صف الشرف مخصص للطلبة المتفوقين فقط ويتم تدريسهم باهتمام وعناية اكبر، وليس من السهل قبول الطلبة غير المتفوقين في ذلك الصف، حتى ان بعض زملاءه لم يستمروا معه في ذلك الصف بل اخرجوا منه بعد مدة لأنه كان يتوجب على طالب صف الشرف ان يستمر بتفوقه. وبعد ان انهى دراسته الجامعية الاولية اكمل دراسته العليا في الاتحاد السوفيتي السابق، وحصل على الدكتوراه عام 1963 من معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية، ثم عاد للدراسة مرة اخرى وحصل على شهادة دكتوراه ناؤوك من المعهد ذاته عام 1969 وكانت تلك الشهادة تعد آنذاك أعلى شهادة في الاتحاد السوفيتي. وابلغني ان الدكتور محمد محمد صالح(1925-2016) درسه في المرحلة الرابعة، ويذكر انه عندما اصبح استاذا في كلية الآداب نشر كتابا تطرق به الى سياسة الدولة العثمانية تجاه الأرمن، وطرح به بعض الآراء حول ابادة الارمن، ولكن الدكتور محمد محمد صالح عندما اطلع على الكتاب غضب وعاتبه على ذلك، الا ان الدكتور كمال قال انني اخبرته باني مستعد لمناقشة الموضوع معك وان ما تم ذكره هي الحقيقة. كما ابلغني الدكتور كمال ان هناك رسالة ماجستير في جامعة السوربون كتبت حول رايه حول سياسة الدولة العثمانية تجاه الارمن، وبين انه حيادي عند الكتابة ويكتب الحقيقة وان كانت تمسه، وضرب لي مثلا بانه عندما كان يُدّرس مادة تاريخ تركيا كان يمتدح مصطفى كمال اتاتورك على بعض الاعمال التي قام بها، وان بعض طلبته سألوه لماذا يا استاذ تمتدح بعض اعمال مصطفى كمال، على الرغم من ان هناك مواقف غير ايجابية للحكومة التركية تجاه الاكراد في عهده؟ فقال اجبتهم ان الحقائق التاريخية يجب ان تذكر، وان بعض الانجازات التي قام بها مصطفى كمال للأتراك جعلت البعض منهم يعدونه بطلا قوميا، اما وجهة نظري الشخصية بمصطفى كمال فانا اختلف معهم في ذلك. وسألته هل هذه زيارتك الاولى للملكة المتحدة؟ فقال نعم واخبرني ان النظام السابق كان يمنعه من السفر الى خارج العراق، وسمح له بالسفر مرات معدودة وبصعوبة لحضور بعض المؤتمرات العلمية خارج العراق، ومنع من اصطحاب زوجته معه، خشية من عدم رجوعه، وانه سافر مرتين الى فرنسا وحضر مؤتمر علمي في سيفر، وعلى الرغم من كثرة الدعوات التي كانت تصله من خارج العراق للمشاركة في المؤتمرات العلمية قبل عام 2003 الا انه كان يمنع من السفر. وسألته عن اذا ما كان مارس نشاط سياسي سابقا، فابلغني بانه كان في بداية شبابه عضوا في الحزب الشيوعي، وكان معجب كثيرا بأفكار ذلك الحزب، الا انه بعد حصوله على بعثة دراسية والاقامة لسنوات في الاتحاد السوفيتي اصطدم بالواقع السياسي للحزب، والاختلاف الكبير بين النظرية والتطبيق، واثناء الاجتماعات التي كان يحضرها للحزب في الاتحاد السوفيتي والتي يديرها الطلبة العراقيون هناك كان يناقش الكثير من القضايا ويطرح افكاره بها، مما اغاض المسؤولين وتم فصله من الحزب عام 1961 وكتبوا ان سبب الفصل هو “لامتلاكه افكارا برجوازية صغيرة يمكن ان تنمو” وبعد ان فصل لم يمارس أي نشاط سياسي طوال حياته، وابلغني ان بعض الافكار الاشتراكية السوفيتية جيدة، الا انها لم تطبق على ارض الواقع في الاتحاد السوفيتي كونه بلد غير قادر على استيعابها بشكل جيد في ذلك الوقت، وحتى كارل ماركس كان يتوقع ان تحدث الثورة الشيوعية في غرب اوربا، وتحديدا في بريطانيا او في المانيا او فرنسا، الا انها حدثت في روسيا، ولكن ستالين بعد ان تولى زعامة الاتحاد السوفيتي(1924-1953) خرج عن مبادئ تلك الثورة البلشفية كونه شخص يحمل عقدة الكبرياء والعظمة. وسألته عن عدم ميله للكتابة عن تاريخ الحضارات الانسانية العام، كونه يمتلك ثقافة غزيرة في التاريخ، فابلغني بانه ليس لديه الوقت الكافي لذلك. ثم نهض من مكانه وجلب لي كتاب باللغة الكردية اكثر من ثلاثمائة صفحة حول تاريخ الاكراد، وابلغني انه حاليا مشغول بكتابة الكثير من الكتب حول تاريخ الاكراد، فأبلغته ان كتابه المعنون دراسات في تاريخ ايران الحديث والمعاصر كتاب جيد، وحبذا لو كانت لديه كتب منهجية على شاكلته في مواضيع اخرى في السنوات القادمة فاخبرني بانه لا يميل في الوقت الحالي الى تأليف الكتب المنهجية، وانه مهتم حاليا بكتابة تاريخ الاكراد الذي كان مهملا، وانه عندما كان في الاتحاد السوفيتي في بداية بعثته كان يميل لدراسة التاريخ القديم، وانه كان متأثرا بأفكار الآثاري والمؤرخ العراقي طه باقر(1912-1984) رحمه الله، الذي ابدع في كتاباته عن تاريخ الحضارات القديمة على الرغم من عدم حصوله على شهادة الدكتوراه. وسألته عن علاقته ببعض المؤرخين مثل المؤرخ عباس العزاوي(1890-1971) رحمه الله، فقال انه كان معجب بكتاباته، وعلى الرغم من كونه محامي فانه كرس نفسه لكتابة تاريخ العراق في العهد العثماني. وابلغني انه عندما عاد الى بغداد بعد انتهاء دراسته في الاتحاد السوفيتي التقى به وكان عباس العزاوي يرتاد احد المقاهي القريبة من سينما السندباد في ذلك الوقت والتقى به في ذلك المقهى، وتعرف به واصبحت علاقته به جيدة بمرور الوقت. وسألته عن علاقته مع المؤرخ عبد الرزاق الحسني(1903-1977) رحمه الله، فاخبرني ان له علاقة وطيدة جدا به، وكان يزوره الى منزله ويتناقش معه حول بعض القضايا التاريخية، وسألته عن تقيمه للأستاذ الدكتور علاء جاسم الحربي الذي كان من الاساتذة المتميزين في اختصاص تاريخ العراق الحديث والمعاصر في الجامعة المستنصرية، وله مؤلفات عدة في اختصاصه، فامتدحه وابلغني انه باحث ممتاز وان دكتور علاء كان احد طلبته الذين درسهم في كلية الآداب بجامعة بغداد، كما سألته عن الاستاذ علي حيدر سليمان(1905-1991) رحمه الله، فاخبرني بانه يعرفه ايضا وانه اشتهر بكتابه الموسوم تاريخ الحضارة الاوربية، الذي كان يدرس في وقتها لطلبة الصف الثالث متوسط. ثم سألته عن رايه بشخصية ادولف هتلر؟ فقال انه دمر بلاده لأنه كان يمتلك الكبرياء وحب العظمة التي لا تخضع للواقع، وسألته هل تتفق معي على ان الصعوبات التي تواجه الباحثين بشكل عام في البلاد العربية كبيرة جدا من حيث الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على عكس ما متوفر للباحثين في الدول الاوربية من ظروف جيدة؟ فأجاب نعم اتفق معك في ذلك وان مهمة الباحث في بلداننا ليست بالسهلة ابدا. وانتهى حديثي الشيق مع الاستاذ الدكتور كمال مظهر، وابلغته ان الحديث الذي دار بيننا سوف انشره يوما ما اذا لم يكن لديه مانع من ذلك، فابلغني ان لا مانع لديه ابدا من ذلك، وودعته وغادرت الى مقر سكني. وبعد انتهاء مدة البعثة عدت الى العراق وعاد الدكتور كمال بعد فترة ايضا، وناقشت اطروحتي للدكتوراه عام 2009، واستقر الدكتور كمال في اربيل، وبعد حوالي خمس سنوات من ذلك وفي احدى زيارتي الى مدينة اربيل، لمعالجة والدي هناك، علم الدكتور كمال بوجودي في مدينة اربيل، واتصل بي وعرف مني مكان اقامتي في احد الفنادق بوسط اربيل، وحضر بصحبة زوجته السيدة الفاضلة شهلاء الحيدري، على الرغم من تدهور صحته، وقدم لي علبة من الحلويات هدية بمناسبة سلامة والدي من العملية التي تم اجرائها له، وجلسنا معا حوالي ساعتين ثم ودعني وغادر، وبعد سنوات على ذلك اخذت حالته الصحية بالتدهور وغادر الى المانيا للعلاج هناك، وفي 16 اذار 2021 توفى الاستاذ الدكتور كمال مظهر وانتقلت روحه الطاهرة الى جوار ربها، وشعرت بالحزن الشديد عليه. وفي الختام لا يسعني الا ان ادعوا من العلي القدير ان يرحم الاستاذ القدير الدكتور كمال مظهر احمد برحمته الواسعة، وان يدخله فسيح جناته. كما ادعوا من العلي القدير ان يمن بالرحمة والمغفرة على جميع المؤرخين والاساتذة الافاضل الذين تم ذكرهم.