حروفنا العربية في التارتاروس
في الميثولوجيا اليونانية ذكر التارتاروس على أنَّها حفر ملتهبة في جحيم العالم السفلي، بيد أن للميثولوجيا واقعٌ لا مفر منه في العصر الحديث عبر الترميز الرقمي للتواصل الاجتماعي، ممَّا يُثقل حروف اللغة العربية بأصفادٍ في تارتاروس لغةٍ أخرى لا تمتُّ لها بصلة إلَّا في اسمها ومشتركاتها العامة، كيف ؟
في ضوء تحدِّيات العصر الراهنة والخاضعة للاتصال الالكتروني باتت الطرق الشائعة للترجمة عبر اللغات هي العمود الفقري للتواصل الأممي، بدءاً من الترجمة الحرفية (Transliteration) والترجمة الصوتية (Transcription) وصولاً إلى النظام الدولي للترجمة (ISO)، فتفرَّع ذلك إلى: نظام (DMA) المستعمل في الترجمات الرسمية، ونظام (Hans Wehr) المستعمل في الترجمة الأكاديمية ونظام (ISO233) وهو النظام الدولي الموحَّد الذي سبق ذكره .
وقد أشيع في الآونة الأخيرة نظام ترميز جديد يستعمل الأرقام بدلاً من الحروف، يسمى هذا النظام بالنظام العشري (ASCII)، فباتت حروفنا العربية ترزأ تحت وطأة هذا النظام الأنكليزي على الرغم من إعطاء أعذارٍ واهنة ترتجف كغصنٍ هزيل أمام سيل اللغة العربية وجمالياتها، إذ ظهر هذا النظام العشري في منصات التواصل الاجتماعي والرسائل النصيَّة (SMS) وغيرها.
إنَّ عملية تحويل الحروف العربية إلى حروف أنكليزية قد جعل من لغتنا أسيرة للغزو الثقافي الغربي، ليس على صعيد الحروف فحسب بل سرقة كل امكانات اللغة وجمالياتها وتصاريفها ففقدت بذلك رونقها ووجهها الوهَّاج وأضحت مجرد طلاسم خاوية، فاقدة الإحساس بالحركات الاعرابية التي تمثل سمة مهمَّة من سمات لغتنا العربية الجميلة.
فتأمَّل – عزيزي القارئ- هذا النص:
M6rn yuhams ahul zujaj wa yn3ny   hl sar jasosn zujajn mrhfo
فهل هذه لغةٌ جديدة؟ وهل يدور في ذهنك أنَّه بيتٌ شعري:
مَطَرٌ يُهامِسهُ الزُّجاجُ ويَنثَني    هَل صارَ جاسوساً زُجاجٌ مُرهفُ؟
وإليكَ الترميز الرقمي المقابل للحروف العربية:
أ=2 ،ب=b، ت=t، ث=3، ج=j، ح=7، خ=5، د=d، ذ=3، ر=r، ز=z، س=s، ش=4، ص=s، ض=9، ط=6، ظ=9، ع=3، غ=gh، ف=f، ق=q، ك=k، ل=l، م=m، ن=n، ه=h، و=w o، ي= y e.
يلحظ في هذا النظام تكرار بعض الحروف الانكليزية أمام الحروف العربية فضلاً عن استعمال الأرقام بدلاً من الحروف الأخرى، وممَّا يؤسف له أنَّ هذا النظام قد بات منتشراً في الأوساط العربية وليس على صعيد دول الغرب، فإذا أراد أحدهم التحية فيكتب:2lsalam 3lekom بدلاً من استعماله للحروف العربية الفصحى (السلام عليكم).
ناهيك عن حروف اللغة العربية الأخرى مثل: ء أ=2، ئ=2a، ؤ=2u، إ=2i، ة=9، فيكون الرقم (9) يمثل الحروف (ض،ظ، ة) وهذه طامة كبرى في امتزاج الحروف وعدم الفصل بينهما، أما الحركات الاعرابية فلا وجود لها في هذا الترميز المجحف لحروفنا العربية.
بقي أن نعلم أنَّ استعمالات الترميز الرقمي ينبغي حصرها في مجالات الحواسيب والبرمجيات لمعرفة الحاسوب رمز الحروف العربية، وعدم استعماله في مجال التواصل الاجتماعي والبريد الالكتروني وما شاكل ذلك.

شارك هذا الموضوع: