حزب الويغ الأمريكي
دراسة تاريخية
الاوضاع الاوربية وتاثيرها على امريكا:
الأوضاع السياسية المضطربة في أوروبا منذ منتصف القرن الخامس عشر دفعت بسبب التنافس الشديد بين ملوك أوروبا على توسيع نفوذهم السياسي والاقتصادي. كانوا يسعون لتوفير الموارد اللازمة لديمومة التفوق السياسي للدول القومية، خاصة بعد اكتشاف الطرق البحرية الجديدة وتنامي التجارة عبر المحيط الأطلسي. ونتيجة لذلك، تشجعت حركة الاستكشافات الجغرافية خارج حدود القارة الأوروبية ونشأت الأنشطة الاستعمارية في العالم الجديد. عمل الملوك على تشجيع الهجرة إلى المناطق المكتشفة وتمويلها، وتعاونت عوامل متعددة في دفع حركة الهجرة وتعزيزها، بما في ذلك الضيق الاقتصادي والاستبداد السياسي والاضطهاد الديني، كما شجع القضاة والمسؤولون عن السجون المدانين على الهجرة إلى العالم الجديد بدلاً من قضاء مدة عقوبتهم في السجون. ( 1)
صحيح، الأسبان والبرتغاليون والفرنسيون والهولنديون والسويديون كانوا من بين الأمم التي سبقت في استكشاف وتأسيس المستعمرات في العالم الجديد. وعلى الرغم من ذلك، لم ينقلوا معهم فكرًا سياسيًا جديدًا، بل اكتفوا بتطبيق نماذج الحكم التي كانت تسود في بلدانهم، والتي كانت في كثير من الأحيان مبنية على نظرية الحق الإلهي المطلق. في هذا النمط من الحكم، يُعتبر الحاكم أو الأمير أو الملك محمولاً على ولايته من قِبل الله، وبالتالي يتمتع بسلطة غير مقيدة. ولم يكن هناك تفكير سياسي جديد يتناول القضايا الاجتماعية والسياسية في المستعمرات الجديدة بشكل مبتكر أو يسعى إلى تطوير نظام سياسي جديد يأخذ في الاعتبار حقوق الأفراد والتمثيل الديمقراطي.( 2)
صحيح، الأسبان عملوا على نقل حضارتهم وثقافتهم إلى المستعمرات الجديدة التي خضعوها لنظام حكم يقوم على سيطرة مجموعة من العسكريين والتجار المخاطرين الذين يتميزون بالقوة والسلب والنهب، وأنشأ ملكا إسبانيا فرديناند(1442 – 1516) وايزابيلا (1451- 1504) صاحبي السلطة العليا المطلقة مجلسه خاصه في إسبانيا سمي بمجلس جزر الهند ومجلساً آخر في المستعمرات مكونا من نائبين إحداهما في بيرو والآخر في المكسيك لتعيين الموظفين وإدارة المستعمرات بإشرافهم المباشر فرنسيون الذين استوطنوا سواحل كندا منذ العام 1504 فقد أنشأوا معماريه لإدارة الاستيطان والاستقرار في العالم الجديد وعملوا على تسخير الجمعيات التبشيرية اليسوعية لنشر النصرانية الكاثوليكية هناك غير ان نظام الحكم في مستعمراتهم، ومع ذلك، لم يساعد نظام الحكم المباشر وعدم اتباع مبادئ الحرية على نمو تلك المستعمرات، بل عرقل تطورها.( 3)
وكانت الحالة مشابهة للهولنديين والسويديين، حيث أنشأوا نظام استعماري يقوم على حقهم في استكشاف العالم الجديد مع إعطاء حقوق للهنود الحمر بالإقامة في أماكنهم. ومع ذلك، لم يتمكنوا من تحقيق ما كانوا يأملون فيه من الحرية السياسية والدينية، وكانت لديهم رغبة في التخلص من الاضطهاد الديني والسياسي في بلدانهم الأم.( 4)
وعلى الرغم من تأخر الإنجليز في الوصول إلى العالم الجديد مقارنة بغيرهم من المهاجرين الأوروبيين، بسبب انشغال ملوك تيودور في تثبيت حكمهم على العرش وتركيز السلطة بيد الملك، إلا أنهم تمكنوا من كسر الصراع مع الإسبان والسيطرة على المستعمرات في العالم الجديد، لا سيما بعد انتصارهم في معركة الأرمادا الشهيرة عام 1588. وقد أنهت هذه المعركة عهد التفوق البحري الإسباني وأثبتت أفكارًا سياسية لم يتمكنوا من تحقيقها في وطنهم الأم. هذه الأفكار تتمثل في إصلاح الكنيسة الانجليكانية وإقامة النظم الليبرالية الديمقراطية.(5 )
يُعتبر التغيُّر الاجتماعي والاقتصادي والفكري والسياسي الذي شهدته إنجلترا في عهدي أسرتي تيودور وستيوارت ناتجًا عن الجهد الكبير الذي بُذل في مجال فصل الكنيسة الإنجليزية عن الكنيسة الرومانية، ومن الثورة الدستورية التي نجم عنها دافعًا كبيرًا للقيام برحلات استكشافية متتالية لاستعمار المناطق التي لم يصلوا إليها في العالم الجديد. أُنشئت أولى الجامعات الإنجليزية التي رحَّبت بالمضطهدين دينيًا، مثل جامعة الكاثوليك، لأنهم لم يعتنقوا المذهب الإنجليكاني، وكذلك جماعة البيوريتان المضطهدين أيضًا. ووجدت هذه الجامعات أن السبيل الوحيد للتخلص من التهديد الديني الذي حل بهم في إنجلترا هو الرحيل والهجرة إلى العالم الجديد.( 6)
مع وصول الملكة اليزابيث الأولى عام 1558، شهدت إنجلترا توجُّهًا نحو إنشاء كنيسة انجليكانية قوية، ووضع الملوك بعدها تحت حكم الاستبداد المطلق، حيث وضعوا جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في أيديهم. وعلى الرغم من ذلك، لم يتمكنوا من إلغاء البرلمان، بل عملوا على السيطرة الكاملة عليه أو تعطيل أعماله عندما كانت قراراته لا تتماشى مع مصالحهم.( 7)
نتيجة الصراع بين الملك والبرلمان ظهرت معارضة سياسية تستند عملياً إلى المعارضة الدينية، حيث ظهرت معسكرات متواجهة ومتعارضة. في المعسكر الأول، يقف ملوك إنجلترا الذين يعتبرون أنفسهم زعماء الكنيسة الانجليكانية التي تدعم الكاثوليكية، بينما في المعسكر الثاني، يقف البرلمانيون الذين كانوا يخشون تحول بلادهم إلى الانكلو-كاثوليكية. وعلى رأس هذا المعسكر الثاني، حزب الويغ الذي يضم أفراداً من الأسر الاستقرارية وسكان المدن والموالي والتجار والصناع، بالإضافة إلى المنشقين البيوريتان والمستقلين والأجانب الفرنسيين من أتباع الكالفينية. كان العداء للكاثوليكية والانجليكانية هو ما جمعهم جميعًا، وبما أن الأمن والسلام الداخلي هما أساس الازدهار الصناعي والتجاري، فقد كان حزب الويغ يرغب في حرية أكبر وضمانات ضد استبداد الحكام، وظهر نوابه المدافعون عن امتيازات الشعب وحقوقه. أما على الطرف الآخر، فقد اعتمد ملوك إنجلترا في صراعهم داخل البرلمان على حزب التوري، الذي يضم كبار ملاك الأراضي والانجليكان الذين يدافعون عن امتيازات الملكية ويؤيدون تقوية السلطة الملكية.( 8)
بعد وصول الملك جيمس الأول إلى العرش، سعى إلى تعزيز الحكم الملكي المطلق واستخدام كل الوسائل الممكنة لتصفية المعارضة. هذا السلوك دفع البيوريتان إلى اللجوء إما إلى سويسرا وألمانيا، حيث نمت مذاهبهم بفعل احتكاكها بالحركات البروتستانتية هناك، أو الهجرة إلى هولندا لتفادي الاعتقال. استقر معظمهم منذ مطلع العام 1609 في مدينة ليدن الهولندية. وبدأ القلق ينمو بين هؤلاء المهاجرين من أن يصبح أولادهم هولنديين أكثر من كونهم إنجليزا، بالإضافة إلى أنهم بصفتهم أجانب لم يكن بإمكانهم شراء الأراضي أو ممارسة حرفة ماهرة. هذا الوضع دفعهم نحو التفكير في الهجرة إلى العالم الجديد.( 9)
عندما تولى الملك شارل الأول العرش، عمل على تعزيز السلطات المطلقة، ولكن واجه معارضة من البرلمان. في عام 1628، قرر أعضاء البرلمان إعداد وثيقة تاريخية أسموها “ملتمس الحقوق”، والتي تعتبر واحدة من أهم الوثائق التاريخية في تأسيس سلطة الشعب لمواجهة استبداد الملكية في إنجلترا. هذا الصراع أدى في النهاية إلى اندلاع الثورة الإنجليزية الأولى عام 1638، بعدما قرر الملك حل البرلمان وحكم البلاد بشكل استبدادي لمدة عشر سنوات حتى عام 1639.
تقوم أفكار جون لوك التي نشرها في الفترة بين عامي 1680 و1683، وهو رائد الفكر الإنجليزي الحر الذي قاد الثورة الإنجليزية المجيدة عام 1688، ببناء أسس للملكية الدستورية والليبرالية الاقتصادية في إنجلترا. هذه الأفكار ساعدت في وضع الأسس لعهد جديد يقوم على وثيقة الحقوق التي وافق عليها الملك ويليام أوف أورنج أمام البرلمان في الثالث عشر من فبراير عام 1689. وثيقة الحقوق تعتبر عقدًا بين البرلمان والملك الجديد، حيث تنص على أن الشعب الإنجليزي موجود وممثل في البرلمان، ووجوده لا يعود إلى لطف الملك، وأن الشعب يختار ممثليه الذين يمثلونه في البرلمان. الأمر الذي جعل هذه الوثيقة تشبه دستورًا جديدًا لإنجلترا، وقد احترمها الملك كما لو كانت دستورًا جديدًا في البلاد.( 10)
بفضل هذه الأفكار والمبادئ، أصبحت المملكة المتحدة في عيون العالم المتقدم رمزًا للتقدم والاعتزاز بالحكم الدستوري. تعكس تجاربها وتاريخها الديمقراطي تطورًا مهمًا في فهم الديمقراطية وتطبيقها على نطاق واسع. تعزز الثورة المجيدة مكانة الشعب الإنجليزي كقوة ديمقراطية متقدمة، وتُعتبر إنجلترا نموذجًا للحكم الدستوري والحكم الديمقراطي في العالم.( 11)
ممكن القول ان التراث الفكري الانجليزي بما انطوى عليه من افكار سياسيه شكل دافعا قويا للمهاجرين الى العالم الجديد لترجمته الى واقع سياسي في المستعمرات التي كانوا ينشؤونها في امريكا منذ مطلع القرن السابع عشر وحتى استقلالهم عن الحكم البريطاني في عام 1776 فقد كان المهاجرون يحملون معهم اينما ذهبوا من الناحيه النظريه حقوق المواطنين الانجليزي الاحرار المولد وتراثهم في الصراع من اجل الحريه وتاكد هذا في اول التربيه الدينيه الملك لاستعمار فرجينيا.( 12)
ونعم بالفعل التراث الفكري الإنجليزي له دور كبير في تشكيل الواقع السياسي في المستعمرات الأمريكية. فقد جذبت الأفكار السياسية الإنجليزية، التي تركزت على حقوق المواطنين الحرة ومفهوم الحرية، المهاجرين إلى العالم الجديد. ومنذ بداية القرن السابع عشر وحتى استقلال الولايات المتحدة عن الحكم البريطاني في عام 1776، حمل المهاجرون معهم تلك الأفكار والقيم الإنجليزية.
يمكن رؤية تأكيد هذا التراث الإنجليزي في النهج الأولي للتعليم والتربية في المستعمرات، مثل استعمار فرجينيا. كانت تلك التربية تسعى إلى تعزيز القيم الإنجليزية للحرية والعدالة، وكذلك لتعزيز فهم المواطنية النشأت من تلك الأفكار السياسية.
باعتبارها جزءًا من التراث السياسي الإنجليزي، كانت هذه الأفكار تشكل دافعًا قويًا للمهاجرين لبناء مستقبل جديد في الأراضي الأمريكية، حيث يمكن ترجمة هذه القيم والمبادئ إلى نظام سياسي يعكس الحرية والعدالة وحقوق المواطنين.(13 )
بحلول عام 1700، تبلور نظام عام للحكم في المستعمرات الإنجليزية في أمريكا، حيث كانت تتميز المستعمرات بسمات مختلفة من النظام الحاكم:
المستعمرات الملكية: كانت تُعين حكامها مباشرة من قبل الملك، مثل مستعمرات نيويورك وفيرجينيا وكارولينا الشمالية والجنوبية.
المستعمرات المملوكة للشركات: كانت الشركات تُعين حكامها وتدير شؤونها الحكومية، مثل مستعمرات ماريلاند.
المستعمرات شبه المستقلة: كانت هذه المستعمرات تتمتع بنظام حكم ذاتي، حيث يتم انتخاب الحكام والمجالس التشريعية بشكل حر، ولا يتم تعيينهم من قبل الحاكم الإنجليزي. على سبيل المثال، مستعمرة رود آيلاند كان لديها تشريعي يتكون من الأمريكيين الذين يصوتون على القوانين ويحددون الإنفاق المالي ويفرضون الضرائب. وكانت سلطة المجلس التشريعي متمثلة في قدرته على تمثيل الرأي العام والسيطرة على الخزانة.
هذه التنوعات في نظام الحكم تعكس تطور العلاقة بين المستعمرات والحكومة الإنجليزية، وكانت أحد العوامل التي أدت في النهاية إلى الصراع الثوري واستقلال الولايات المتحدة.( )
النظام النيابي الذي تبلور في المستعمرات الأمريكية كان يتميز بثلاث خصائص أساسية:
القيمة العالية للوثائق المكتوبة: كانت هذه المستعمرات تضع قيمة عالية على الوثائق المكتوبة التي منحتهم حريتهم في العالم الجديد. على الرغم من عدم وجود دستور إنجليزي مكتوب، إلا أنهم قدسوا وثائق التفويض التي منحت لهم لإنشاء المستعمرات ووضع اللوائح والقوانين والدساتير التي سمحت لهم بحكم أنفسهم.
الدفاع عن الحقوق والحريات: كان المجلس النيابي المكون من المهاجرين يعمل كمنبر يدافع فيه عن حقوقهم وحرياتهم ضد الحكومة. يقف المجلس دائمًا في الدفاع عن حقوق الكنيسة ومصالح الإمبراطورية، بينما يزود المجلس النيابي بالحماية والدعم لحقوق الشعب ومصالحه. كما كان يشكل وسيلة رقابية على سلطة الحكام، خاصة من خلال الاشراف على الإنفاق المالي وفرض الضرائب.
هذه الخصائص أسهمت في تطور الديمقراطية في المستعمرات الأمريكية وتمثيل الشعب، وكانت أحد العوامل التي أدت في النهاية إلى الاستقلال عن الحكم البريطاني وتأسيس الولايات المتحدة الأمريكية.( )
تصاعدت روح الاعتداد بالنفس لدى الأمريكيين بشكل ملحوظ نتيجة للنزاع المستمر مع الحكام الإنجليز، الذين كانوا يحاولون تقييد سلطة المجالس النيابية وتعزيز سلطات المجالس التنفيذية. بالإضافة إلى ذلك، كانت محاولات الحكومة البريطانية فرض الضرائب على سكان المستعمرات الأمريكية دون موافقة المجالس التشريعية تثير استياء السكان وتعزز اندماجهم في فكرة الوطنية الأمريكية، وفي هذا السياق، نمت الأفكار التي عبر عنها جان جاك روسو في عام 1778 حول العقد الاجتماعي لتجد صدى لها بين الأمريكيين، حيث بدأوا يستشعرون هويتهم الوطنية الأمريكية بدلاً من الولاء للتاج البريطاني أو الكنيسة وفصائلها. هذا الشعور بالهوية الوطنية الأمريكية ساهم في تعزيز الوحدة بين السكان وتوحيد جهودهم في مواجهة التحديات التي واجهوها مع الحكومة البريطانية، وأسهم في نضوج الفكر الاستقلالي الذي أدى في النهاية إلى إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية.( )
شعر سكان المستعمرات البريطانية بالاستهانة التي تبديها الملكية والحكومة البريطانية تجاه حقوقهم التشريعية، حيث استمرت معاناتهم طويلاً في سعيهم للحصول على حقوقهم من خلال إقرار قوانين تمثل مجالسهم التشريعية في فرض الضرائب أو رفض الاستبداد. بسبب هذه الحالة، شعروا بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، مقارنة بالبريطانيين الذين يعيشون في بريطانيا، الذين يعتبرون أفضل منهم، في مؤتمر عقده مجلس التشريعي لولاية ماساتشوستس في نيويورك في الأول من أكتوبر عام 1765، تبنوا شعارًا يرفع لأول مرة في المستعمرات، وهو عبارة عن أحد أشهر أقوال جون لوك: “لا ضريبة بدون تمثيل”، وأصبحت هذه العبارة شعاراً يجسد استياء السكان من فرض الضرائب عليهم دون موافقتهم عليها، مما يعبر عن مفهوم أساسي لحقوق المواطنين في المشاركة في صناعة القرار وفق مبادئ الديمقراطية.( )
مؤتمر قانون الدمغة كان الأول من نوعه الذي عقد بناءً على رغبة أبناء المستعمرات، وشكل نقطة تحولية هامة في العلاقة مع الوطن الأم. أظهرت قراراته الوسطية نضجًا سياسيًا في التعامل مع الحكومة البريطانية. رغم اختلافاتها، كان بإمكان عمارات البرلمان البريطاني أن تتحد لمواجهة خطرًا مشتركًا، خاصة بعد ظهور فريق من الساسة الذين يرون أن هذه المستعمرات ليست لها حق في التصرف بشؤونها الداخلية أو تحديد مصيرها، بل هي جزء من بريطانيا نفسها، وينبغي منحها نصيبًا أوفر من الحرية في إدارة شؤونها الداخلية. كان أعضاء حزب الويغ في البرلمان البريطاني يرون أن هذه المستعمرات لها حقوقها وحريتها، بينما رأى نواب حزب التوري أن الحكومة ينبغي عليها استخدام كل الوسائل المتاحة، بما في ذلك القوة، لتحميل المستعمرات جزءًا من نفقات الحكومة.( )
انعكس الانقسام بين زعماء الأحرار – الويغ – وبين المحافظين – التوري – على سكان المستعمرات البريطانية نفسها، حيث أثر الصراع بينهما وبين الحكومة البريطانية على الأحداث السياسية التي شهدتها المستعمرات في صراعها مع وطنها الأم. لعب طيفان من السياسيين دورًا هامًا في هذه الأحداث، حيث كان ظهورهما انعكاسًا حقيقيًا للأوضاع السياسية السائدة داخل الحكومة البريطانية.( )
التيار الأول يُسمى المحافظون (Tory)، وقد لُقبوا بالموالين نتيجةً لمناصرتهم وولائهم للتاج البريطاني. كانوا في الغالب يشملون المالكين الأثرياء وأصحاب الأراضي والتجار وأصحاب المهن. كان مركز نشاطهم في مدينة نيويورك، حيث شكلوا نسبةً تقدر بحوالي 30% من سكانها البالغ عددهم 200 ألف نسمة في عام 1774.( )
كان أنصار هذا التيار يرغبون في الإبقاء على المستعمرات ضمن الإمبراطورية البريطانية، مفضلين ذلك على أن تكون تحت إدارة جماعات تتسم بالجهل وتنتهك الحقوق الملكية. ساعدهم في ذلك وجود شريحة واسعة من أبناء المستعمرات الذين لا يميلون إلى الانفصال عن الوطن الأم، ويميلون بدلاً من ذلك إلى المحافظة على العلاقات القائمة مع الإمبراطورية البريطانية.( )
التيار الثاني، الذي سمي بالأحرار “Whigs”، كان يضم مزيجًا واسعًا من المدافعين عن السلطة النيابية للمستعمرات والرافضين لأي تدخل من الحكومة البريطانية في شؤونها، بالإضافة إلى المدافعين عن حقوقهم وحرياتهم الشخصية، ومن بينهم البيوريتانز الذين كانوا يسعون لطرد البريطانيين ومواليهم من المستعمرات.( )
هذا التيار نشأ نتيجة الكراهية المتزايدة للسياسة البريطانية، ووصلت ذروتها عندما قرر مؤيدو هذا التيار الانفصال عن الوطن الأم. بدأوا بسلسلة من الاحتجاجات والإجراءات، بدءًا من التظاهر وتدمير التواضع لرموز الحكومة البريطانية وحتى إلغاء قانون الدمغة، ثم تحولت إلى مقاطعة اقتصادية تولاها التجار بدعم من المجالس التشريعية. وانتقلت في مرحلتها الثالثة إلى تشكيل اللجان المحلية الوطنية للتواصل بين المستعمرات، وقد تم تأسيس الهيئات التشريعية الثورية أو المؤتمرات، كما اقترح مجلس التشريعي لمستعمرة فرجينيا عقد مؤتمر في مدينة فيلادلفيا في بنسلفانيا في الخامس عشر من سبتمبر عام 1774، وأطلق عليه اسم “المؤتمر القاري الأول”.( )
النظام الحزبي الثاني:
بدأت ملامح النظام الحزبي الثاني في الولايات المتحدة تظهر مباشرة بعد انتهاء ولاية الرئيس جيمس مونرو، وهو ما تزامن مع فترة من التراجع في الأنشطة الحزبية. أدى ذلك إلى انقسام الحزب الديمقراطي الجمهوري، الذي كان قد هيمن على الساحة السياسية في ذلك الوقت، بسبب عدة عوامل. من أبرز هذه العوامل كان الانقسام حول قضية الرق، بالإضافة إلى التوترات بين الشمال والجنوب، حيث كانت مصالح كل منهما تتباين بشكل كبير. كما استمرت الخلافات بشأن القضايا السياسية والاقتصادية الكبرى، مثل الرسوم الجمركية، وتقوية الحكومة الفيدرالية، والموقف من السلطة القضائية، بالإضافة إلى كيفية تمويل مشاريع البنية التحتية الداخلية. هذا الانقسام الداخلي ساهم في تشكيل النظام الحزبي الثاني الذي سيهيمن على الحياة السياسية الأمريكية خلال العقود التالية.( )
انشق الحزب الجمهوري الديمقراطي نتيجة سلسلة من الخلافات التي بدأت تظهر قبل فترة طويلة من انقسامه. كان من بين أبرز هذه الخلافات معارضة سياسات الرئيس توماس جيفرسون، التي قادها جون راندولف، وهو أحد الشخصيات البارزة من ولاية ماساتشوستس، حيث شن هجومًا على سياسات جيفرسون تحت اسم “الكوا خلصت الكوايدس”. بالإضافة إلى ذلك، كان أرون بير، نائب الرئيس في عهد جيفرسون، أحد القادة الذين شعروا بالإحباط من رفض الحزب الديمقراطي الجمهوري ترشيحه لانتخابات 1804، فبدأ التفكير في تشكيل اتحاد منفصل مع ولايات شمالية مثل نيويورك ونيوجيرسي. لكن هذا المخطط انفجر بعد تدخل ألكسندر هاملتون، الذي نجح في إحباط هذه الخطط، مما ساهم في توجيه البوصلة السياسية في ذلك الوقت نحو مزيد من الانقسام داخل الحزب.
في عام 1820، بدأ يظهر التوتر بين أعضاء الحزب الديمقراطي الجمهوري حول مسألة العبودية، وهو ما شكل نقطة اختلاف هامة في السياسة الأمريكية. هذه الخلافات تبلورت بشكل واضح خلال انتخابات الرئاسة لعام 1824، حينما فشل الحزب الديمقراطي الجمهوري في الاتفاق على مرشح موحد للرئاسة. وكانت المنافسة شديدة بين أربعة مرشحين يمثلون تيارات سياسية مختلفة: أندرو جاكسون من ولاية تينيسي، وويليام كراوفورد من فرجينيا، وجون كوينسي آدامز من ماساتشوستس، وهنري كلاي من كنتاكي.
كانت تلك الانتخابات علامة فارقة حيث عكست انقسام الحزب الجمهوري الديمقراطي في مسائل جوهرية، مثل قضية العبودية وتوزيع السلطة بين الولايات والحكومة الفيدرالية.
في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 1824، فاز جون كوينسي آدامز بالرئاسة بفضل تصويت مجلس النواب بعد أن قدم هنري كلاي دعمه له، رغم أن أندرو جاكسون كان قد حصل على أكبر عدد من الأصوات الشعبية. هذا التحول أثار مشاعر الغضب بين مؤيدي جاكسون، الذين شعروا أن الآلية الديمقراطية لم تحترم إرادة الشعب. ومن هنا، تشكلت تحالفات جديدة بين مؤيدي جاكسون وويليام كراوفورد في محاولة لمعارضة حكومة آدامز المدعومة من كلاي، ليبدأ بذلك الانقسام السياسي الذي أسفر عن تشكيل حزبين سياسيين: الحزب الديمقراطي بقيادة جاكسون (الذي أصبح يعرف بالحزب الديمقراطي الجاكسوني)، والحزب الوطني الجمهوري الذي قاده كلاي.
هذا التحول في النظام الحزبي في الولايات المتحدة شكّل بداية لحرب سياسية كبيرة بين الحزبين الرئيسيين في تلك الفترة، وأسهم في تشكيل ديناميكيات السياسة الأمريكية التي ستستمر حتى القرن التالي.
في انتخابات 1828، فاز أندرو جاكسون مرشح الحزب الديمقراطي على جون كوينسي آدامز مرشح الحزب الوطني الجمهوري، وهو انتصار تاريخي شكّل تحولًا في السياسة الأمريكية. خلال فترة ولايته، تمكن الحزب الديمقراطي بقيادة جاكسون من توسيع قاعدة الناخبين بشكل كبير، حيث تم تمكين جميع الذكور البيض الذين بلغوا 21 عامًا من ممارسة حق الاقتراع، بغض النظر عن ملكيتهم للأراضي. هذه السياسة ساهمت في زيادة شعبيته، وخاصة بعدما تم تبني نظام المؤتمرات القومية لاختيار المرشحين الرئاسيين بدلاً من الاجتماعات المغلقة بين ممثلي الحزب في الكونغرس.
كما تمكن الحزب الديمقراطي من استقطاب دعم شرائح واسعة من المجتمع، بما في ذلك صغار المزارعين والكاثوليك والمهاجرين الجدد، مما ساعده في توسيع قاعدة الدعم في الغرب والجنوب. وبفضل هذه التحولات، فاز جاكسون بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية لعام 1832، مما عزز من قوة الحزب الديمقراطي الذي أصبح يُعتبر حزب “الناس” في تلك الفترة
في انتخابات عام 1828، كان الترشح للرئاسة يُنظر إليه بشكل كبير من منظور إقليمي، حيث جاء مرشح الحزب الديمقراطي من الولايات التي تسمح بالرق، في حين كان مرشح الحزب الوطني الجمهوري من الولايات المناهضة له. ومع أن الدستور الأمريكي في ذلك الوقت لم يكن يجيز للسود المشاركة في الاقتراع، فإن الولايات الجنوبية، التي كان فيها قاعدة شعبية قوية تدعم نظام الرق، كانت تساند الحزب الديمقراطي، مما ساعد في فوزه الساحق في الانتخابات الرئاسية لعدة سنوات.
بحلول انتخابات 1832، تمكن الحزب الديمقراطي من إعادة انتخاب أندرو جاكسون لولاية ثانية، وذلك بفضل جهود الحزب التنظيمية والشعبية. لكن بعد هذه الفترة، سعى جاكسون إلى تعزيز سلطته التنفيذية، ورفض عدة تشريعات أقرها الكونغرس، مما أدى إلى ظهور معارضين جدد. وقد نتج عن هذا الوضع تحالف جديد في عام 1834 بين الحزب الوطني الجمهوري والحزب المناهض للماسونية، مما أشار إلى بوادر الانقسام السياسي الذي كان يشهده الحزب الوطني الجمهوري في تلك الفترة
تميزت الفترة من تاريخ الأحزاب السياسية الأمريكية بتقلبات سريعة في المواقف السياسية، حيث كان هناك تحول دائم بين مؤيد ومعارض لعدة قضايا سياسية، وذلك تبعًا للمصالح الشخصية والاعتبارات السياسية. كان من الواضح أن الأهداف الشخصية، مثل الوصول إلى السلطة والمصالح التجارية، كانت تلعب دورًا كبيرًا في هذه التغيرات السياسية. وكانت قضية الرق أحد أبرز المواضيع التي شهدت تباينًا في المواقف، حيث تبادل بعض الأحزاب المواقف من معارضتها إلى تأييدها حسب مصالحهم.
وبالنسبة للحزب الوطني الجمهوري، الذي كان يعاني من عدة إخفاقات سياسية، فقد دفعته الصراعات المستمرة مع الحزب الديمقراطي حول قضية الرق إلى التفكير في تغيير هويته. لذا، اقترحوا في عام 1834 تبني اسم “الويغ”، وهو اسم مستوحى من المرحلة الثورية السابقة، حيث كان “الويغ” يشير إلى مجموعة من الوطنيين الذين عارضوا التاج البريطاني. تدريجيًا، لاقت هذه التسمية قبولًا واسعًا وأصبحت تمثل الحزب بشكل بارز، لا سيما بعدما حقق الحزب الأغلبية في مجلس النواب، وجذب تعاطف بعض الديمقراطيين والمعتدلين الذين كانوا يوافقون على سياسات الحزب المعادية للرق.
لقت هذه التسميه تقبلا تدريجيا واصبحت في وقت قصير العنوان المميز للحزب الذي كان يحقق الاغلبيه في مجلس النواب واحذى بتعاطف عدد من الديمقراطيين والمحافظين الذين صوته لصراحه في المسائل الماليه فضلا عن ميل الراي العام نحو تاييد سياسته المناهضه للرقي والمؤيده للتحسينات الداخليه وحمايه الصناعه ودخل الحزب الجديد حياه سياسيه عبر ترشيحه لويليام هاريسون لمنصب الرئيس في انتخابات العام 1840 الذي تمكن بدعم من فئات مختلفه من الشعب من تحقيق الفوز في الانتخابات ليكون الرئيس التاسع للولايات المتحدة الأمريكية
كانت مساله ضم تكساس الى الاتحاد قد شغلت الراي العام الامريكي ودفعت بالاحزاب السياسيه الى تغيير علاقتها وتحالفتها السياسيه بهدف ايجاد مخرج لهذه الازمه التي تنطوي على خلاف عميق حول مساله الرق وتخل بالتوازن بين الولايات المؤيده والمعارضه للرق في الاتحاد الديمقراطي بقوه عن مشروعه لضم هذه الولايه الى الاتحاد للحصول على مزيد من الاراضي التي يحتاج اليها نظام الرق فيما كان حزب الويغ يقود بالتعاون مع حزب الحريه حمل معارضه قويه لضم تكساس في كثير من النوادي التي تشكلت للتعبير عن المعارضه السياسيه والمحاضرات والمناقشات العامه بينما كان الحزب الديمقراطي وبدعم من مالك العبيد الجنوبيين يمنع تلك المناقشات ويحذر تداول الصحف التي تتطرق اليها
في عام 1845 وافق المجلس التشريعي لولايه تكساس على ضمها للاتحاد مما اغضب المكسيك التي رفضت الاعتراف بهذا الضم وعدته اعلان حرب عليها الامر الذي اشعل فتيل الحرب بين الطرفين عام 1846 فصارع حزب الويغ الى استنكار هذه الحرب غير المبرره مؤمنا بامكانيه انهائها عبر المفاوضات لكنه من باب الواجب الوطني دعمها لحين انتهائها عام 1848 بضمه تكساس وكاليفورنيا ونيو مكسيكو مقابل 15 مليون دولار امريكي.
مجلس النواب اشترط ان لا يجوز وجود عبوديه او فرض استرقاق في الولايات الجديده بوصف شرطا لضمها الى الاتحاد وقد تسبب هذا الشرط في انقسام حزبي الويغ والديمقراطي على نفسياهما تنقسم الحزب الديمقراطي الى جناحين شمال وجنوبي وانقسم الجناح الشمالي بدوره الى فريقين مؤيد للعبوديه ومعارض لها اما حزب الوجه فقد كان جناحه الجنوب غير منظم والشمالي اكثر تمسكا بتاييد الرق
وفي عام 1849 كان الاتحاد يضم 30 ولايه 15 منها تبيح الرق والاخرى لا تبيحه وقد تعرض هذا التوازن الى تهديد خطير حين تقدمت كاليفورنيا بطلب الانضمام للاتحاد بوصفها ولايه حره وكما نجح من قبل في تسويه النزاع حول الرقه في عام 1820 فقد تمكن القاضي هنري كلاي بوصف رئيسا للمحكمه الاتحاديه من حسم النزاع ثانيه في تسويه جديده اطلق عليها تسويه 1850 وكان ابرز ما تضمرته هو تنفيذ قانون العبد الهارب الذي تسبب في انقسام جديد في هيكل الاحزاب السياسيه القائمه .
المصادر
) 1-George B. Tindall and David E. Shi , America : A Narrative History , Vol.1, Library of Congress, W . W . North & Company, Inc, New York , 2004.P50
(2) عبد الفتاح حسن أبو علية، تاريخ الأمريكيتين – التكوين السياسي للولايات المتحدة الأمريكية، ط1، الرياض، دار المريخ، 2001 ص 45.
2) جون ستيل جوردون، إمبراطورية الثروة، ج2، ترجمة محمد مجد الدين باكير، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2017.
) ديب علي حسن، الولايات المتحدة الأمريكية من الخيمة الى الإمبراطورية، مراجعة وتدقيق إسماعيل الكردي، ط،2 دمشق، دار الأوائل للنشر والتوزيع، 2002ص89.
(4_)Brad R. Clampitt, Two Degrees of Rebellion: Amnesty and Texans after the Civil War, Civil War History Journal, Vol. 52, No. 3, September 2006,P49
5 ) إميل هوبنر، النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، ترجمة عدنان عباس علي، ط1، الإمارات العربية المتحدة، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2009ص66
) Paul D. Buchanan, American Women’s Rights Movement: A Chronology of Events and of Opportunities from 1600 to 2008 (Wellesley, MA: Branden Books, 2009), p. 129.
6 ) ألكسي دي توكفيل، عن الديمقراطية في أمريكا، ج1، ترجمة بسام حجار، معهد الدراسات الإستراتيجية، بغداد – بيروت، .2007ص122
(Eric Foner, If Lincoln Hadn’t Died – Would The Disastrous Reconstruction Era have Taken a Different Course? American Heritage Magazine, Vol.58, Issue 6, Winter 2009P105
7 ) حيدر طالب الهاشمي ومؤيد شاكر كاظم، قانون كنساس – نبراسكا ونشأة الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية، مجلة كلية التربية، جامعة كربلاء، العدد 12، مج 3، تشرين الأول، 1854ص201
8 ) جوردون . س . وود، الثورة الأمريكية، ترجمة نادر سعادة، ط1، عمان، الأهلية للنشر والتوزيع، 2006 ص80.
( 8)Michael D. Pierson , Prairies on Fire : ” The Organization of the 1856 Mass Republican Rally in Beloit , Wisconsin , Civil War History Journal, Vol.48, No. 2, June 2002P114.
( 9)Joyce Appleby , Alan Brinkley and James M. McPherson, The American Journey , McGraw – Hill , New York , 2005 ,P79
) 10)Cal Jillson, American Government: Political Development and Institutional Change (New York: Taylor (٣) and Francis, 2013), p. 14.
( 11)Robert Harrison, An Experimental Station for Lawmaking: Congress and the District of Columbia, 1862-1878 , Civil War History Journal, Vol. 53, No.1, Kent State University Press, March, 2007,P34
( Rachel Weiner, «Reince Priebus Gives GOP Prescription for Future,» The Washington Post, 18/3/2013
12 ) عبد الغفور كريم علي، الجذور التاريخية لنظام الحكم في الواليات المتحدة الأمريكية، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2000ص 134