الإخوانيات في الشعر الأندلسي:

هُو باب من أبواب الشعر, يصوّر ما كان يدور بين الأصدقاء من الشعراء, تدفعهم إليه الأخوّة الصادقة, تظهر فيه عاطفتهم الصادقة في عبارات سهلة بعيدة عن المبالغة والتزلف والجري وراء الماديات, مع البُعد عن الغلوّ في المجاملات, وتختلف باختلاف المرتبة المرسَل إليها, فإذا قيلت في الملوك والوزراء فأسلوبها ينماز بكلمات المحبة والاحترام, وإذا كانت مُرسَلة إلى الشعراء فيما بينهم, فإنَّ أسلوبها ينماز بالتحرّر من القيود الرسمية, والبُعد عن التكلّف.
ومن جملة علاقات الصداقة التي كانت قائمة بين الشعراء والملوك, علاقة الشاعر غانم بن الوليد مع باديس بن حبوس (ملك غرناطة), فعند دخول الشاعر غانم بن الوليد في مجلس باديس, وقد وسّع له الأخير المكان, قال غانم على البديهية:
                  صَيِّر فؤادك للمحبوب منزلةً
                                         سَمُّ الخياط مجالٌ للمُحبَّين
               ولا تسامح بغيضاً في معاشـرةٍ
                               فقلَّــما تســع الدنيا بَغيضَين
 
تبيّن من البيتين السابقين مدى العلاقة الحميمة التي كانت تربط الشاعر بباديس ملك غرناطة, فقد قام باديس بنفسهِ ووسّع له المجلس الذي كان على ما يبدو مكتظاً بالعلماء والأدباء, وقد عبّر الشاعر عن هذا المشهد في هذين البيتين, وكانت عبارته تنم عن إخلاص ووفاء من الشاعر, فعاطفةُ الأندلسي قوية نحو الأخوّة, يبحث عنها متشوّقاً إليها, فإذا وجدها في أمير, أخلصَ له ووهَبَهُ حُبّهُ وفَنّهُ.
وقد انعقدت صداقات بين الشعراء, ومن جملة هذه الصداقات, صداقة السميسر الشاعر مع ابن شرف القيرواني, فقد نزل الأخير في غرناطة, ويبدو أنَّ السميسر قد تخلّفَ عن رؤيته, ويعترف له بالذنب, ويطلب منه العذر, قائلاً:
               كتبتُ إلى سيّدي قبل أنْ
                                  أراهُ ورِجلـيَ قـــدْ زلّتِ
               أيقصِدُ يَذْبـــلُ غـَرناطـــةً
                                وأترُكُ قَصديه في زُمــرَتـي
              ويهبطُ كيوانُ من بـرجـهِ
                                   إليــنا ونــحنُ على غَفلـــةِ
              فـمعذِرَةً لـكَ حتـى أراكَ   
                               فأنتَ المـمثّلُ في مُهجَتــي
فأجابَهُ ابنُ شرَف:
            بدأتَ وللمبتدي الفَضْلُ في    
                               فُــروضِ المــوَدَّةِ والسّنّـــةِ
           وما الوُدُّ إلّا امتنانٌ وقــــد
                              سبَقْتَ سواكَ إلى المنّــــةِ
          وحُدّثتُ أَنّكَ سَمْحُ الطّــباع
                             إذا ما طِــــباعُهُــم ضَنّتْ
         ونَفسُكَ فاضِلـــةٌ حُـــــرّةٌ
                            إذا عايَنتْ فاضِـــلاً حَنّتْ
 
كان الشعر الإخواني نوعاً من المباريات الشعرية الممتعة بين الشعراء أنفسهم, وهو يصور لنا الاستقرار الاجتماعي الذي كان يتمتع به الشاعر في ذلك الزمان ممّا هيّأ الأحوال لهذا النمط من العلاقات تنمو وتزدهر, ويزدهر معها الشعر الذي يصوّرها ويحكي واقعها.
 
 
 
مصادر المقالة:
1- البيئة الأندلسية وأثرها في الشعر (عصر ملوك الطوائف), د. سعد إسماعيل شلبي, دار نهضة مصر, القاهرة.
2- بدائع البدائة, علي بن ظافر الأزدي, تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم, مكتبة الإنجلو المصرية, 1970م.
3- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة, تحقيق: د. إحسان عباس, دار الغرب الإسلامي, ط1, 2000م.
4- حركة الشعر في مصر الفاطمية (358-427هـ), د. محمد حسين عبد الله المهداوي, دار الكتب موزعون وناشرون, كربلاء, العراق.
5- القصص القرآني في الشعر الأندلسي, د. أحمد حاجم الربيعي, دار الشؤون الثقافية, بغداد, ط1, 2000م.

شارك هذا الموضوع: