جامعة كربلاء
كلية التربية للعلوم الانسانية
قسم العلوم التربوية و النفسية
م.م وسام عادل ناصر السلطاني
حين تلتقي الجراح بالإدمان: رحلة في دهاليز الألم والتعافي
مقدمة
قد يبدو للوهلة الأولى أن "الصدمة" و"الإدمان" مفهومين منفصلين ضمن تجارب المعاناة
الإنسانية، إلا أن التعمق في فهمهما يكشف عن علاقة مترابطة ومعقدة بينهما، ترتكز على
مفهوم "السبب والنتيجة". هذا الترابط يخلق إشكالية متشابكة تجمع بين الألم والتكيف.
فهم هذه العلاقة لا يقتصر على كونه تمرينًا أكاديميًا، بل هو ضرورة علمية تسلط الضوء على
التداخلات النفسية والبيولوجية بين الصدمة والإدمان. ولذلك، يتناول هذا المقال المحاور التالية:
أولاً: ما هي الصدمة النفسية؟
تحدث الصدمة النفسية عندما يتعرض الفرد إلى أحداث صادمة مثل سوء المعاملة، الاعتداء،
الكوارث الطبيعية، أو العيش في بيئات صراعية. قد تؤدي هذه التجارب إلى ردود فعل نفسية
فورية مثل الإنكار أو الحزن، والتي قد تتطور إلى آثار طويلة الأمد مثل اضطرابات المزاج
والمشاكل في العلاقات الاجتماعية. ورغم أن بعض ردود الفعل طبيعية، فإن استمرارها لفترة
طويلة قد يشير إلى ضرورة التدخل العلاجي.
أنواع الصدمة النفسية:
1. الصدمة الحادة: تحدث نتيجة حدث مفاجئ وقصير الأمد لكنها قد تكون مؤثرة للغاية.
2. الصدمة المزمنة: تنتج عن التعرض المتكرر لأحداث صادمة على مدى فترة طويلة.
3. الصدمة المركبة: مزيج من الصدمات المتعددة التي تحدث في سياقات مختلفة، مما يزيد من
تعقيد التأثير النفسي.
ثانيًا: ما هو الإدمان؟
الإدمان ليس مجرد ضعف في الإرادة أو سلسلة قرارات سيئة، بل هو اضطراب معقد يرتبط
بالتغيرات في كيمياء الدماغ والعوامل البيئية والخبرات الشخصية. وفقًا للمنظور العلمي،
يُنظر إلى الإدمان على أنه "مرض مزمن"يتميز بالسلوك القهري نحو تعاطي مادة أو الانخراط
في نشاط معين، رغم إدراك الشخص لأضراره.
أنواع الإدمان
-إدمان المواد: مثل الكحول، النيكوتين، المخدرات.
– الإدمان السلوكي: مثل إدمان المقامرة، الطعام، التسوق، أو الإنترنت.
ويُعرَّف الإدمان بأنه اضطراب يؤثر على دوائر الدماغ المسؤولة عن التحفيز والمكافأة، مما
يجعل الشخص مدفوعًا بشكل قهري تجاه المادة أو السلوك الإدماني.
ثالثًا: العلاقة بين الصدمة والإدمان
1. نظرية العلاج الذاتي
تُشير هذه النظرية إلى أن بعض الأشخاص يستخدمون المخدرات أو السلوكيات الإدمانية
كوسيلة للتعامل مع آثار الصدمة النفسية.
2. التغيرات الفسيولوجية في الدماغ
تؤثر الصدمة على كيمياء الدماغ، مما يجعل الفرد أكثر عرضة للإدمان نتيجة التغيرات في
نظام المكافأة والتحفيز.
3. الهشاشة والميكانيزمات التكيفية
الأشخاص الذين يعانون من الصدمة قد يكونون أكثر عرضة لاستخدام المخدرات أو الانخراط
في سلوكيات إدمانية كوسيلة للتكيف مع الألم النفسي.
4. عوامل الخطورة المشتركة
تشمل البيئة الأسرية، الاستعداد الجيني، والتعرض للضغوط النفسية، مما يزيد من احتمالية
تطوير الإدمان لدى من تعرضوا للصدمة.
رابعًا: مداخل علاج الصدمة والإدمان:
1. العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
يركز على تعديل أنماط التفكير المشوهة وتعليم تقنيات التحكم في المشاعر والتعامل مع
الضغوط بطريقة صحية.
2. العلاج بحركة العين وإعادة المعالجة (EMDR)
يُستخدم لمساعدة الأفراد على تقليل التأثير العاطفي للذكريات الصادمة من خلال إعادة معالجتها
بأساليب علاجية خاصة.
3. العلاج الدوائي
بعض الأدوية يمكن أن تساعد في تخفيف أعراض الانسحاب أو التوتر المصاحب للصدمة، مثل
مضادات الاكتئاب والأدوية المثبتة للمزاج.
4. العلاجات الكلية والتجريبية
تشمل تقنيات مثل التأمل، العلاج بالفن، والعلاج بالموسيقى، التي تهدف إلى تحقيق التوازن
النفسي والجسدي.
خامسًا: خاتمة
إن العلاقة بين الصدمة والإدمان معقدة وتتطلب فهماً عميقاً لمعالجتها بفعالية. فالصدمة قد تؤدي
إلى الإدمان كوسيلة للهروب، بينما يمكن أن يعزز الإدمان من آثار الصدمة، مما يخلق حلقة
مفرغة يصعب كسرها. لذا، فإن التدخل العلاجي المتكامل هو المفتاح لإدارة هذه الحالات بشكل
مهني يساعد الأفراد على استعادة السيطرة على حياتهم.
بهذا الشكل، يصبح المقال أكثر وضوحًا وسلاسة، مع الاحتفاظ بجميع المعلومات المهمة
بأسلوب منظم ومترابط. إذا كنت بحاجة إلى أي تعديلات أخرى، فأخبرني بذلك!