“دراسة في الحديث الموضوع، ونشأته”
م. م منى يوسف ناصر
قسم التأريخ
لقد كانت بدايات الوضع في الحديث في مراحله الأولى في حياة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ()، ومما يدل على ذلك الوثيقة التي وصلت الينا من كلام امير المؤمنين (عليه السلام) عندما سأله سائل عن أحاديث البدع، وعما في ايدي الناس من اختلاف الخبر؟ ()، فقال (عليه السلام): “ان في ايدي الناس حقاً وباطلا، وصدقاً وكذباً، ومتشابهاً وحفظاً، ووهماً ولقد كذب على رسول الله (صلى الله عليه واله) على عهده حتى قام خطيباً فقال: من كذب عليَ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار”()، ثم كذب عليه من بعده ()، ومن ذلك يتبين ان البدايات الأولى لوضع الحديث كانت في حياة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ومما يؤكد على خطورة هذه المسألة انها استدعت إجراءات من الرسول (صلى الله عليه واله) قام بها ليحذر الناس من مسألة الكذب عليه، وعقوبته كما أشار الى ذلك النص، وربما كانت هذه الإجراءات منه لسببين:
الأول: لأجل تنبيه الناس من عدم تصديق أي حديث يعرض عليهم، وتنبيه الاذهان الى وجود أحاديث موضوعة.
اما الثاني: فأن الغاية منه التحذير، والوعيد لمن يقوم بوضع الحديث المكذوب، او الموضوع لكي يخاف، وينزجر الفاعل في محاوله منه (صلى الله عليه واله) لمعالجة هذا الأمر الخطير.
وبعد استشهاد الرسول (صلى الله عليه واله)، واختلاف المسلمين قد دفع كثير من الدعاة منهم الى اختلاق الآلاف المؤلفة من الأحاديث والروايات ()، وخصوصا بعد مقتل عثمان، وبداية الحروب الداخلية ().
وكان من اثار عدم تدوين الأحاديث في كتاب خاص في العصور الأولى للإسلام، واكتفاء الصحابة بالاعتماد على الذاكرة، وصعوبة حصر ما قاله الرسول (صلى الله عليه واله)، وما فعله في مدة ثلاثة وعشرين سنة، () من بدأ الوحي الى الوفاة ان وجد أعداء الإسلام، الذين غلبوا على امرهم من اليهود، والروم منفذاً يدسون منه على المسلمين، وبما يفسد دينهم ليتسنى لهم قلب الدولة الإسلامية، ولذلك ألفوا الجمعيات لوضع الأحاديث في التشبيه، والتعطيل، وغيرها ().
وكان عصر معاوية من العصور الإسلامية التي امتازت بانصراف السلطة الى وضع الاحاديث()، فعندما تسلط على الحكم، ودامت خلافته بحدود عشرون عاماً أسس لجنة، وكلفها بوضع الاحاديث()،وبذلك كان وضع الحديث، والتشجيع عليه بشكل رسمي في سنة 41 هـ، في عهد معاوية بن ابي سفيان، بعد ان كان على عهد الرسول (صلى الله عليه واله)، عملاً فردياً، وممارسة من أناس كذابين، واجهها الرسول، وحذر منها؛ اصبح عملاً رسمياً؛ حيث اكتسب الوضع في هذه المرحلة الشرعية من السلطة الاموية، والوثائق التي وردت تؤكد ذلك()، ومنها الوثيقة التي نقلها ابن ابي الحديد المعتزلي نقلاً عن شيخه جاء فيها “وذكر شيخنا أبو جعفر الاسكافي رحمه الله ان معاوية وضع قوماً من الصحابة، وقوماً من التابعين على رواية اخبار قبيحة في علي (عليه السلام) تقضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم جعلاً يرغب في مثله فاختلقوا ما ارضاه، منهم أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير”().
وقد فتح بذلك معاوية الأبواب على مصارعها، لرواية الأحاديث التي تدعمه، وتحط من قدر الامام علي (عليه السلام)، وتشكك في شخصه، ونهجه، ونتج عنها ان فتحت الأبواب لأعداء الإسلام لكي يرووا باسم الرسول (صلى الله عليه واله)، ويشوهوا صورة الإسلام، وبرز منهم كعب الاحبار، والذي اخذ عنه أبو هريرة، وانس بن مالك، وعبد الله بن عمر، ومعاوية، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم ().
وكان أبو هريرة قد أكثر الاخذ من كعب الاحبار، وعبد الله بن سلام، وهما يهوديان أعلنا اسلامهم نفاقاً، وخداعاً للكيد بالإسلام من خلال دس الاسرائيليات في عقول المسلمين، وعقائدهم ().
كما كثر في المجتمع الاسلامي ما يعرف بالقصاصون، والذين كانوا جريئين على الله، ورسوله فلم يكونوا يتورعون عن وضع الحديث ()، حتى قال ابن حبان: “كانوا اذا حلوا بمساجد الجماعات، ومحافل القبائل مع العوام، والرعاع اكثر جسارة في وضع الحديث”() على لسان النبي (صلى الله عليه واله )، وكانت كلماتهم تجذب الناس رغم علمهم بكونها موضوعة، ومن غريب ما يذكر ان والدة الامام أبو حنيفة لا تقبل بفتوى ابها الامام أبو حنيفة، وترضى بما يقوله قاص يقال له زرعة() كما جاء عن ابن حجر بن عبد الجبار الحضرمي انه قال: “كان في مسجد قاص يقال له زرعة فأرادت ام ابي حنيفة ان تستفتي في شيء فأفتاها أبو حنيفة فلم تقبل، وقالت: لا اقبل الا ما يقول زرعة القاص )().