دور الفكر الجغرافي في الحروب
كلية التربية للعلوم الانسانية / قسم التاريخ             م.م رغد عبد زيد علي 
يملك علم الجغرافيا الكثير للمساهمة في فهم الحروب، فالجغرافيا تمثل للحرب عمقا أساسيا لكل التحركات العسكرية وسير العمليات الحربية، إذ أنه من المستحيل فصل العمليات العسكرية عن ظروف البيئة الجغرافية ،حيث تمثل الأرض بواقعها الطبيعي والبشري مسرحا للعمليات العسكرية.
هناك عدة جوانب توضح أهمية الجغرافيا في تحليل الحروب، مثل الدور الذي تلعبه العوامل الاستراتيجية المكانية قبل وأثناء الحرب، ويلاحظ تأثير تلك العوامل على حركة المعدات العسكرية عبر المضايق الدولية ونقاط الاختناق، وتوزيع القوات والأسلحة من أجل المعركة، وتحليل موارد وقدرات الدولة، ودرجة انكشاف وتعرض خطوط التجارة والإمداد للخطر الخارجي، ويمكن للحكومات أن تستعين بالجغرافيين كمحترفين للقيام بهذه التحليلات الاقتصادية والعسكرية.
وهناك الكثير من الحروب عبر التاريخ تنبثق عن نزاعات حدودية، ويصنف الجغرافيون ويصفون الأنماط المختلفة للحدود, وقد أدرك الجغرافيون أن الحروب لا تحدت عشوائيا حول العالم، حيث تلعب المسافة دورا مهما في معظم الحروب عبر التاريخ، إذ أن الدول المتجاورة أكثر عرضة للحروب فيما بينهما.
كما تستخدم المعلومات الجغرافية لدعم العمليات العسكرية منذ بدء التاريخ، وذلك بسبب وجود علاقة واضحة وأساسية بين الجغرافيا والعمليات العسكرية ،فالعمليات العسكرية تجري في بيئات عملياتية مختلفة كالأدغال والصحارى والمحيطات والمدن.
ولقد سيطرت الجغرافيا على الفكر العسكري للغرب طوال القرن الثامن عشر والتاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وكانت الجغرافيا الحربية توحد هذا الفكر العسكري الغربي وكذلك الشرقي أي كانت تشكل عامل مشترك للفكر الاستراتيجي العسكري للقوى الكبرى في العالم.
ولأجل أن تؤدي الجغرافيا دورها، فقد قامت المدارس والكليات العسكرية الكبرى بتدريس الجغرافيا الحربية وأصولها وقواعدها وهذا الأمر يعني ويعكس أهمية العلوم الجغرافية للأغراض العسكرية. ولقد عرفت الجغرافيا الحربية ذروتها في القرن التاسع عشر، ففي إيطاليا تؤكد دراسات Ferrucio Botti ذلك. وبان الجغرافيا كانت أهم مادة يجب أن تدرك في الفنون العسكرية، وتأثرت المدرسة الفرنسية العسكرية بالمدرسة الايطالية واشتهر في فرنسا عدد من كبار الضباط الذين تخصصوا في الجغرافية الحربية خاصة بعد الحرب الفرنسية الألمانية (1870-1871م) ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر Niox و Marga الذين قاما بتأليف موسوعة هامة في الجغرافيا الحربية الفرنسية وقاما بتدريسها حتى نهاية الثلاثينات من القرن العشرين.
أما سويسرا فقد كان لها دور كبير في الجغرافيا العسكرية الحربية التي طورها وساهم في بلورة أهميتها في المعارك الحديثة القعيد keller الذي كان رئيسا لأركان الجيش السويسري، وقام بدوره بتأليف مرجع في الجغرافيا العسكرية لسويسرا وهو مكون من 34 كتاب (جزء) بين عامي 1906 و1922م، وكان يعتقد بأن الدول الأوروبية لن تحترم كون سويسرا دولة محايدة غير حربية وغير عدوانية، وبأنها ستتعرض للعدوان المباشر أو ستستخدم أراضيها لعبور الجيوش المتحاربة.
وهكذا نجد بأن لكل دولة أوروبية عدد من الجغرافيين العسكريين الذين ساهموا في وضع استراتيجيات دفاعية هامة عن بلادهم أخذ بعين الاعتبار الخصائص الجغرافية داخل المجال الوطني، وكذلك أخذا بعين الاعتبار شروط الموقع وخصائصه، ونستطيع أن نجد في السويد أعمال ” Gunnar Aselius
وفي رومانيا أعمال Tudorel Ene وفي البرتغال أعمال   Borges Toao Vieira ولا يستطيع أحد الجزم بأن الجغرافيا الحربية هي جغرافيا أوروبية فإن عدد كبببر من الدراسات الجغرافية العسكرية ظهرت في كئدا بين عامي 1867 و2002م .

شارك هذا الموضوع: