دور المرأة العراقية في الحياة السياسية
كلية التربية للعلوم الانسانية / قسم التاريخ                             م.م رغد عبد زيد علي
تقاس درجات التنمية الإنسانية في أي مجتمع من المجتمعات بمدى مشاركة المرأة في الحياة السياسية ، ولقد عانت المرأة العراقية الحال مع العديد من بلدان العالم الثالث من أزمة حقيقية تخص مشاركة المرأة في الحياة السياسية للبلاد منذ حقبة الحكم الوطني في العام ١٩٢١، ولقد لعبت عوامل عديدة في تقليص حصة وحجم مشاركة المرأة في الحياة السياسية منها الدور المتنامي للعسكر في الحياة السياسية وعسكرة المجتمع خلال حرب السنوات الثمان وما تلاها من أحداث أفضت إلى انزواء المرأة وتقليص دورها ولم يعد هذا الدور إلا بعد منح المرأة كوتا انتخابية في الدستور الجديد للعراق بعد العام ٢٠٠٣.
اذ بدأت  المرأة العراقية الخروج إلى الحياة العامة منذ نهاية القرن التاسع عشر حيث كان العراق تحت الحكم الدولة العثمانية، وتم افتتاح أول مدرسة للبنات في بغداد عام ١٨٩٠ وقد سجلت فيها ٩٠ فتاة وقد سجلت أول مساهمة حقيقية للمرأة العراقية في الحياة السياسية هي في ثورة العشرين من القرن الماضي ضد الاحتلال البريطاني وهي أول معركة خاضتها في تاريخها الحديث. ورغم بساطة واختلاف أساليب المرأة عن الرجل في ذلك الوقت ولم يعرف لها دور يذكر من قبل ذلك نظرا للأوضاع الاجتماعية السائدة في حينها وهي تبعية المرأة للرجل في كل تفاصيل الحياة. وساهمت المرأة في ثورة العشرين من خلال صورة الشاعرة (فدعة الازيرجية) ابنة مدينة العمارة التي زغردت الشعر في القتال ضد قوات الاحتلال البريطاني، كما ساعدت التغييرات السياسية التي أحدثتها إلى إبراز مسألة تحرير المرأة من قيودها الاجتماعية والتقاليد البالية والمطالبة بمساهمتها في جوانب الحياة العامة كلها ومن ضمنها السياسية والاقتصادية. وقد ساعدت تلك الإسهامات في ثورة العشرين في الريف أو المدينة على تشكيل بدايات الوعي تجاه قضية المرأة، وقد صدرت أول مجلة نسائية باسم (ليلى) تحت شعار (في سبيل نهضة المرأة العراقية) عام ١٩٢٣ وكانت الأديبة (يولنيا حسون) هي رئيسة تحريرها وهي مجلة ذات طابع تربوي وعظي تحاول توعية المرأة للحصول على حقوقها وتعليمها. وشاركت المرأة العراقية بشكل واضح في المعارك الوطنية وقضايا السجناء السياسيين وهنا نذكر عدوية الفلكي وهي تتقدم في مظاهرة ما عرف ب (وثبة كانون) في عام ١٩٤٨ ضد معاهدة بورتسموث وفي أثناء الانتكاسة التي حصلت بعد الوثبة نتيجة القمع من قبل السلطة الحاكمة وسيادة الأحكام العرفية وتعرضت النساء للاعتقال والتعذيب وللإحكام الثقيلة.
وفي أيار ١٩٥٢ تأسست رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية وافتتحت لها فروع في محافظة اربيل والسليمانية عندها وجدت المرأة الكردية في الرابطة طريقا لتحقيق مطالبها وحقوقها .
وفي حقيقة الأمر لم تؤدِ هذه المساهمات إلى الاعتراف للمرأة العراقية بالمشاركة على مستوى السلطة السياسية وانقضى العهد الملكي دون أن تعترف رسميا للمرأة العراقية بحق المشاركة في الحياة السياسية للعراق والتي كانت فقط مخصصة للرجال وهذا لان الدستور العراقي لعام ١٩٢٥ لم يعترف بحق المرأة العراقية في هذه المشاركة ومع قيام ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ وقيام النظام الجمهوري شهد تغييراً كبيراً في الدور السياسي للمرأة خاصة بعد صدور الدستور المؤقت الذي نص على أن (المواطنين العراقيين متساوون بموجب القانون ومنحهم الحرية بغض النظر عن العرق والجنسية أو اللغة أو الدين ،كما أقرت للمرأة حق المساهمة في القرار السياسي من خلال إسناد أول منصب وزاري ربما في العالم العربي وهو منصب وزارة البلديات للسيدة نزيهة الدليمي، وهي رئيسة رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية.
إنّ المشاركة السياسية للمرأة دليل على وعي المجتمع لذاته وحضارته فالمشاركة هي ظاهرة حضارية كما هي ظاهرة سياسية وحينما يصل المجتمع إلى مرحلة معينة من الرقي والتقدم فان مسالة المشاركة السياسية للمرأة تصير من قضاياه الأساسية.
كما أن درجة الوعي في المجتمعات العربية لم تسمح حتى ألان بتمثيل المرأة في البرلمان من خلال معارك انتخابية تخوضها على قاعدة برنامج واضح. وأن أوليات دخول النائبات إلى البرلمانات العربية تختلف بين قطر وأخر معظمهن دخلن من باب الولاء للحزب الحاكم وعلى قاعدة التعيين المباشر أو من خلال القوائم الحزبية أو جبهوية معدة سلفاً بحيث تحول المرأة النائبة إلى مجرد كوتا تضاف إلى البرلمان ويمكن شطب اسم النائبة أو بقائها في البرلمان تبعاً لمزاج الحاكم العام وليس لنجاحها أو فشلها في الأداء البرلماني .
وهذا ما ينطبق الشيء نفسه عندما دخلت المرأة العراقية مجلس الحكم الانتقالي ودخلت الجمعية الوطنية والبرلمان العراقي عن طريق (الكوتا) فقد رشحت أكثر من الفين (٢٠٠٠) امرأة من مجموع (٦٠٠٠) ستة ألاف مرشح، أن اعتماد مفهوم ومنهج الكوتا (حصص) من اجل تمكين المرأة العراقية من الدخول إلى مختلف المؤسسات القيادية والسياسية والذي ورد في قانون إدارة الدولة الذي وضعه بول بريمر الحاكم العسكري في العراق، هذا القانون أعطى للمرأة العراقية الحق في المشاركة بنسبة لا تقل عن ٢٥% في الجهاز التشريعي والتنفيذي فرشحت المرأة ولكن عبر المحاصصة والطائفية بدلا من استحقاقها الحقيقي وفقا لما تملكه من مؤهلات وقدرات قيادية.وأن وجود المرأة في البرلمان العراقي هو مجرد إشغال مقاعد وفق إملاءات سياسية وحزبية فلا يؤثر من حصولهن على هذه النسبة ولا يكون لهن صوت مؤثر .
وخلاصة لما تقدم وعلى الرغم من أن المجتمع العراقي كان من المجتمعات العربية السباقة لإدخال المرأة في سوق العمل وميدان التعلم إلا أن ذلك لم يرافقه مشاركة واسعة للمرأة في النشاط السياسي ولاسيما خلال العقود التي أعقبت تأسيس الحكم الوطني في العراق بعد العام ١٩٢١ ورغم تنامي الدور السياسي للمرأة بعد العام ١٩٥٨ إلا أن مشاركتها في المفاصل الأساسية للسلطة بقي هامشياً ولم تكن فاعلة في اتخاذ كثير من القرارات المصيرية التي مر بها العراق في العقود التي سبقت العام ٢٠٠٣ورغم التحول السياسي الكبير الذي جرى في العراق بعد العام ٢٠٠٣ وما رافقه من دعوات للتحديث وزيادة مشاركة الفرد في السلطة فان دور المرأة بقي محدداً بإطار الحصة الانتخابية أو الكوتا والتي حددت نسبة مشاركة المرأة في العملية السياسية سواء بالبرلمان أو في مجلس الوزراء. ولابد من القول تنامي و تناقص دور المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية معروف بمدى وعي الأفراد بحق المرأة ومشاركتها في السلطة ومفاصلها الأساسية والعمل على تعديل بعض التقاليد الموروثة التي تحول دون مشاركة المرأة وتدخلها أو دون نجاحها في الحياة السياسية أو حكر مشاركتها على جهة دون أخرى من التيارات السياسية.

شارك هذا الموضوع: