دور المرأة في النتاج الأدبي عند الخوارج
أ.د. كوثر حسن هندي التميمي 
كلية التربية للعلوم الانسانية / قسم التاريخ
 
       عند قراءة كتب الادب والفكر نجد للمرأة الخارجية دوراً في نظم الشعر والقاء الخطب وصياغة الكلمة المقاتلة بدلاً عنها اذا لم تستطع ان تقاتل بيدها . وهذا ما اعطى لحركة الخوارج دفعاً معنوياً في الاستمرار رغم الخسائر البشرية والمادية . 
      ولعل تحول المرأة الخارجية الى رمز سياسي في شعر الخوارج اوجد لها مكانة متميزة في حركتهم من خلال وجودها الحي في معاركهم وثوراتهم العديدة   كأمرأة مقاتلة ثائرة من اجل العقيدة التي امن بها هؤلاء ، والتي آمنت بها هي كذلك . ويمكن دراسة هذا الموضوع من خلال ما يأتي :
  • إثارة حماسة المقاتلين : 
      لقد كان لقصائد وخطب المرأة الخارجية التي كانت تلقيها في ساحات المعارك ، اثراً كبيراً في اذكاء مشاعر المقاتلين وإثارة حماستهم ، حباً بالشهادة وشوقاً لها في سبيل عقيدتهم الخارجية . فهذه امرأة مقاتلة من الخوارج تدعى : ام حكيم كانت تثير بشعرها حماسة المقاتلين ، فكانت ترتجز في احدى المعارك وتقول : 
احمل رأساً قد سئمت حمله               وقد مللت غسله ودهنه 
                       الا فتى يحمل عني ثقله 
       لم تكن المرأة الخارجية كغيرها من النساء تهتم بزينتها ومظهرها ، وان هي فعلت فسرعان ما تمل من ذلك وتعود تتطلع الى منظر الموت والشهادة في ساحة المعركة . وام حكيم تجسد هذا الامر في قولها هذا ، وهي هنا تعبر عن مدى السئم والملل اللذان ينتابانها عندما تشعر ان رأسها ما زال فوق جسدها فتتمنى ان يقطعه ويريحها منه احدى فتيان اعدائها . في سبيل العقيدة الخارجية التي امنت بها دوماً ، فما عادت تريد غسل شعرها ولا دهنه او الاعتناء به لانه اصبح يمثل لها ثقلاً كبيراً ، وهي تمثل حالة السأم من الحياة ، لا من رأسها ، وهو تشبيه بليغ جداً عبرت من خلاله عن تمنيها للموت وشوقها للشهادة . 
      ان وجود النساء في معسكر الخوارج كان يذكي نفوسهم ويشحذ عزائمهم ويزيد استبسالهم ، ولا سيما ان كن يؤازرنهم بالقصائد البليغة والخطب المثيرة ، فقد كانت البلجاء وهي احدى المجتهدات الخارجيات من اولئك النسوة ، والتي كانت تثير المقاتلين بخطبها النارية المثيرة ضد الخلافة الاموية آنذاك في اسلوب رائع وبلاغة قلّ مثيلها في خطب ذاك الزمان . فتكون النتيجة ان يقوم الخوارج الى سيوفهم ويمضون الى الموت دون خوف او وجل بعد ان اشارت لهم بذلك كلمات تلك المرأة الخارجية محرضة اياهم الى مواصلة القتال والنيل من اعدائهم . 
     وكانت بعض النساء الخارجيات ترتجز في المعارك ، ومنهن الجديعاء ، والتي ارتجزت قائلة : 
 
انـــا الجديعـاء بنت الاعلـم
من سأل عن اسمي فأسمي مريم
بعت سواري بسيف مخــــدم
 
ويبدو ان الجديعاء تفتخر بابتياعها سيفاً قاطعاً بسوار معصمها حتى تتمكن من الخروج مع زوجها المختار بن عوف الازدي وتشارك في القتال معه .  
وترتجز ام البرذون الصفرية . وتقول : 
 
نحن عبرنا الخنــدق المقعرا
يوم لقيناكم وجزنــا العسكرا
حتـى قتلنا عاصــماً وجعفرا
والفـارق الضبي لمــا ادبرا
واليمنييـــن ومــن تنزرا
لا تحسبوا ضرب الشراة سكرا


2-رثاء القتلى 
 
      ان الرثاء عاطفة حزينة يبكي فيها الشاعر او الشاعرة احبائهم وذويهم بيأس وحرقة ثم يصور مدى خسارتهم والفراغ الذي تركوه بموتهم ببيان فضائلهم الخلقية والنفسية ، ثم يعود لتصوير اثر ذلك في نفسه بحزن عميق صادق .  
      ان جزع الانسان قد يكون عنيفاً ، وقد يكون هادئاً حكيماً وعندما يكون عنيفاً قاسياً نراه يتخذ عند الراثي صوراً ومظاهر شتى ، فهو عند النساء مثلاً يتمثل في اذاء النفس باللطم وشق الجيب وتخميش الوجه ، اما عند الرجال فيأخذ صورة الثأر الفضيع والانتقام الكبير . 
      لقد اشتهرت شواعر الخوارج من خلال ذويهن ، وكان الرثاء اكثر الاغراض التي استخدمتها المرأة الخارجية في قصائدها ، وقد جاءت في اكثرها خلواً من التفجع وانة الحزن الحادة لدرجة يصعب فيها تمييز رثاء شواعر الخوارج عن رثاء شعرائهم . 
     وقد كان لرثاء شواعر الخوارج اثراً واضحاً في اثارة حماسة المقاتلين ، ودفعه للاستمرار بالقتال والمضي الى الموت بنفس متلهفة للاستشهاد في سبيل العقيدة التي امنوا بها رجالاً ونساءً من خلال كلمات القصائد التي كن يلقينها على مسامعهم بعد ان يأخذ الموت احد ذويهن ولا يجدن امامهن سبيلاً لاخراج المهن وتفجعهن من صدورهن الا بالشعر .
      ومن تلك الشاعرات شاعرة تدعى : عمرة ام عمران . التي رثت ابنها عمران قائلة : 
الله ايد عمـــران وطهـره               وكان عمران يدعو الله في السحر   
يدعوه سراً واعلاناً ليرزقـه                شهادة بيدي ملحادة غـــــدر 
ولي حمايته عن حر ملحمـة               وشد عمران كالضرغامة الهصـر 
اعني ان عمران اذا لاقى منيته              يوم ابن باب يماحي في عودة الدبر 
      وام عمران قد وجدت في مقتل ولدها وفلذة كبدها استجابة لدعوته التي طالما رددها في سره وعلانيته ليرزقه الله القتل بأيدي ملحدة غادرة فتقول : ان موت ابنها هو شهادة في سبيل الله التي كان يتمناها ويدعوا الله تعالى تحقيقها له ، والغريب في رثاء هذه الشاعرة هو قناعتها بفكر ابنها الديني والسياسي ، لذا لا يفزعها قتله ، بل تفتخر بشجاعته ودفاعه عما امن به ، وتبدو متقبلة امر موته بأيمان واضح . 
    وتأتي شاعرة خارجية اخرى من بني شيبان قال المرزباني فيها : ((ما رأيت امرأة اشد كمداً من امرأة بني شيبان قتل ابوها واخوها وزوجها وابنها وعمها وخالها مع الضحاك بن قيس الخارجي ايام مروان بن محمد فعاشت بعد قتل الضحاك ، فما رقأت لها عين ولا رأيتها طاوعة ولا مبتسمة ))
     ويقال ان هذه المرأة هي مليكة الشيبانية ، وقد قالت في رثاء الضحاك واصحابه :  
 
قولي مليك عليك بالصبر                   تستوجبين فضائل الاجر 
قولي فأنك غير كاذبـة                     باعدتي لنوائب الدهـر 
اورثني كمداً يؤرقنــي                    وتلهفاً وحرارة الصـدر 
ومرارة في العيش دائمة                    ومرارة كمرارة الجمـر 
ذهب الذي كان يأمرنـا                     بالخير والمعروف الذكر 
     والشاعرة هنا رغم المها الكبير وحزنها الشديد في فراق اهلها الى الابد ، تأمر نفسها بالصبر وتحمل المصيبة الكبيرة التي احاطت بحياتها كلها ، وهي مؤمنة بأن من يصبر على القدر خيره وشره يكتب الله تعالى له الاجر الكبير والدرجة الرفيعة عنده ، ورثاء هذه الشاعرة الضحاك واصحابه لدليل على ايمانها بمذهبهم السياسي وقناعتها به وكيف لا،وقد كانوا جلّ افراد اسرتها خارجيين .
     وتشتكي مليكة المها وتقول : اورثني مقتل الضحاك واصحابه مرارة والماً ساهراً معي طوال الليل ، فدعاني ذاك الأرق الليلي الى لهفة وشوق لهم كمرارة تنبعث من فؤادي ، بل ان عيشي اصبح مراً دائماً وكأني اعيش فوق الجمر تكوي مرارته حياتي ، الا انها في النهاية لابد ان تعترف بالحقيقة وترضى بها في ان الضحاك واصحابه قد رحلوا ، ولا جدوى من الحزن ، فتقول : ذهب الضحاك الذي كان يأمرنا بالعمل الخير والمعروف ، وقالت في رثاء اخيها :(2) 
يا عين جودي بالدمع بواكف حتى الممـات
قولا لمن حضر حروب من النساء الشاريات
امسين بعد غضارة ونعيم وعيش مثيبـــاتِ
من بعد عيش ناعم صارت عظامهم رفــات
فأذا المنية اقبلت لم تغن اقوال الرقــــات
كنـت المؤمل والمرجى في الامور المعضلات
وقالت ترثي عمها :(1) 
اصبرت على عمي الذي                          قد كان بالمعروف امر 
اصبرت على عمي الذي                          كان المؤامر والمؤازر 
اخوانه النفر الشــراة                          ذو الفضيلة والبصائـر 
يا عم قد كنت لسان قومك حين تجتمع المعاشر
فلا بكينك بالغداة وبـالاصائل والهواجــــر
ولئن بكيت لقد رزئت بـفارس بطل معـــاور
     والشاعرة هنا تمدح عمها وتقول : كيف لي ان اصبر على موت عمي الذي كان يأمر بالمعروف ، وكان يؤازر الضعيف ويساعد المحتاج مع اصحابه الخوارج الشراة اهل الفضيلة والبصيرة ثم تناديه قائلة : يا عم كنت لسان قومك تتحدث بدلاً عنهم حين تجتمع افراد القبيلة ، وانك لشيخ بينهم لك هيبة وقدر      كبير ، فتقسم ان تبكي على عمها في جميع الاوقات ليلاً ونهاراً الفارس البطل ،  الذي يستحق الحزن طوال العمر عليه . 
وقالت في رثاء الخوارج الشراة :(2) 
معشر قضوا نحوبهــم                    كلما قد قدموا حسـن 
صبروا عند السيوف فلم                    ينكلوا عنها ولا جبنوا 
فتية باعوا نفوسهــم                    لا ورب البيت ما غبنوا 
ابتغوا مرضاة ربهــم                    حين مات الدين والسنن 




المصادر :
الاصفهاني ، ابو الفرج علي بن الحسين ، الاغاني ، المؤسسة المصرية للتأليف والطباعة والنشر ،القاهرة.
الخطيب ،بشرى محمد علي ، الرثاء ،مطبعة الادارة المحلية ، بغداد ، 1971.
عباس، احسان، شعر الخوارج ، ط2، دار الثقافة ، بيروت ، 1973
القاضي ، نعمان، الفرق الاسلامية في شعر الاموي ، دار المعارف ،مصر 
ابن قتيبة ، عبد الله بن مسلم الدينوري ،دار المعارف ، مصر .
نصير ، امل ، صورة المرأة في الشعر الاموي ، المؤسسة العربية ، بيروت ، 2000م

شارك هذا الموضوع: