رسامين مدينة واسط (يحيى الواسطي انموذجاً )
أ.د. كوثر حسن هندي التميمي 
كلية التربية للعلوم الانسانية / قسم التاريخ
يحيى بن محمد بن يحيى بن أبي الحسن كوريها الواسطي، ومعلوماتنا عن سيرته معدومة، عدا كونه فناناً ينتسب إلى واسط كما هو واضح من تسميته.
والرسم مشتق أصلاً من الفعل رسم الذي يأتي في معاني عديدة، منها ما يدل على التطابق والتشابه، فارتسم الشيء أي أمتثله .
وقد عرف العرب المسلمون فن الرسم وأبدعوا فيه، ولاسيما في القرن السابع الهجري إذ وصل إلى قمة ازدهاره،وبرز في واسط رسامين بارعين منهم  . 
اشتهر الواسطي بفن الرسم من خلال رسمه مقامات الحريري المشهورة في أكثر من نسخة، أشهرها تلك التي عرفت بين وسط المهـمين بالتصوير الإسلامي باسم شيفر الحريري، نسبة إلى مالكها الأول شيفر الذي أهداها إلى دار الكتب الوطنية في باريس وأدرجت في فهارس الدار تحت رقم (5847) مخطوط عربي.
وهذهِ النسخة كاملة ومجلدة بجلدها، ورقها جيد وبها (167ورقة) عرض (276م ) وطول (337م )، وعدد الأسطر في الصفحة (15) سطر، كتبت بمداد أسود يميل إلى الحمرة وبخط نسخ جميل متقن منقط ومشكل، وثبت الناسخ اسمه وتاريخ إنجاز النسخ على آخر صفحة منها. فقد جاء……
فرغ من نسخها العبد الفقير إلى رحمة ربه وغفرانه وعفوه يحيى بن محمود بن يحيى بن أبي الحسن كوريها الواسطي بخطه وصوره آخر نهار يوم السبت سادس شهر رمضان سنة أربع وثلثين وستمائة حامداً الله تعالى…………..الخ.
وتتميز هذهِ النسخة عن نظيراتها التي وصلنا بعض منها وما زال مخطوطاً في مكتبات العالم، بأن الناسخ ثبت اسمه وقال انه المصور وذكر التاريخ، ولكن ما يؤسف له
هو عدم إشارته إلى اسم المدينة التي عمل فيها أو ذكره ناسخ المخطوطة ومزوقها
ولكن المهتمين بهذا المجال استطاعوا إثبات نسب هذهِ المخطوطة، وذكروا إنها تعود إلى مدرسة التصوير البغدادية، معتمدين على ذلك بورود اسم الخليفة المستنصر بالله العباسي في كتابة جداريه في إحدى المنمنآت، وغيرها من الأدلة والإشارات.
وتحتوي هذهِ المخطوطة تسعاً وتسعين منمنمة منها صورت على صفحتين متقابلتين وهي تعد وثائق تاريخية في غاية الأهمية للحياة اليومية، فضلاً عن أهميتها الفنية الرفيعة.
صور الواسطي بطل مقامات الحريري أبو زيد السروجيفي السوق والمقبرة وأمام حضرة حاكم أو قاضي أو في سفينة أو جزيرة، ويرى فيها أيضاً عادات القوم في استقبال شهور رمضان أو موكب الحملة إلى مكة المكرمة وغيرها من مناظرات الحياة العامة والخاصة.
وعرف عن الواسطي ولعه بالجمع بين اكثر من منظر في المنمنمة الواحدة، فنرى في إحداها، مجموعة من الأصدقاء يقضون وقتاً ممتعاً في بستان، ونرى الأصدقاء وقد أحاطوا بحوض ماء، فمنهم من يضرب على عود ومنهم من ينظر إلى متطفل ظهر في الجهة اليمنى من المنمنمة، وخلف الحائط ظهر شاب يسوق الدواب التي تدير ناعوراً يزود الحوض بالماء.
ويتميز الواسطي أيضاً برسوم جموع الحيوانات، ولاسيما الخيل والجمال، ففي إحدى المنمنمات نشاهد صفاً من الخيول على ظهورها عدداً من الفرسان، وتمثل الاحتفال بنهاية شهر رمضان وقد رفع الخيالة بيارق وآلات موسيقية، وعلى البيارق كتابات بخط كوفي متقن، وقد نجح الواسطي في إظهار أدق التفصيلات ولاسيما الأرجل إذ ظهر بعضها مرفوعة للتميز عن الحركة.
وفي منمنمة أخرى، نرى قطيعاً من  جمال راعية، وهي منمنمة غاية في الروعة والتصوير، نجح الواسطي فيها في التعبير عن البعد الثالث نسبياً.
وبعض منمنمات الواسطي كانت ذو فائدة علمية وتاريخية كبيرة، إذ رسم في أحد منمنماته إحدى النساء المسلمات وهي تعظ الناس أو تلقي محاضرة على بعض الفقهاء والفقيهات في أحد جوامع الخلافة العباسية، وفي أثناء حكم الخليفة المستنصر بالله، وهو دليل على مشاركة المرأة الجاد في هذا الحقل.
وجمال منمنمات الواسطي ودقة تصويرها حمل أحد الباحثين على القول :(أن منمنمات مقامات الحريري التي زوقها الواسطي تعتبر بحق مدرسة متكاملة جمعت بين الرقة في الألوان والتعبير المتميز والواقعية البارزة وتفاصيل الحياة اليومية والجمع بين اكثر من منظر في المنمنمة الواحدة، وفيها نرى قمة تطور هذا الفن من حيث الصيغ الفنية والعناصر الزخرفية والألوان وغيرها من السمات التي تتميز بها المدرسة العراقية).


المصادر :
  1. حميد ، يحيى سلمان ، الواسطي يحيى بن محمود بن يحيى الرسام وخطاط ومذهب ومزخرف ،بغداد ،1972
  2. عكاشة ثروت ، فن الواسطي من خلال المقامات الحريري ، مصر 
  3. النعيمي ،ناهدة عبد الفتاح ، المرأة في رسوم الواسطي ، بغداد ، 1972.

شارك هذا الموضوع: