تمثل هذه الشروط ما يراه البلاغيون من خطوات على المبدع اتباعها بما يجعل الصورة التشبيهية حسنة تثير إعجاب المتلقي ، وتدفعه نحو البحث عن مضمونها وما تكنّه من فكرة أو معنى فان ((النص الأدبي الممتاز لا يقصد الى التشبيه بوصفه تشبيهاً فحسب، بل بوصفه حاجة فنية تبنى عليها الصياغة والتركيب، فهو وان كان عنصراً اساسياً يكسب النص روعة واستقامة وتقريب فهم، الأ انه يبدو عنصراً ضرورياً لأداء المعنى المراد من جميع الوجوه، لان في التشبيه تمثيلاً للصورة، واثباتاً للخواطر، وتلبية لحاجات النفس)).
توزعت رؤية البلاغيين لشروط الصورة التشبيهية على أركانها فوضعوا سمات خاصة للمشبه به والمشبه والوجه والأداة على النحو الآتي :
اولاً: المشبه به والمشبه/
يرى البلاغيون ضرورة أن يكون المشبه به مستوفياً لما وضعوه من شروط خاصة به وهي:
المناسبة بينه وبين المشبه : وأجازوا وجوده في النص الشعري بشرط تحقيق المنفعة بقوله: ((وإعلم أنّ الشيء إذا حوكي بالشيء، والمقصود محاكاة أحد فعليهما بالآخر، وكان في فعل المحاكى به، فأنه مستساغ في الشعر أن يحاكى المقصر بالمقصر عنه وأن يجعل مثله أو مربياً عليه اذا كانت الزيادة في ذلك الفعل مستحسنة بالنسبة الى ما يراد منه من منفعة أو غير ذلك)).
وقالوا ايضاً: ((لا تحسن محاكاة ذي مقدار كبير بذي مقدار صغير، ولا محاكاة ذي مقدار صغير بذي مقدار كبير، اذا كان بينهما تفاوت في ذلك. وكذلك لاتحسن محاكاة ذي لون بذي لون مخالف له مالم تقصد في ماتفاوت من ذلك وما تخالف محاكاة هيئة فعل او حال في المحاكى والمحاكى به فاذا قصدت محاكاة هيئة بهيئة لم تلفت الى تفاوت مابين الواحد والاخر من المقدار ولاتباين بينهما في اللون، ولذلك استحسن تشبيه الذباب بالقادح)).
قربه من النفس وألفتها له/ يظهر قصد المبدع واضحاً عندما يكون المشبه به في الصورة التشبيهية امراً واضحاً ومعروفاً، ولاسيما عندما يكون قريباً مما تألفه النفس فاقترن التشبيه بالوضوح فقالوا: ((ويشترط في المحاكاة التي يقصد بها تحريك النفس الى طلب الشيء والهرب منه ان يكون ما يحاكى به الشيء المقصود امالة النفس نحوه مما تميل النفس اليه، وان يكون ما يحاكى به الشيء المقصود وتنفير النفس عنه مما تنفر النفس عنه ايضاً. فأن مثل ما يقصد تحريك النفس الى طلبه بما من شأنها ان تطلبه، كان ذلك خطأ وجارياً مجرى التناقض))().
الطرافة والابتكار/ تمثل الصورة المبتكرة عند البلاغيين مصدر اثارة للمتلقي فاكدوا
على أن تكون الصورة التشبيهية متجددة وبعيدة عن المألوف والمتداول لأنّ نفوس السامعين تجد في كل جديد لذة فـ ((للنفوس تحرك شديد للمحاكيات المستغربة لأنّ النفس اذا خيل لها في الشيء ما لم يكن معهود من أمر معجب في مثله وجدت من استغراب ما خيل لها مما لم تعهده في الشيء ما يجده المستطرف لرؤية ما لم يكن ابصره قبل ووقوع ما لم يعهده من نفسه موقعا ليس اكثر من المعتاد المعهود)).
2.وجه الشبه/
اكد فخر الدين الرازي ابراز وجه المشابهة بقوله: ((لا يتعدى في التشبيه عن الجهة المقصودة)) ،ثم قال ((من اراد تشبيه الشيء بالشيء في هيئة الحركة وجب عليه ان يطلب الوفاق بين الهيئة والهيئة، مجردة عن الجسم وسائر ما فيه من اللون وغيره من الأوصاف)).
ومثّل لذلك بقول ابن المعتز:[الرمل]
وكأنّ البرقَ مصحفُ قارٍ،فانطباقاً مرةّ وانفتاحاً
((فلم ينظر من جميع أوصاف البرق ومعانيه الا الى الهيئة التي تجدها العين منه، من انبساط يعقبه انقباض)).
أما حازم القرطاجي فيرى أنّ من شروط الصورة التشبيهية الاختصار وعدم التكرار في بيان وجه الشبه بقوله: ((إذا كان معنى التماثل او التشابه منتسباً الى شيئين او اشياء مشتركة فيه كان الوجه الا يعاد ذلك المعنى مع كل واحدمن الشيئين او الأشياء، وان يكتفي بذكره مرة مع احد تلك الاشياء على نحو من العبارة يغنى بها فيه عن التكرار ايثاراً للاختصار، فيقدم محل التماثل أو التشابه على الأشياء المشتركة في ذلك او يؤخر عنها، وتورد تلك الأشياء متناسقه وتقديمه احسن)).
3-أداة التشبيه
تعدّ الصورة التشبيهية القائمة على التشبيه المضمر هي أبلغ وأوجز في التعبير عن المعنى فقالواـ((ان التشبيه المضمر ابلغ من التشبيه المظهر وأوجز. أما كونه ابلغ فلجعل المشبه مشبهاً به من غير واسطة أداة، فيكون هو إياه، فانك اذا قلت “زيد أسد” كنت قد جعلته اسدا من غير أظهار أداة التشبيه وأما كونه أوجز، فلحذف أداة التشبيه منه)).