هـو أبـو جــعفـر محمـد بـن الحسـن بـن عـلـي بـن الحســن الطـوسـي ، نـسبـة إلـى طـوس ، مـن مــدن خراسان التي كانت من المراكز العلمية الكبيرة آنذاك ، وقد « تخرَّج منها جماعة من العلماء والمحدثين قديماً وحديثاً »، وفضلاً عن كونها مدينة علم ، فهي تضم ضريح الإمام علي بن موسى الرضا ( ) الذي كان من العوامل المهمة التي أدَّت إلى بروز هذه المدينة علمياً ، فأخذ يؤم إليها عدد من طلاب العلم من كل حدب وصوب للتبرك بالعتبات المقدسة ، واخذ العلم منها.
ولد أبو جعفر الطوسي في رمضان سنة ( 385 هـ / 995 م ) في طوس ، ونشأ وترعرع فيها ، ولأنها من المراكز العلمية الكبيرة مثلما ذكرنا سابقاً ، كان لها الأثر في بروز شخصية الطوسي العلمية ، فدرس فيها الفقه واللغة والحديث والعقائد والأدب وعلم الكلام حتى بلغ الثالثة والعشرين من عمره سنة ( 408 هـ / 1017 م ) وفيها ارتحل إلى بغداد، ودرس على يد لشيخ المفيد فقيه الإمامية ، فلازمه وتتلمذ على يديه خمس سنين ، فضلاً عن تتلمذه على مجموعة من المشايخ منهم : الحسين بن عبيد الله الغضائري ، المتوفى ( 411هـ /1020 م ) إذ تتلمذ على يديه ثلاث سنين وكذلك تتلمذ على يد ابن الحاشر البزاز وابن أبي جيد وابن الصلت الذين توفوا بعد سنة 408 هـ.
وحينما توفي شيخه المفيد سنة ( 413 هـ / 1021 م ) لازم تلميذه والقائم بمسؤولية المرجعية والزعامة الدينية مقامه السيد المرتضى علم الهدى الذي جعل لكثير من تلاميذه مرتبات منظمة ، فكان أبو جعفر من التلاميذ المنقطعين إليه ، فأجرى عليه اثني عشر ديناراً شهرياً، وقضى في صحبته ثلاثاً وعشرين سنة إلى أن توفي سنة ( 436 هـ / 1044 م ) ، وبعد وفاة شيخه استقل الطوسي بمهمة الزعامة ، وبأعباء المرجعية العليا بعد أن أتم تتلمذه على يد هذين العالمين ( المفيد والمرتضى ) فصارت داره في الكرخ ببغداد مأوى الناس ومقصد الوفاد ، يلجأون إليها لحل المشاكل وإيضاحالمسائل ، وقد قصده العلماء والفضلاء من كل حدب وصوب للتلمذة على يديه ، والحضور تحت منبره ، حتى بلغ عدد تلاميذه ثلاثمائة من مجتهدي الشيعة ، واستمر هذا الامر حتى اضطرته الأوضاع السياسية ، ومضايقة السلاجقة له إلى ترك بغداد ، واللجوء إلى النجف الأشرف .
كان الطوسي في بغداد مرجعاً وزعيماً دينياً حتى دخول أول سلاطين السلاجقة طغرل بيك ( 447 هـ /1055 م ) ، الذي أشعل نار الفتنة المذهبية التي أدَّت إلى إحراق بغداد ، فأحرقت خزانة الكتب التي أوقفها أردشير، التي كانت تضم عشرة آلاف مجلد ، وأربعمائة مجلد من أصناف العلوم ، منها مائة مصحف مخطوط بخط ابن مقلة ، وفي سنة ( 448 هـ/ 1056 م ) زادت الفتنة حتى بلغت ذروتها ، فاضطهدت الشيعة في بغداد ، وكان نصيب الشيخ الطوسي منها كبيراً ، لأنه عالمهم ، فقد كبست دار أبي جعفر متكلم لشيعة بالكرخ ، ,فأخذ ما وجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام ، وأخرج إلى الكرخ ، وأضيف إليه ثلاثة سناجيق بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة ،
فأحرق الجميع، وقد أحرقت كتبه عدة مرات بمحضر من الناس.
وحكى جماعة أنه وشي بالشيخ إلى الخليفة العباسي أنه هو وأصحابه يسبون الصحابة وكتابه المصباح يشهد بذلك،وأنه ذكر في كتابه زيارة الحسين ( ) يوم عاشوراء وفيها : « اللهم خص أنت أول ظالم باللعن مني وابدأ به أولاً ثم الثاني ثم الثالث والرابع اللهم العن يزيد خامساً وعبيد الله بن زياد وابن مرجانة وعمر بن سعد وشمراً وآل أبي سفيان وآل يزيد وآل مروان إلى يوم القيامة … »
فأجاب الشيخ الخليفة بأنَّ المراد بالأول قابيل قاتل هابيل ، وهو أول من سنَّ القتل والظلم ، والثاني عاقر ناقة صالح ، والثالث قاتل يحيى ، والرابع عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب ( ) ، فرفع الخليفة شأنه وانتقم من الساعي وأهانه.
وبسبب هذه الحوادث المؤلمة ، والخطر المحدق اختار الطوسي النجف مقراً له ومركزاً لحركته الدينية ، لائذاً بجوار أمير المؤمنين ( ) ، وصيَّرها مركزاً للعلم
توفي الشيخ الطوسي ( رضوان الله عليه ) في ليلة الثاني والعشرين من محرم سنة ( 460 هـ/ 1067 م ) بالمشهد الغروي المقدس.
المصادر :
المرتضى ، علي بن الحسين ، تنزيه الأنبياء
ابن شهر آشوب ، رشيد الدين ابو جعفر محمد بن علي السروي المازندراني ، معالم العلماء
ابن طاووس ، عبد الكريم بن طاووس الحسني ، فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي ( )