(مسكوكات مدينة سلوقية دجلة مثالاً)

صورة الاله زيوس على مسكوكات الملك سلوقس الأول
(مسكوكات مدينة سلوقية دجلة مثالاً)
ا.د حسن حمزة جواد
جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الإنسانية
 
أسس الملك سلوقس الأول مؤسس الامبراطورية السلوقية ( سلوقية دجلة) في بلاد بابل نحو سنة 305 ق.م، وتقع اليوم أطلالها جنوب العاصمة بغداد بنحو 30 كم، يستدل على اهميتها السياسية والحضارية من موقعها الحيوي، وأعداد سكانها البالغ آنذاك نحو 600 الف نسمة، وكذلك مساحة اطلالها الواسعة وخصوبة أرضها، ووفرة مياهها من نهري دجلة والفرات، فضلاً عن كونها مقراً لولي العهد السلوقي وعاصمة شرقية للإمبراطورية السلوقية، مما دفعها الى ان تحظى برعاية واهتمام الملوك السلوقيين حتى بعد نقل مقر الحكم من بلاد الرافدين إلى سورية القديمة، فكان لها دار سك ميزها عن باقي المدن والعواصم السلوقية، لأهمية مكانتها السياسية والحضارية والاقتصادية بين المدن، وهذا ما دلت عليه اللقى الاثرية المتنوعة، ولاسيما المسكوكات الذهبية والفضية والبرونزية المدفونة الى اليوم تحت أطلالها. 
كان الاله زيوس أكثر الالهة اليونانية ظهوراً على مسكوكات الملك سلوقس الأول، ومن ثم صار الاله ابولو الأكثر ارتباطاً به بعد موته، على أنه لم يهمل أياً من الالهة الأخرى، المنتشرة في جميع أنحاء إمبراطوريته، على الرغم من محدودية الأدلة التي تشير إلى تكريس واهتمام سلوقس بالإلهة الأخرى، إلا أن طبيعته ممكن أن تدل على احترامه لجميع الديانات المنتشرة في أرجاء مملكته، اذ يصفه بوسانياس (Pausanias) على أنه الأكثر تديناً من بين الملوك، فضلاً عن ظهور زيوس وابولو على عملاته، ظهرت أيضاً الالهة اثينا والاله هرقل وميدوسا وغيرها من الالهة  .
قسم الباحث في علم المسكوكات الأمريكي (نيويل) في كتابه ( مسكوكات دور السك السلوقية الشرقية من سلوقس الأول إلى انطيوخوس الثالث ) مسكوكات الملك سلوقس الأول المضروبة في سلوقية دجلة إلى سلسلتين من الاصدارات، قسمت كل سلسلة إلى عدد من المجاميع، فكانت السلسلة الأولى تبدأ من سنة 305 ق.م، وتنتهي سنة 300 ق.م، اما السلسلة الثانية فتبدأ من 300 ق.م وتنتهي بسنة 280 ق.م، والأخيرة هي بداية حكم خليفته وشريكه في الحكم الملك انطيوخوس الأول ( 280 – 261 ق.م)، وجاء أو ظهر الاله زيوس في هذه الاصدارات بأشكال مختلفة، وعلى فئات مختلفة أيضاً، وأحياناً على وجه العملة ومرة أخرى على ظهرها، وبعضها بمفرده أو تشاركه الالهة نيكي او النسر، وعلى الوجه الآخر الاله هرقل، وأحياناً أخرى الالهة أثينا، وهي على عربة الكوادريكا (quadriga) المسحوبة من الفيلة، أو على عربة البيكا (Biga) . 
يمكن تقسيم صور الاله زيوس على عملات الملك سلوقس الأول إلى ثلاث أنواع رئيسة، ساد بعضها أغلب ارجاء الامبراطورية السلوقية، ومنها العاصمة سلوقية دجلة، عرف النوع الأول بزيوس ايتوفوروس (Zeus Aetophoros)، وهو الذي ظهر فيه زيوس حاملاً على يده اليمنى نسراً، وهو تقليد واستمرار لمسكوكات الاسكندر المقدوني ، اما النوع الثاني فهو المعروف بزيوس نيكيفوروس (Zeus Nikephoros)، وهو النوع الذي يختلف عن انماط وأنواع مسكوكات الاسكندر المقدوني، وتظهر فيه الالهة نيكي محل النسر في النوع السابق، اما النوع الثالث والأخير فهو المحتوي على صورة رأس زيوس على الوجه، وصورة فيل أو عربة تجرها الفيلة وعليها الالهة أثينا على الظهر . 
يستثنى من الأنواع الثلاثة السابقة مدينة واحدة ضربت مسكوكاتها البرونزية بزيوس الصاعقة والمرساة وهي سلوقية بيريا، التي ارتبط تأسيسها من قبل الملك سلوقس الأول مع أسطورة زيوس، إذ تم اختيار موقعها بواسطة صاعقة الاخير، أما الأنواع الثلاثة فكانت الأكثر شهرة وانتشاراً في أرجاء الامبراطورية، وتشكل الأنواع: (زيوس ايتوفوروس، وزيوس نيكيفوروس) غالبية المسكوكات المنتجة تحت حكم الملك سلوقس الأول. 
يظهر النوع الأول ( زيوس ايتوفوروس) بكثرة على مسكوكات مدينة سلوقية دجلة، وتحديداً في السنوات الأولى من عمل دار سكها، التي هي استمرار للعملات البابلية اسكندرية، أي تلك التي ضربت أو عرفت بإصدارات الاسكندر المقدوني، والاختلاف جاء في تغيير اسم الاخير ووضع اسم سلوقس بدلاً عنه، ويعتقد ( نيويل) أنها ضربت في السنوات الممتدة بين سنة 305 ق.م الى بدايات سنة 303 ق.م، لكي يظهر بعدها النوع الثاني ( زيوس نيكيفوروس)، وهو زيوس على ظهر العملة، ويحمل بيده الالهة المجنحة نيكي، التي ظهرت على السلسلة الصادرة من سنة 303 ق.م وحتى سنة 300 ق.م، اما النوع الثالث فيظهر بكثرة على مسكوكات سلوقية دجلة في السنوات 300 ق.م الى 281 ق.م، وفيه يكون الاله زيوس على وجه العملة وليس على ظهرها، ومعه الالهة اثينا وهي على عربة مسحوبة بالفيلة، كما شهدت السنوات الأخيرة من حكم سلوقس الأول عودة إصدار النوع الأول ( زيوس ايتوفوروس) في مدينة سلوقية دجلة، على فئة الدراخما والهيميدراخما مع انقطاع ظهور النوع الثاني ( زيوس نيكيفوروس) على مسكوكات سلوقية دجلة  . 
مما تقدم يظهر أن النوع الأول زيوس ايتوفوروس والنوع الثالث زيوس والالهة اثينا أكثر الأنواع انتشاراً في سلوقية دجلة، والنوع الثاني (زيوس نيكيفوروس) الأٌقل ظهوراً، الذي من الممكن أن يكون إصداره قد ارتبط بمناسبة معينة.
شهدت مدينة سلوقية دجلة في السنوات الاولى من حكم الملك سلوقس الاول اصدار وتداول مسكوكات تقليدية ضربت باسم الاخير الا انها على نماذج وتصاميم مسكوكات الاسكندر المقدوني، وكان زيوس على قفا تلك المسكوكات، يبدو ان ذلك يعود لمحاولة سلوقس لربط نفسه بالإسكندر المقدوني ومنح مسكوكاته ثقة أكبر في التداول. 
بعد اتخاذ سلوقس لقب ملك سنة (305 ق.م) وبعد نصره في ابسوس سنة (301 ق.م) شهدت سلوقية دجلة اصدار انواع جديدة من المسكوكات السلوقية، دلت على انتصارات الملك سلوقس الاول في حملته الشرقية وفي ابسوس وذلك باستبدال النسر الواقف على يد زيوس بإلهة النصر نيكي. كما سك سلوقس الاول انواع جديدة في سلوقية دجلة تمثلت بوضع رأس زيوس على وجه العملة وعلى الظهر صورة الفيلة الساحبة لعربة الكوادريكا وعربة البيكا وهذا النوع يمثل استقلال سلوقس في سك عملاته المعدنية. 
وصف الاله زيوس بانه كبير الالهة ورئيس المجمع الالهي في الاساطير اليونانية، له دور في الملوكية والسياسة فضلاً عن مكانته الدينية في معتقدات اليوناني القديم، كل هذه الصفات لابد ان تكون حافز ودافع رئيس لجعل صورة هذا الاله على وجه المسكوكات لاسيما انها تعبر عن افكار ومعتقدات الحاكم، الذي مازال يؤكد على ارتباطه بجذوره المقدونية وثقافته اليونانية. كما ان الصفات الالهية التي حملها الاله زيوس هي مشابهة للإلهة العراقية القديمة، بالخصوص الاله شمش والاله مردوخ، من الممكن ان يكون سلوقس الاول قد جامل رعاياه الشرقيين من البابليين بواسطة مسكوكاته التي حملت زيوس، والاخير عبارة عن صورة عن شمش ومردوخ.    
 
للمزيد انظر:
  1. E. T., Newell, The Coinage of the Eastern Seleucid Mints from Seleucus I to Antiochus III (New York: The American Numismatic Society, 1938.
  2. حسن حمزة جواد، مسكوكات ذهبية من مدينة سلوقية دجلة ستاتير الملك سلوقس الاول (311 – 281 ق.م) مجلة الباحث، العدد 38، السنة 2021م.
  3. باسل زينو، المسكوكات السلوقية في سورية (دراسة تاريخية – اثرية) رسالة ماجستير غير منشورة (جامعة دمشق: كلية الآداب والعلوم الإنسانية، قسم الاثار، 2011م).
  4. حسن حمزة جواد، احمد عبد الرضا لازم وكفاح عبد رسن طالب، البعد السياسي والديني لصورة الاله زيوس على مسكوكات مدينة سلوقية دجلة (305 – 281 ق.م) مسكوكات الملك سلوقس الأول مثالاً، مجلة الباحث، العدد الخاص بوقائع المؤتمر العلمي الدولي الثالث 18 نيسان 2024م، ص ص 870-871).

شارك هذا الموضوع: