يعد القلق رد فعل طبيعي في حياتنا اليومية، يظهر عادةً في مواقف الضغط أو عندما نواجه حالات غير متوقعة. ومع ذلك، عندما يصبح القلق مفرطًا أو غير مبرر ويبدأ في التأثير على جودة الحياة، قد يتطور ليصبح اضطرابًا يحتاج إلى علاج.
ويمكن تعريف القلق بأنه: استجابة طبيعية لشعور بعدم اليقين أو الخوف من المستقبل، ويتميز بمشاعر من التوتر والعصبية، وقد يرافقه أعراض جسدية مثل تسارع ضربات القلب والتعرق. وفي الأصل، يهدف القلق إلى تحفيز الشخص للاستعداد لمواجهة المخاطر المحتملة، ولكن عندما يصبح مستمرًا أو غير متناسب مع المواقف، قد يتحول إلى مشكلة صحية.
وتتنوع أسباب القلق بين العوامل البيولوجية والنفسية والبيئية، مثل: العوامل الوراثية والتوتر المستمر، والاختلالات الدماغية، والصدمات، وغيرها.
ويواجه العديد من طلاب الدراسات العليا مشاعر القلق والتوتر النفسي نتيجة التحديات الأكاديمية والشخصية التي تعترض طريقهم خلال مسيرتهم الدراسية، وتعود لمجموعة اسباب منها:
الضغوط الأكاديمية:
يتطلب البحث العلمي وإعداد الرسائل أو الأطروحات جهدًا ووقتًا كبيرين، مما قد يؤدي إلى الشعور بالإرهاق وعدم القدرة على مواكبة المتطلبات الدراسية.
التنافس والضغوط الاجتماعية:
المقارنة المستمرة مع الزملاء في بيئة أكاديمية تنافسية قد تزيد من الشعور بالتوتر والضغط النفسي.
التحديات البحثية:
هو الخوف من عدم تحقيق نتائج مرضية أو نقص الدعم من بعض المشرفين قد يكون مصدرًا مستمرًا للقلق.
التوقعات الشخصية والعائلية:
قد يضع الطلاب على عاتقهم توقعات مرتفعة، سواء من أنفسهم أو من عائلاتهم، مما يخلق ضغطًا إضافيًا وخوفًا من الفشل.
عدم وضوح المستقبل المهني:
القلق بشأن فرص العمل بعد التخرج والشكوك حول تحقيق النجاح في المجال المهني من العوامل التي تزيد من التوتر.
وأظهرت دراسة شملت 2279 طالبًا من 26 دولة أن أكثر من 40% من المشاركين يعانون من مستويات متفاوتة من التوتر، كما تبين أن حوالي 40% منهم يعانون من أعراض الاكتئاب المتوسط إلى الشديد. وفي دراسة أخرى نُشرت في مجلة Nature، تبين أن أكثر من ثلث طلاب الماجستير والدكتوراه يعانون من التوتر والاكتئاب والقلق بسبب الدراسة. شمل الاستطلاع الذي أجري على 6300 طالب من طلاب الدراسات العليا، وأظهرت نتائجه أن 36% منهم يعانون من هذه المشاعر السلبية، وهي نسبة مقلقة، خاصة أن العديد من هؤلاء الطلاب لا يطلبون المساعدة أو لا يعبرون عن معاناتهم. كما أظهرت دراسة أجريت عام 2018 أن 39% من طلاب الماجستير والدكتوراه يعانون من الاكتئاب، الذي يتراوح من متوسط إلى شديد. هذه الأرقام مثيرة للقلق مقارنةً بالطلاب في التعليم العام، حيث إن نسبة الاكتئاب بينهم لا تتجاوز 6%، مما يعني أن طلاب الدراسات العليا يعانون من الاكتئاب بمعدل يزيد عن ستة أضعاف مقارنةً بأقرانهم في التعليم العام.
فيمر طلبة الدراسات العليا بفترات من القلق والتوتر، وهو أمر طبيعي في هذه المرحلة المليئة بالتحديات. فالمفتاح هو التعرف على مصادر القلق واعتماد استراتيجيات فعالة لإدارته. وفي حال أصبح القلق يؤثر بشكل سلبي على الأداء أو الصحة النفسية، فمن الأفضل طلب المساعدة من مختصين في الصحة النفسية للحصول على الدعم اللازم.
وأخيرًا…
رغم أن القلق يعد أمرًا شائعًا بين طلاب الدراسات العليا، إلا أنه يمكن إدارته بفعالية من خلال تبني استراتيجيات مناسبة مثل تنظيم الوقت، طلب الدعم، وممارسة العادات الصحية، فالتعامل الجيد مع القلق لا يساعد فقط في تحسين الأداء الأكاديمي، بل يساهم أيضًا في جعل تجربة الدراسات العليا أكثر إيجابية وثقة.