طبيعة العلاقة بين البروجردي والكاشاني والسلطة في ايران 
ا.د.عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي 
قسم التاريخ – كلية التربية للعلوم الانسانية –جامعة كربلاء  
ترجع بواكير النشاط السياسي للحركة الإسلامية في ايران  الى عامي 1961- 1962  ولمعرفه ذلك  في اسباب  انبثاق الحركة في هذين العامين  هو لوفاه المرجع الديني السيد حسين البروجردي في 30 اذار  عام 1961  ووفاة خليفته من بعده المرجع الديني السيد ابو القاسم  الكاشاني في14اذار عام 1962  فعند وفاه ايه الله البروجردي عام 1961  كانت مراسيم تشيعه على مفارقه  كبيرة وبشكل منقطع النظير نبهت السلطة الايرانية عن حجم وقوة القاعدة الاجتماعية لدى مرجعية قم   اذا اهتزت ايران لتلك الحادثه  واعلنت الحكومة الحداد وعطله عامه  وتقاطر الناس على قم  من كل حدب وصوب  وأصبحو في تجمع كبير  جسد المنزلة الروحية للمرجع البروجردي وقوة مرجعيته وهذا الامر قد  أوقع الحكومة الإيرانية  في وهم كبير عندما  كانت تسعى جاهدة طيلة السنوات السابقة  الى اضعاف العلاقه بين المرجعية الدينية والشعب الايراني ونشر العلمانية على الطراز الغربي ،  ونفس الحال بعد وفاه ايه الله الكاشاني  اذ كان التشيع الشعبي له فريدا من نوعه  اذ حملت جموع المشيعين  جنازته على الاكف  من طهران الى مدينه( شهر ري ) واستغرق هذا التشيع ساعات طويلة  وبذلك أظهر  ان المرجعية الدينية التي اسسها الكاشاني قوية من الناحية الجماهيرية ويمكن  تبويب هذا الاصطفاف  باتجاه  عمل حركي منظم فبعد وفاة اية الله البروجردي  الذي كان يتمتع بمنزله كبيره في قم بل ان مرجعيته تحظى بتأييد الجميع  من داخل ايران وخارجه من المقلدين ، بل كانت الحقوق الشرعية  من الخمس والزكاه وامثالها  تسلم اليه لينفق على الشؤون الدينية  لبناء المساجد  وتوسيع الحوزة العلمية وتقويتها  وارسال الى المقلدين  المستضعفين حتى في خارج البلاد  وكانت حوزته العلمية مشهوره في مستواها العلمي الفذ  وكان قد تولى المرجعية في ايران بعد وفاه ايه الله السيد ابي الحسن الاصفهاني في النجف الاشرف  4تشرين الثاني 1946وكان في مستوى علمي عالي جدا يفوق بقيه المراجع الاخرين في ايران والنجف  وكانت مدرسته الفكرية ذو فلسفة عدم التدخل في السياسة وشؤونها  وعدم معارضة النظام بشكل علني او مواجهه بشكل صدامي مباشر واستغل هذه النقطه نظام الحكم البهلوي بالترويج  بان مرجعية قم بشكل عام لا تتدخل في شيء وتحاشي الاصطدام   او الاحتكاك بشؤون  الدولة ،ومن الجدير بالذكر  ان ايه الله البروجردي  كان يعلم   بالحكومة البهلوية  ما تمارسه من اعتداءات واعدامات واعتقالات ومصادرة الحريات الشخصية ورغم ذلك  كان البروجردي يرى  ضرورة وجود حكومة قوية وان كانت علمانية  بل حتى لو كانت مدعومة من قبل الاجانب  لان ظروف العصر كانت بحاجة إلى مثل هذه الحكومات  اما الادعاءات بعض الحركات الإسلامية الصغيره هنا وهناك  التي تطالب بالحكومة الإسلامية  فان البروجردي يرى انها لا تصل الى نتيجة حتميه  كما كان يعتقد ان الضرورة توفير الامن والامان  والظرف الاقتصادي الجيد وتجنب مخاطر العالم  وهزاته العنيفة بين الحين والاخر،  هذه الاعتبارات كانت مهمه عند المرجع الديني البروجردي  بل يرى بالتغيير الغير مدروس هو مثل تبديل الفاسد بالافسد على الرغم من معرفته  بمفاسد الحكومة الإيرانية البهلوية وادعائها بترويج الاسلام  ومصادره الحريات  ورغم ذلك  لا يحبذ  تغيير هذا النظام  خوفا من  يكون النظام القادم  يكون معاديا للدين او على الاقل متجاهل له  وبخاصه  بعد توسع نشاطات الشيوعية وهجومهم على الاسلام ومقدساته  لذا فان هذا المرجع الكبير  كرس كل حياته وجهوده ووقته للشؤون الغير سياسية  وكان اتجاهه الى الامور العلمية المثمره  طيله عمره بل يمكن القول انه  استطاع خدمة الحركة الإسلامية بتأسيس قاعده دينية حوزوية واسعة النطاق  وكانت ارضيه صلبه استند عليها الاسلام الحركي  وحتى السياسي.  اما  ايه الله الكاشاني  فقد كان يمثل الوجه الثاني لنهج العلماء والحوزة  الدينية  فهو لم يكن مؤمن بفصل الدين عن السياسة  بل ان الدين هو السياسة والسياسة هو الدين  وكان يعتبر المواجهة والمعارضة والاحتجاج وحتى الحرب والقتال والكفاح جزء من واجبه الشرعي  وهو لا يعرف مبدا المساومة والتسليم بل كان عدوا للنفوذ الاجنبي وان كان  يتخذ اي شكل من اشكال في ايران سواء كان استثماري أو دبلوماسي او غير ذلك  وعلى الرغم انه  لم يكن مثل شهرة ونفوذ واسع مثل البروجردي  الا انه تصدى للمرجعية الدينية العليا في ايران بعد وفاه المرجع الديني البروجردي  واستلمها بعد  عام 1961  وبذلك اشتدت حوله  سهام السلطة  عن طريق  التشكيك بنواياه  وخلق  تيار معارض  من داخل الحوزه الدينية في قم  معترضه على افكاره ونواياه واساليبه  وبخاصة ان السلطة الإيرانية كانت تريد  ان يكون المرجع الديني  من بعد البروجردي  هو من خارج ايران  ويكون من ارض مدينه النجف الاشرف لكي تتخلص من ضغط رجال الحوزة العلمية وتضعف شأنهم في ايران بشكل عام . ان القاعدة العريضة الحوزوية التي شكلها المرجع الديني البروجردي بعد عام 1946 والتي  أراد الكاشاني استثمارها بالاتجاه السياسي عام 1961 لم تظهر بشكل حركة اسلامية واضحة المعالم بسبب سهام السلطة البهلوية في الفتنة والتسقيط والتي اثمرت بعدم  وجود دعم مطلق  للكاشاني من الحوزه العلمية وطلبتها وساند هذا الاتجاه واستغلته  الحكومة البهلوية بنشر  ان نهج الكاشاني وتدخله في السياسة  وخلقه المشاكل والمتاعب للحكومات  امر مخالف للدين وشؤون الحوزه  ومخالفة لنظرية البروجردي الجانحة للسلم والهدوء والطمأنينة والسكون . وبالتالي ان وفاة الكاشاني عام 1962  شكل عامل ارتياح لدى السلطة البهلوية بل ارتياح سابق بوفاة البروجردي لان له مكانة واسعة رفيعة وقاعدة حوزوية كبيره في المجتمع الايراني  كانت تتخوف منه السلطة  فكانت مرجعية البروجردي عامل بمثابة الضغط الخفي  للسلطة الإيرانية المتخوفة من هذه القاعدة التي تتسع بين الحين والاخروسلاحها الفكر والعلم والثقافة،  اما الكاشاني  فكان يجهر بعلنيه  مقاومة السلطة الإيرانية ونفوذها  وكل من يميل لهذه السلطة  من التيارات الاجتماعية في ايران وقامت السلطه البهلويه في ايران  بعد وفاه هذين المرجعين  الكبيرين  بمحاولة أضعاف التيار الديني في ايران عن طريق سلسلة من الإجراءات التي تعزز القيم المدنية الانفتاحية بما يسمى الثورة البيضاء وتحويل أنظار المجتمع الايراني الدينية الى مرجعية النجف لكي تخفف من ضغط حوزة قم المقدسة.

شارك هذا الموضوع: