ظاهرة الحروف الدالة على المعنى الضمني المشترك في اللغة العربية
ظاهرة الحروف الدالة على المعنى الضمني المشترك في اللغة العربية
كثيرةٌ هي عجائب اللغات عمومًا، ولكنّ عجائب اللغة العربية لا تنقضي، كيف لا، وهي اللغة التي اجتباها الله سبحانه وتعالى واصطفاها لكتابه الخالد عبر امتداد البشرية.
وتكاد اللغة العربية أن تكون هي اللغة الأكثر عمقًا والأكثر حيوية، فضلاً عن تعقيد التراكيب النحوية التي تكتنف هذه اللغة العجيبة، والتي تحتوي على العديد من الظواهر النحوية والدلالية والصرفية والصوتية فضلاً عن الظواهر الإدراكية المعرفية.
ومن بين هذه الظواهر العجيبة هي ظاهرة الأصوات، أو لنقل الحروف، الدالة على المعاني الضمنية المشتركة بين مجموعة من الكلمات، إضافة الى الاشتراك الصوتي الدلالي في داخل الكلمات المتشابهة أو المقاربة في تركيبها الصرفي لمجموع الحروف المكوّنة لتركيب الكلمات، سواء أكانت أسماء أم صفات بل مطلقاً، مثل حرف الغين والراء والقاف في كلمة (غرق)، حيث كل حرف فيها يدل على معنى ضمني يدل على الحدث نفسه وهو (الغرق)، وهكذا.
وقبل أن نسيق الأمثلة حول هذه الظاهرة، لا بدّ أن نشير إلى أمر مهم، وهو أن هذه الظاهرة لم تحظَ بالبحث المشبع أو دراسة شاملة – في حدود فهمي – مع وجود بحوث منتشرة هنا وهناك أشارت الى هذه الظاهرة كمحاولة لإلفات النظر لها.
وسنذكر فيما يلي بعض الأمثلة حول هذه الظاهرة. ومنها على سبيل المثال لا الحصر: دلالة حرف (الغين) على الإخفاء والاختفاء وما شابه ذلك في مجمل أو معظم الكلمات (أسماء أو أفعال أو نعوت) في اللغة العربية:
(غطّى) الشيءَ فلم يعد يُرى.
(غابت) الشمسُ خلفَ السحاب فاختفت.
(غربَت) الشمسُ في الأفق فاختفت.
(غمرَهُ) الماء فاختفى ولم يعد يُرى. وشخصٌ (مغمور) أي شخصٍ متخفٍ أو غير معروف حاله بين الناس.
(غفرَ) الله ذنبه. وكأنه سبحانه وتعالى أخفى الذنب عن الناس أو عن الملائكة.
(غطسَ) الشيءُ في الماء، فلم نعد نراه، واختفى.
(غرسَ) النبتةَ أي أدخلها أو أدخل جذرها في الأرض فاختفى، أو غرسَ البذرة فأخفيت في باطن الأرض.
(غرقَ) الرجل في الماء، فاختفى ولم يعد يُرى.
(غاصَ) في الماء، بنفس الدلالة أعلاه.
(غفلَ) عن الشيء، كأنه أخفِي عنه، أو حاول هو إخفاءه أي (تغافلَ) عنه.
(غسقُ) الليلِ أي ظلمته التي حجبت النهارَ أو أخفت ضوءَ النهار.
(الغابةُ) وهي التي غيبتها الأشجار أو غابَ أو اختفى ما فيها عن الناس.
(غدرَ) بهِ، أي أتاه خلسةً وتخفيًا فقتله. أو خانهُ من ورائه.
(اغتالَه) أو أخذه غيلةً، أي أتاه خلسةً وبخفاء، فقتله.
(غطّ) بالنوم، أي غاب في نومه العميق.
(غشهُ) أي أخفى عليه الحسَن وأظهر أو أعطاه الرديء.
(غسلَ) الثوبَ بالنهر أي غمره بالماء أو أغطسه بالماء، ومعنى الإخفاء هنا واضح.
(اغتسلَ) هو في النهر وفيه دلالة على إخفاء بدنه في النهر.
(غلبَ) عليه الوجع، كأنه غطى بدنَه كلّه بالألم.
(الغيمةُ) بمعنى السحابة، وهي تخفي الشمس عادةً، و(الغمامة) كذلك بنفس المعنى.
(غارُ) الجبل، وهو المكان المخفي داخل الجبل.
(غِيضَ) الماءُ، أي قل واضمحل واختفى.
(الغيظ) هو الغضب المخفيّ داخل الصدر.
(الغم) هو ما يغطّي حالَ المرء بالهم والحزن.
(أغلق) الدار أو الصندوق أي أخفى ما بداخله عن الناس أو الأنظار بالغلق.
(غلّفَ) الشيء، وهو واضح المعنى في الدلالة على الإخفاء.
نكتفي بهذا القدر من الأمثلة فيما يخص حرف (الغين)، ويمكن تتبع ظاهرة بعض الحروف المشتركة بين الكلمات المختلفة التي تحتوي ذات الحرف، كحرف السين والحاء والخاء والراء والعين وحرف القاف، وباقي الحروف العربية الأخرى، آملين بأن تكون هناك دراسة معمقة وتستند الى القرآن الكريم أيضًا لسبر (أغوار) الظواهر اللغوية الرائعة في لغتنا العربية الجميلة.