عبادة الاصنام في الشعر الجاهلي
مريم ابراهيم لطيف/ قسم اللغة العربية/ ماجستير ادب عربي
مقدمة
عبادة الأصنام كانت أحد المظاهر الدينية المميزة في عصر الجاهلية، حيث كانت القبائل العربية تعبد مجموعة من الأصنام التي اتخذت لها مكانة كبيرة في حياتهم اليومية. لم تكن الأصنام مجرد تماثيل حجرية أو خشبية، بل كانت تمثل قوى دينية وروحية يعتقدون أن لها تأثيرًا كبيرًا في حياتهم، سواء كان ذلك في جلب النفع أو دفع الضر. هذه الظاهرة كانت حاضرة بقوة في الشعر الجاهلي، الذي يُعتبر وسيلة من وسائل التعبير عن الفكر والمشاعر في تلك الحقبة. من خلال هذا المقال، سنتناول معنى الأصنام لغةً واصطلاحًا، الفرق بينها وبين الأوثان، أنواع الأصنام التي كانت تُعبد في الجاهلية، والمكانة الاجتماعية التي كانت تتمتع بها في المجتمع الجاهلي، مستشهدين في ذلك بعدد من الأبيات الشعرية الجاهلية.
وعبد العرب الجاهليون الأصنام، وهي تماثيل أو صخور عرفت بتسميات شتى، تختلف باختلاف المادة التي صنعت منها. فما كان منها مصنوعا من الخشب أو الذهب أو الفضة على صورة إنسان فهي أصنام, وما كان منها مصنوعا من الحجر فهي أوثان. ونوع ثالث منها عبدوه وأطلقوا عليه اسم الأنصاب, والأنصاب نوع من “حجارة غُبْر منصوبة، كانوا يطوفون بها ويعترون عندها” يعترون: يقدمون لها العتيرة أي: الذبيحة, ويسمون الطواف بها: “الدوار”، وقد تكون الأصنام على هيئة حيوان أو طير، أو على أشكال أخرى (تاريخ العرب القديم، 2001م: 291).
الاصنام لغةً
وجاء معنى الصنم في مقاييس اللغة: ” (صَنَمَ) الصَّادُ وَالنُّونُ وَالْمِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ لَا فَرْعَ لَهَا، وَهِيَ الصَّنَمُ. وَكَانَ شَيْئًا يُتَّخَذُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ نُحَاسٍ فَيُعْبَدُ ” (مقاييس اللغة، 1979م  : 3/314).
وجاء في لسان العرب: ” صنم: الصَّنَمُ: معروفٌ واحدُ الأَصْنامِ، يقال: إِنَّهُ معرَّب شَمَنْ، وَهُوَ الوَثَن؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ يُنْحَتُ مِنْ خَشَبٍ ويُصَاغُ مِنْ فِضَّةٍ ونُحاسٍ، وَالْجَمْعُ أَصنام، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذكرُ الصَّنَمِ والأَصنام، وَهُوَ مَا اتُّخِذَ إِلهاً مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا كَانَ لَهُ جسمٌ أَو صُورَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جِسْمٌ أَو صُورَةٌ فَهُوَ وَثَن. وَرَوَى أَبو الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الصَّنَمةُ والنَّصَمةُ الصُّورةُ الَّتِي تُعْبَد. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ” (ابن منظور، 1993م: 12/349)
الاصنام اصطلاحاً
جمع صنم . وهو ما كان منحوتاً على صورة بشر، سواء عُبد من دون الله أم لم يُعبد . قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ) إبراهيم : 35، والفرق بينه وبين الوثن : أن الوثن : ما كان منحوتاً على غير صورة بشر، والظاهر أن الصّنم ما كان منحوتاً على أيّ صورة، والوثن بخلافه، كالحجر، وقد يطلق أحدهما على الآخر، ومن الناحية الشرعية : لا فرق بينهما، فكل ما عبد من دون الله تعالى فهو صنم ووثن (التمهيد، 1967: 5/45)
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ” مَا تَخِذُوهُ مِنْ آلهةٍ فَكَانَ غيرَ صُورةٍ فَهُوَ وَثَنٌ، فَإِذَا كَانَ لَهُ صُورَةٌ فَهُوَ صَنَمٌ، وَقِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الوَثَن والصنمِ أَن الوَثَنَ مَا كَانَ لَهُ جُثَّة مِنْ خَشَبٍ أَو حَجَرٍ أَو فِضَّةٍ يُنْحَت ويُعْبَد، وَالصَّنَمُ الصُّورَةُ بِلَا جُثَّةٍ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ جَعَلَ الوَثَنَ المنصوبَ صَنَمًا ” (ابن منظور، 1993م: 12/349).
الاصنام في الشعر الجاهلي
كانوا يعتقدون أن الآلهة تصحبهم في غزواتهم، وتقاتل معهم، وتنتصرهم على أعدائهم. فالإله يغوث كان يسير مع عبدته في حروبهم وغزواتهم ليحقق لهم النصر على أعدائهم (الاصنام، 1924م: 10) ، وهذا ما يشير إليه الشاعر الجاهلي بقوله :
وسار بنا يغوث إلى مراد فناجزناهم قبل الصباح.
لذلك لا نستغرب بعدها أن نرى أبا سفيان – في يوم أحد – يعتقد أن هبل يصحبه ويرعاه في المعركة، وهو الذي نصره على المسلمين يومها، فيصيح بعد المعركة: “أعلُ هبل” (اللسان: هبل).
ويبدو أنهم كانوا يعتقدون أن لكل آلهة جنودًا أقوياء تقاتل معهم في المعركة، وقد أشار لذلك أبو سفيان حين أسلم واعتذر للرسول الكريم مما كان مضى (السيرة النبوية ٢/٤٠١.)، بقوله:  :
لعمرك إني يوم أحمل راية لتغلب خيل اللات خيل محمد
كالمُدلج الحيران أظلم ليله فهذا أواني حين أهدى وأهتدي
كما أن بعض العرب كانت تتوجه إلى أصنامها قبل خروجها للمعركة كي تمنحهم الحماية، وتصحبهم في المعركة، لتنتصرهم على أعدائهم ولهذا يشير شاعر قريش عبد الله بن الزبعري السهمي، حين خرجت قريش لحرب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق (ديوانه، جمع الجبوري: ٢٩):
واذكر بَلاءَ مُعَاشِرٍ واشْكُرْهُمُ سَارُوا بأَجْمَعِهِمْ مِنَ الأَنْصَابِ
أَنْصَابِ مَكَّةَ عَامِدِينَ ليثربٍ فِي ذِي غَيَاطِلَ جَفْلَ جبجابِ
وأكثر الأصنام التي أقسموا بها كانت اللات، فهذا الحارث بن هشام بن المغيرة، سيد قريش يقسم باللات – كي يعظم قسمه – فيقول (السيرة النبوية: 2/13):
على أنني واللاتِ يا قومُ فاعلموا بكم واثقٌ أن لا تُقيموا على تبلِ
وأحياناً كثيرة كانت اللات تقترن بالعزى في الكثير من أيمانهم، فهذا أوس بن حجر يقسم بهما معاً (الاصنام: 17)، فيقول:
وباللاتِ والعُزّى ومَن دانَ دينَها وباللهِ إنَّ اللهَ مَهنٌ أكبَرُ
الخاتمة
في ختام هذا البحث حول عبادة الأصنام في الشعر الجاهلي، يتضح لنا أن الأصنام كانت جزءًا أساسيًا من الحياة الدينية والثقافية في المجتمع الجاهلي. لقد عبّد العرب الجاهليون أصنامًا متعددة تمثل آلهة وقوى يعتقدون في قدرتها على التأثير في مجريات حياتهم، سواء في الحروب أو في قضاء الحوائج اليومية. وقد تجلى ذلك في العديد من الأبيات الشعرية التي أظهرت إيمانهم العميق بهذه الأصنام وتقديسهم لها، مثلما كان الحال مع الإله يغوث، واللات، والعزى، ومناة. إن هذه الأصنام كانت ليست مجرد تماثيل خشبية أو حجرية، بل كانت تمثل رموزًا ثقافية ودينية قوية تمس جوهر الحياة الاجتماعية للقبائل الجاهلية.
كما تجسد هذه العبادة في الشعر الجاهلي، الذي كان وسيلة تعبير قوية عن هذه المعتقدات، حيث أشار العديد من الشعراء إلى تأثير هذه الأصنام في حياتهم اليومية. ورغم أن الإسلام قد جاء ليغير هذه المعتقدات ويهدم عبادة الأصنام، فإن الشعر الجاهلي ظل شاهداً على فترة كان فيها العرب يعتقدون أن الأصنام تعطيهم القوة والنصر. إن فهمنا لهذا الموضوع يسلط الضوء على علاقة الإنسان بالمقدس وتفسيره للعالم من حوله وفقًا للمعايير الثقافية والدينية التي كان يؤمن بها في ذلك الوقت.
المصادر
  1. ابن الزبعري السهم، عبد الله. (المحقق: الجبوري، يحيى). (١٤٠١ هـ / ١٩٨١ م). ديوان عبد الله بن الزبعري السهم (الطبعة الثانية). مؤسسة الرسالة.
  2. ابن الكلبي. (المحقق: زكي، أحمد). ( ١٩٢٤ م). الأصنام. دار الكتب.
  3. ابن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي، محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين. (الحواشي: اليازجي وجماعة من اللغويين). (1993 م). لسان العرب (الطبعة الثالثة). دار صادر – بيروت.
  4. ابن هشام. (المحقق: الإبياري، إبراهيم ورفاقه). السيرة النبوية. دار الكنوز الأدبية، بيروت، لبنان.
  5. برو، توفيق. (٢٠٠١م). تاريخ العرب القديم (الطبعة الثانية). دار الفكر.
  6. القزويني الرازي، أحمد بن فارس بن زكريا. (المحقق: هارون، عبد السلام محمد). (١٣٩٩هـ – ١٩٧٩م). معجم مقاييس اللغة. دار الفكر.
  7. النمري القرطبي، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم. (المحقق: العلوي، مصطفى بن أحمد، والبكري، محمد عبد الكبير). (1967 م). التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب.



شارك هذا الموضوع: