عبادة بن ماء السماء

أ . د محمد حسين المهداوي
ينتمي ( عبادة ) إلى أسرة عربية عريقة ، من الأنصار ، سكنت الأندلس في وقت مبكر ، وكان جدّه مناهضاً لوجود الأمويين فيها([i]) ، ولمعرفة هوية هذا الشاعر ، وانتمائه ، يتوجّب علينا متابعة أخباره في مصادر الدراسة الأندلسيّة والمشرقيّة ، ولاسيّما أخباره مع بني حمّود .
فهو عبادة، بن عبد الله، بن محمد، بن عبادة، بن أفلح، بن الحسين، بن يحيى، بن سعيد، بن قيس، بن سعد، بن عبادة ، الخزرجي ، الأنصاري، كذا ورد اسمه عند أبي الوليد الفرضي في كتابه ( طبقات الشعراء في الأندلس ) ، ولم يصل إلينا هذا الكتاب ، بل وصل إلينا كتاب آخر للمؤلف هو ( تأريخ علماء الأندلس ) ، وعن الأول نقل الحميدي في الجذوة([ii]) ، وابن بشكوال في الصلة([iii]) ، والضبي في البغية([iv]) وكذا ابن حجر في نزهة الألباب في الألقاب([v]). يكنّى الشاعر بأبي بكر ، ويلقّب بابن ماء السماء نسبة إلى جدِّه الأعلى ، ولعلَّ أول من سكن الأندلس من سلفه هو الحسين بن يحيى بن سعيد؛ إذ سكن قرية ( قربلان )([vi]) من أعمال سرقسطة . وكان للحسين هذا  موقف بوجه عبد الرحمن بن معاوية الداخل ، حتى استقرّت الأسرة في ظروف غير معروفة باتجاه الجنوب في طليطلة وقرطبة . وفي ظل الأحداث الدامية ، والأيام العصيبة التي شهدتها الأندلس في أواخر عصر الخلافة ، وسيطرة رجال القصر على الخلفاء من بني أمية ؛ فتح الشاعر عينيه  على الحياة ، وعلى الرغم من هذه الظروف نشأ الشاعر نشأة علمية ، ودرس اللغة والنحو على يد عالم قرطبة الشهير أبي بكر الزبيدي ( ت379هـ) ، وروى عنه كثيراً من مؤلفات المشارقة، التي نقلها أبو علي القالي في علوم العربية وآدابها ، حتى صار « من فحول الشعراء ، وأكابر الفضلاء ، وأئمة العلماء ، وسادة الأدباء ، وشعره كثير في الملح والفوائد، حسن الغزل والقصائد ، يتوقّد خاطره كالشهاب الثاقب ، ويجلو صيقل فكره صدا كل عام ذاهب »([vii]) . وذكر ابن بسّام أنّ عبادة هذا عاش في كنف الدولة العامرية([viii]) ، وكانت لعبادة علاقات وطيدة مع كثير من علماء وأدباء عصره مثل : الوزير أبي عامر بن مسلمة، والوزير أبي عامر بن شهيد ، وأحمد بن سعيد بن حزم ، وأبي بكر بن زيدون ؛ والد الشاعر المشهور ، وغيرهم ، مثلما كانت له علاقات طيبة مع المنصور بن أبي عامر، وقد مدحه في أكثر من مناسبة فيما يتعلّق بالجهاد ، ومرابطته بالثغور ، وغزواته الصيفية ، أو ما يعرف بالصوائف ضد الفرنجة ، ولكن ما يهمنا هنا علاقته مع البيت الهاشمي ، وهو ما سنفصح عنه من خلال قصائده التي قالها فيهم . ويبدو أنَّ الشاعر تنقّل في مدن الأندلس الجنوبيّة ، وقد اتخذ من مالقة سكناً له ، وتوفي فيها في شوّال سنة 419هـ كما في رواية ابن حيّان([ix])، إلاّ أنّ ابن حزم قال : إنّه كان حيّاً سنة 421هـ ، وابن حزم أعلم بالتواريخ ، ويبدو أن وفاته كانت بشكل مفاجئ ، وهو ما دفع بعض المؤرخين المعاصرين له إلى أن يختلقوا خبراً في تعليل وفاته ، وهو تعليل يصعب تصديقه([x]) .
هوامش
  • ينظر : أخبار مجموعة ، لمؤلف مجهول ، تح . لافونت : 112 – 115 .
  •  ينظر : جذوة المقتبس : 274 – 275 .
  •  ينظر : الصلة : 383 – 385 .
  •  ينظر : بغية الملتمس ، تح . فرانتسكو كوديرا وخوليان ريبيرا : 2 / 145 .
  •  ينظر : نزهة الألباب في الألقاب ، مخطوط ، الورقة 29 أ .
  •  ينظر : جمهرة أنساب العرب ، ابن حزم : 365 ، واسمها : Corbalan بالقرب من    سرقسطة وصحرائها ، مثلما ذهب إلى ذلك سادابا في : مجلة الأندلس : 25 / 339 ، وينظر :
  • Granja , Fernando de la , Ubada .B. Ma’al Sama – EI Brill , 1971.
  • Wilhem , Hoenerboch , Al andalusi Ubada .B. Ma’al Sama supoesia. R. andalusi Islamica iv-v , Granda 1980 .
  • أخبار الملوك: 140 .
  •  ينظر : الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ، تح . د. إحسان عباس : 1 / 478 . 
  • ينظر : المقتبس في تاريخ الأندلس ، ابن حيان ، تح. د. محمود علي مكي : 2 / 94 – 97 ، 134 ، 279 ، 290 .
  • قيل أنّه مات بسبب فقده مائة دينار، حزن عليها ، فمات بسببها . ينظر : جذوة المقتبس : الحميدي ، تح . محمد بن تاويت الطنجي : 275 .

شارك هذا الموضوع: