عتبة المقدمة في الفن الروائي
 بقلم /م.د. أمينة ثعبان يوسف
   ننطلق من أسئلة في افتتاح هذه المقالة التي تتناول العتبات المتمثلة بالمقدمات في الروايات إذ يتبادر إلى الذهن لماذا يلجأ المؤلف إلى المقدمة في الرواية ؟ وما وظيفة المقدمات كعتبة من عتبات النص ؟ وكيف كانت المقدمات في الرواية العربية ؟
      تعد المقدمة من العتبات المهمة التي تدخل إلى جانب النصوص الافتتاحية للنص عن طريقها يتم الإفصاح  عن غايات توضيحية عما هو غامض في النص ،أو تعطي تصورا معينا عنه لإثارة الانتباه ،أو طرح أسئلة يراد منها لفت انتباه القارئ ،أو إدراج وجهات نظر معينة بغية ترسيخها في ذهن  المتلقي .
  تختلف المقدمات من مقدمات ذاتية يكتبها مؤلف النص أو غيرية يكتبها شخص آخر غير مؤلف النص أو شخصية متخيلة يقدمها وقد اختلف النقاد في قضية وجود هذه المقدمات في النصوص الإبداعية فذهب بعضهم إلى عدم الحاجة لوجودها لأنها من وجهة نظرهم عتبة تشوش وتكشف بصورة غير مباشرة عن أسرار النص  وبعضهم ذهب إلى أنه لا حرج من وجودها ([1] )  لأن المقدمة لديهم ” وعاء معرفي وإيديولوجي تختزن رؤية المؤلف وموقفه من العالم،فالمقدمة إذن فضاء فسيح يتيح للكاتب العديد من إمكانات التعبير والتعليق والشرح ” ([2] ).
   كانت الغاية من المقدمات في الروايات التقليدية حماية النص من القراءة المغلوطة أو” تطوير بنية الوعي النقدي،نتيجة افتقاد الناقد آنذاك لعدة شروط ذاتية وموضوعية زيادة على هشاشة المحكي الذي كان يعبر عن تصور رومانسي فج للواقع والكائن في العديد من الكتابات ” ([3] )  وقد نجد  بعض تلك  المقدمات ما يصل ” إلى مائة وخمسين صفحة كما كان الحال عند عادل كامل في مليم الأكبر والعنقاء أو تاريخ حسن مفتاح للدكتور لويس عوض وهو ما نستنتج منه كذلك أن الفن الروائي في بداياته كان يتطلب التوضيح والتبيان كما في رواية زينب لهيكل ” ([4] ) وقد ظلت بنية الخطاب في المقدمات ” مسيرة متقطعة استطاعت أن تكوّن لها نفسا مراهنا على الاستمرار بمكونات كانت في البداية تكشف عن الوعي النقدي المنتج للنصوص والذي لم يكن وعيا نقديا بالمعنى العلمي بقدر ما كان إحساسا إرهاصيا ،ومجموعة خواطر شكلت ركاما خلّف تصورا له أهداف وظيفية ” ([5] ).
       أما المقدمات في روايات الحساسية الجديدة فلم تكن بهذا الوضوح والبساطة وإنما مالت إلى الالتباس وانفتحت على فضاءات التجريب والمغايرة لنجد روايات تخالف ما عهدناه من مقدمات واضحة يفصح فيها المؤلف عن بيان لبعض القضايا التي يريد إضاءتها للمتلقي أو الوعظ والإرشاد بل صارت تأكيد هوية هذا الجنس الروائي الجديد بعد أن قطع شوطا كبيرا في إثبات وجوده ووصوله إلى النضج الفني ([6] ) فقد أخذ ” لا يفتأ يطرح الأسئلة الحديثة كما يرمي بالطعم إلى القارئ الذي يتهيأ للرواية والذي لا بد له من شيء يفتتح به القراءة ” ([7] ).
 نتوصل من ذلك أن عتبة المقدمة قد تطورت وظائفها من مرحلة إلى أخرى  من مراحل الرواية .

شارك هذا الموضوع: