علي الوردي النشأة … وروافد بناءه الفكري المبكرة ( الحلقه الثالثه) .
شكلت مرحلة دراسته في المتوسطة والانتقال الى الكرخ ، تغييراً كبيراً اثر في تكوينه الشخصي ، ليس أقله الانتقال من زي (الملائية) الى البنطال والسترة والسدارة زي (الافندية)، انتقال حمل في طياته معنى ومعنى ، فهو ليس تغيير ملابس فحسب كما عدها الوردي نفسه ، بل تغيير رؤى وافكار ، كانت تصطدم مع واقع متخلف ، تمسك وسط حيوي من ناسه بكل ما هو قديم تقليدي رافض لكل مظهر من مظاهر التغيير والتجديد() .
فلا مراء اذ نجد الوردي في ذهابه وايابه الى المدرسة ، قد سلك مساراً عبر الازقة والطرقات الضيقة في الكاظمية ، تجنباً لما كانت ترمقه بعض اعين العامة من نظرات امتعاض واستهجان لارتدائه زي الافندية غير المقبول في وسطها ، بل ان البعض عدّ ارتداءه بيع (الدين بالدنيا) ، ومفسدة للسلوك القويم وابتعاداً عن الاخلاق الحميدة() .
لم تهن همته او تلن عريكته على الرغم من المعوقات والمعاناة الملاحقة لمسيرته الدراسية ، أذ كانت تزيده اصراراً وعزماً ، و لم يقنع طول سني دراسته في المرحلة المتوسطة دون الحصول على المرتبة الاولى بين اقرانه من التلاميذ ، متوجاً هذا التفوق بإحرازه المرتبة الأولى على عموم العراق في الامتحانات العامة (البكلوريا) صيف عام 1935() ، فكانت النتيجة مدعاة فخر وابتهاج استاذه المدرس ، وهو ما اثر في دفع مدير المدرسة الى تقديم توصية الى وزارة المعارف (التربية) ، لمنح الطالب المتفوق اعانة مالية شهرية تعينه على استكمال دراسته في المرحلة الاعدادية ، فوافقت الوزارة على منحه ديناراً ونصف شهرياً ، وهو امر لم يستمر طويلاً()، اذ سرعان ما انقطعت عنه المنحة ، وحولت الى طالب اخر بسبب المحسوبية والمنسوبية ، التي طالما عانت منها البلاد والعباد معاناة كبيرة ، فترك ذلك اثراً عميقاً في نفسه لازمه الى أواخر حياته() .
تدرج في فصول المرحلة الاعدادية حتى تخرج منها في عام 1937 ، وقد ازدادت معارفه الاولية ، وتعمق أكثر أفقه العلمي ، وازداد تفهمه لعلاقة الأصطراع بين مختلف تيارات المجتمع وعلى الصعد كافة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية ، خاصة واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان الوردي يومها كان ابن اربعة وعشرين ربيعاً الى جانب قراءاته الثقافية المتنوعة والمستمرة() .