عنوانُ المقالةِ: لمحاتٌ عن خصائصِ اللغةِ العربيّةِ.
        الباحثُ: عدنان محسن سلطان الطرفيّ.
       الدراسة: دكتوراه – اللغة العربيّة – تخصصُ اللغةِ.
          تعدُّ اللغة العربيّة وسيلة للتواصل والتعبير الفكري والسلوكي بين أَفراد المجتمع الواحد ، وقد منحها الله –جلّ وعلا – قدسيةً من دون سائر أَخواتها بأنْ جعلها آيةً من آياته ، إذ قال في كتابهِ الكريم:(( مِنْ ‌آياتِهِ ‌خَلْقُ ‌السَّماواتِ ‌وَالْأَرْضِ ‌وَاخْتِلافُ ‌أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ)) سورة الروم22 ، وهي واحدة من اللغات السامية وتُشبه اللغة العبرية كثيرًا ، وتختلفُ في مخارجِها عن أَكثر اللغاتِ الأوربية ، فيجدُ الأجانب صعوبةً كبيرة في النطقِ بها ، ونجهلُ تاريخ نشوء اللغة العربيّة كما نعرفها الآن ، ولكننا نعلم من الشعر العربيّ الذي قيلَ قبل ظهور نبينا الكريم مُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وآله وسلّم – بقرنٍ واحد أَنَّ اللغة العربيّة قد وَصَلت إلى درجة كمالها الحاضر .. حقًا تشتملُ اللغة العربية على لهجاتٍ كثيرة ، ولكن كتَّاب المسلمين أَجمعوا على أَنَّ لهجة قبيلة نبي الأَمة مُحَمَّد – صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وسلّم – تمتاز بأَنّها أَفصحُ لهجات العرب ، وكان من تأثير القرآن الكريم أنْ جعل من اللهجةِ التي كُتِب بها لغة عامَّة ،  فاللغةُ العربيّةُ ليستْ مُجرّد أَداة للتواصل بينَ أَفراد المجتمع الواحد بل حامل فكر أَبناءها ، وصورة لحياتهم ، وواحدة من المقومات الأساسية للعقلِ الإنساني المجتمعي .. من هنا تأتي العناية بها والمحافظة عليها ، لتميزها عن بقية لغات العالم في أَنّها تحملُ  أَبعادًا ثلاثية ، كالبعدِ الاجتماعي ، والديني ، والقومي ، إذ مكنها ذلكَ من أَنْ تُصهر في بوتقتها وعلى مدى كلّ الأزمان المُنصرمة  كلّ القوميات والمذاهب المُختلفة ، وأَنْ تُعبر في ظلِ حالة حضارية مُعتدلة ومُتوازية عن مجالاتِ المعرف الإنسانية والعملية على حد مُتساوٍ …  فضلًا على أًنّها تنماز بجملةٍ  من الخصائص قد لا توجد في اللغات الأُخرى من أبرزها السعة ، والتجدد ، والثراء ، فاللغةُ العربيّة لديها مخزون هائل من الجذور اللغويّة يمنحها القدرة على توليد كمٍ هائل من المفردات ، واستيعاب كلّ ألوان الأفكار المُتجددة الحديثة ، فهذا لعمري من ‌خصائصِ ‌اللغة ‌العربيّة إلى جوانب أُخرى من نمائها وتطورها كـالخصائصِ(الصوتية ، والصرفية ، والنحو-الإعراب- ، والدلالة) ، كُل هذهِ المميزات التي تميزتْ بها تميزت عن لغاتِ سائر البشر لا جرمَ أَنْ من يدريها حق درايتها لجدير بأَنْ يُقالُ فيه أَنّهُ عالمٌ جد عالم ، ومن أَغرب ‌خصائص ‌اللغة ‌العربيّة أَنْ الناطقين بالضاد إذا عدّوا المعدود إلى العشرة جمعوه وإذا تجاوزوها أفردوه ، فيقولون مثلاً: ثلاثة رجالٍ إلى عشرة رجالٍ ، ثم يقولون أَحد عشر رجلاً ، وعشرون رجلاً ومائة رجلٍ وأَلف امرأة ، ولم يعترضْ النحاةُ لذكر سبب هذه الحالة الغريبة ، بيد  إنّي أَرى سببها بأَنَّ العربَ كانوا في جاهليتهم قومًا أُميين أَجلافًا لا يعرفون من العددِ ، والمعدود معرفة تامة مثبتة إلاّ بقدر ما عندهم من الأَصابع في أيديهم ، ولهذا سموه جمع القلة ، أَمّا إذا تجاوزوهُ فإنّهم يرتبكون في عده ويضطربون فيقعون في الخطأ ؛ لهذا أفردوا المعدود بعد ما فوق العشرة وسموهُ جمع الكثرة كأنّهم يشيرون إلى أَنَّ ما يعدونهُ بعدها يحتملُ زيادة واحد أَو نقصان واحد  ، فقولهم مائة رجلٍ معناه مائة (من رجال بزيادة) ، وإتيان الماضي فيها بمعنى المستقبل وبالعكسِ ، نحو قولهُ تعالى:(( ستجدني إن شاء الله من الصابرين)) سورة الصافات: 102. فهذا ماضٍ(أي شاء) يدلُّ على مستقبل ، وإنّهُ من الضروري الذي لا مفرَّ منهُ في عملٍ من هذا القبيل ألاّ يغفلُ عن متابعة هكذا خطوات في لغتنا العربيّة، لنحفظ قواعدها من زُللٍ كثيرة ، كتغير المعنى بمعزلٍ عن الحركاتِ ، واستنباط نتائج يؤدي إلى رصانتها.
          أَمّا بشأن مزية أُخرى انمازتْ بها لغتنا العربية فهي التنوينُ فمن المُقرر ‌أَنّهُ من خصائصِ ‌اللغة ‌العربيّة التي تستعملُ كثيرًا ، والتي تؤثرُ في معنى الكلمات تأثيرًا كبيرًا ، ومن الغريب أَنَّ كتب قواعد اللغة العربية لا تذكر شيئًا عنهُ إلاّ في حدودٍ ضيقة هامشية ضمن موضوع (الممنوع من الصرف) ، وفي صدد(إعراب الممنوع من الصرف) ، وإذا أَجلنا النظر في هذا البحث وجدنا فيهِ استعراضًا طويلًا للكلماتِ التي لا يجوزُ أَنْ تنون ، ولكيفية إعراب تلكَ الكلمات من دون أَنْ نجد فيهِ إشارة إلى مواطنِ استعمال التنوينِ ، والمعاني المُستفادة من التنوينِ ، والعلاقةُ الموجودة بينَ التعريفِ والتنوين ، فمن المعلومِ أَنَّ بعض اللغاتِ محروم ممّا يشبهُ الجملة الاسمية ، لأَنَّ كلمةَ جملة فيها تحتوي على فعلٍ ، ولو كان من النوعِ الذي يدلُّ على الكينونة والصيرورة ؛ غير أَنَّ اللغة العربيّة لا تدخلُ في عداد تلكَ اللغات ؛ لأَنّها تساعدُ على تكوين جمل بدون أَفعال ؛ فتميّزُ الجملَ الاسمية من الفعلية ، ودرسَ كل منها على حدة ، يكون أقرب إلى طبيعة اللغة العربيّة ، وأُوّفقُ لمقتضياتِ أُصول التدريسِ.


         ووفقَ ما تقدّم أَرى ضرورة دراسة اللغات السامية دراسةً مُقارنة للإفادةِ منها في فهمِ ‌خصائص ‌اللغة ‌العربيّة ، ولحل بعض مشاكلها في النحو ، والصرف ، والألفاظ ، وقد بذل المستشرقون -والحقُ يُقالُ- جهودًا يشكرون عليها في دراسةِ هذهِ اللغات دراسة مُقارنة ، ولدينا اليوم مؤلفات كثيرة في هذه الدراسة ، وَلَعَلَّ مِنْ ‌خَصَائِصِ ‌اللُّغَةِ ‌الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْوَحْيُ الْإِلَهِيُّ، القرآن الكريم، أنها في معنى الوسطية، لا تنحو منحى ماديًا في اعتبار الوسط موقعًا بين طرفين، أو درجة بين الأعلى والأدنى ، بل يظهر في معنى الوسطية اللغوية، أَنّها الفضل والعدل والأجود ، كما يظهر فيها أيضًا بدلالة اللغة، أنها الوسط بين طرفين، وبذلك يكون اللفظ جامعًا لمعانٍ مُتعدّدة ، ممّا يسهمُ في فهم شامل لمعنى الوسطية الإسلامية ، وفي بيان مجالات تطبيقها، بحيثِ تصبحُ الأُمة الوسط في الآية الكريمة:(( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)) سورة البقرة: ١٤٣، هي أمةُ الخيرِ، والعدل ، والشهادة ، والتوسط بينَ الأمورِ.
                               
المصادرُ والمراجع
  1.  حضارة العرب: غوستاف لوبون ، ترجمة: عادل زعيتر ، الناشر: مؤسسة هنداوي للنشر والثقافة القاهرة– مصر ، عام النشر: ٢٠١٢م.
  2.  مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية: الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، الناشر: موقع الجامعة على الإنترنت ، أعده للشاملة: أسامة بن الزهراء.
  3.  مجلة لغة العرب العراقية – مجلة شهرية أدبية علمية تاريخية ، صاحب امتيازها: أَنِسْتاس ماري الألياوي الكَرْمِلي ، بطرس بن جبرائيل يوسف عوّاد (ت١٣٦٦هـ) ، المُدير المسؤول: كاظم الدجيلي ، الناشر: وزارة الأعلام، الجمهورية العراقية – مديرية الثقافة العامة ، تم طبعها: بـمطبعة الآداب ، بغداد.







































شارك هذا الموضوع: