أحمد مزهر إبراهيم
كلية التربية للعلوم الإنسانية
قسم اللغة العربية
طالب في مرحلة الدكتوراه
فقه العجائز
على الرغم من تطور الحياة ودوران عجلة العلم بشكل متسارع ووصول المعلومة من منبعها بيسر وسهولة ، إلا إن بعض المجتمعات وخصوصا بلدان العالم الثالث وبالأخص في قارتي (أفريقيا وآسيا) لازلنا نعيش تحت وطأة الكثير من المعتقدات والخرافات، والادهى من هذا وذاك ما نسعمه يجري على السنة ممن يعدون أنفسهم على الطبقة المثقفة، مع تغييب كامل لمنظومة العقل، فلازالت بعض المجتمعات بصورة عامة والاشخاص بصورة خاصة، يعتقدون بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، فضلا عن إنها لا تصمد أمام النقد، فنرى في الأعم الأغلب أناس لايزالون يعتقدون إن من النحس والطالع غير الموفق إتمام الطريق أو العمل المتوجه به بعد سماع أحدهم يقوم بالعطاس أو عندما يتوجه إلى عمل ما، أوينده أو يصيح أحدهم خلفه، فهو يعتبره بمثابة التنبيه والتحذير بعدم القدوم على هذا الفعل، وانما هي اشارة الى ان هناك مكروه سيصيبه ان ذهب. وهذا الأمر ليس بالجديد فلو عدنا الى تراثنا الادبي مثلا نجد من هذه الحكايا والقصص الكثيرة، فقد كان يعتقد بشكل عام، ان التطير والتشاؤم من الطير موجود فمثلا في العصور الجاهلية هناك مهام وإشارات تقوم بها بعض الطيور لتأدية مهمة أو عمل ما فالعرب الجاهليون كانوا يؤمنون بأن هناك طائرا خرافيا يخرج من هامة المقتول ويظل يطير حول قبره صائحاً: إسقوني إسقوني. يريد سقيا الدم بالثأر فهو متعطش لدم القاتل. فإذا قتل القاتل إرتاحت روح المقتول وسكنت وإلى ذلك ما اشار اليه الشاعر الجاهلي ذو الإصبع العدواني في إبن عمه:
يا عمروُ إن لم تدعْ شتمي ومنقصتي
أضربْك حتى تقول الهامة: إسقوني
ومما تزخر به كتب الأدب العربي من هذه الحكايا والأساطير أيضا، قصة النابغة الذبياني أحد شعراء العصر الجاهلي، والذي إجتمعت فيه كلمة النقاد على أنه أحد شعراء الطبقة الأولى إن لم يكن رأس هذه الطبقة بعد امرئ القيس وهو محكّم شعراء العرب ما قبل الإسلام، فقد سار بشعره ما سار عليه ممن يعتقدون بالكثير من هذه الاساطير والخرافات التي ينذر بها طائر الغراب الى ذلك قوله:
زعم البوارح أنّ رحلتنا غدا … وبذاك خبرنا الغراب الأسود
ولكن مما يؤسف له ان هذه الخرافة وان لم تكن مشابهة لما ذهب إليه أصحاب العصر الجاهلي إلا إنها قريبة جدا من نمط تفكيرهم، حتى في عصرنا هذا فعلى سبيل المثال لا الحصر إن في زيمبابوي و ومالاوي يعتقدون أن وقوف طائر أبو قرن على سطح المنزل سيجلب الحظ السيئ لشاغلي المنزل. وإذا ظهرت طيور أبو قرن في مجموعات ذات أعداد فردية، فهذا يعتبر علامة على الموت. إما في تنزانيا فالأمر لا يختلف كثيرا، فانه يُنظر إلى الطائر على إنه حامل للأرواح الميتة والأرواح الغاضبة.
ولكن مما يؤسف إليه حقا إن بعد كل النعم التي أنعم بها الله علينا وخصوصا الثورة التكنلوجية وإن العالم اصبح قرية صغيرة، لازال الكثير ممن يعمدون الى تأصيل الجهل والخرافة، ليرسموا لنا مستقبلا مجهولا من خلال بعض الكلمات المعسولة التي تدغدغ مشاعرنا، والهدف معروف وواضح كوضوح الشمس في رابعة النهار، هو تعميق الإرتباط بالخرافة والتمسك بالأمل الزائف وتغييب العقل والانسياق نحو حملة التجهيل، فسيوف الجهل أشد مضاضة من سيوف الظلاميين والتكفيرين، الذين يريدون سحب الأخرين إلى مستنقع الخرافة حتى إختلط الحابل بالنابل، وتداخلت الأوراق بين ما هو خرافة محضة وبين ما هو مأثور من السنة النبوية الشريفة وحياة ائمتنا الاطهار (عليهم السلام) ، فعلى الرغم مما قدمته هذه المنظومة المتكاملة المنظومة الدينية وكيف إن الإسلام الحقيقي قد أبطل الكثير من هذه العادات والتقاليد والخرافات.
إلا إن بعض البشر لازال يركب هواه متقيدا بالموروث الذي تغللت في الخرافة وتشربت فيه الى فكره وسلوكه، فحسبنا قول الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) إنه قال (لا هامَّة ولا نَوء ولا طِيرَة، ولا غول) فهل سنرجح قول سيد الرسل (صلى الله عليه واله وسلم) على موروثاتنا وفَقائِهُ العجائز؟