فن المقالة عند الدكتور علي جواد الطاهر
(وراء الفق الأدبي) مثالا  
 
   إنّ من أبرز ما تميز به الدكتور الطاهر في حياته الأدبية هو كتابة المقالات الادبية (فكتب المقالة التي تترقق فيها روح الشعر, وله في ذلك مقالات وراء الافق الأدبي, وأساتذتي ومقالات أخرى, والباب الضيق, والباب الواسع الذي هو مقالات نشرها في جريدة الثورة, ولم يجمعها كتاب, وكلها مقالات تلتقي على ما ينظمها من الامتاع, والافادة عبر طراوة الصياغة, وبراعة الادارة, وقد ألقت مقالاته الأدبية بظلها على مقالاته النقدية).
   ولا تنطلق المقالات الا من شأن من شؤون الأدب يقتضي نظرا ومعالجة, كأن يرى الطاهر ما يثير السخط في حقل الادب فلا يقف من ذلك موقف الباحث تحليلا وتعليلا بل يستثمر الباعث في صياغة أدبية تفصح عن معنى السخط افصاحا يلتقي فيه التهكم بالسخرية من خلال حيوية الأسلوب .
      واذا بدت مقالات الدكتور الطاهر معتزة بشكلها الأدبي فلها ان تعتز بمضمونها ذي الرسالة الثقافية القائم على نقد ما هو فاسد وفضحه, غير أن الطاهر يرى سمو الموضوع امرا مفروغ منه وهو كائن لديه في كل ما يكتب فيتجه بعناية الى شكل المقالة وانتقاء لفظها وحسن ادارتها على نحو من انحاء السمر والالفة والى نشر مقالته على صفحة آفاق من جريدة الجمهورية حتى اذا اجتمع لديه قدر صالح مما نشر فيها وفي غيرها ضمنه بين دفتي كتاب اسماه (وراء الافق الادبي) وجعل تحت عنوانه كلمة (مقالات) الصادر عام (1977م) دلالة على نمط الكتابة.
   لقد حقق الطاهر في حقل المقالة الادبية شيئا كثيرا صاغها بلغة حية طرية يتسرب اليها الفكر والعاطفة على اعتدال متوازن وبناها بلباقة وإحكام فلا فضول هنا ولا قصور هناك وجعلها شائقة تقرأ وتستعاد.
   ويمكن للناظر في صفحات كتاب (وراء الافق الادبي) أن يرى ثلاثة انواع من المقالات وهي:
ـ المقالة الشخصية: وهي المقالة التي تكون فيها شخصية الكاتب واضحة وجلية ومستهوية قارئها بأناقتها وحسن بيانها (الباعث عليها شخصية بينها وبين الكاتب وشيجة يستوقفه شأن من شؤونها فيروح يقلب ذلك الشأن على وجوهه المختلفة وينظر في زواياه من خلال صياغة طرية وادارة يستهوي بها القارئ), ويقع ضمها مقالات كتبها الطاهر عن شخصيات كانت لهم مكانة في نفسه وفي المجتمع ومن امثلة تلك المقالات (الجواهري وحده) و ( يوسف الصائغ حاله) و(محمد عوض محمد) وتنماز الشخصيات في هذه المقالات بأن (الاعجاب سيد الانفعال بالشخصية فلا سخرية ولا تهكم بل هو معجب , محب, متعاطف, ليس غايته أن يدرس من يكتب عنهم هنا لكنه يريد أن يجلو انفعاله بهم)
ــ مقالة القضية: وتكون هذه المقالة معبرة عن رأي او فكرة يعتقد الكاتب بصحتها ( فقد كانت القضايا التي بنى الطاهر عليه مقالاته يتصل بعضها بظواهر اجتماعية وتصل البعض الاخر بشؤون الادب) ومن المقالات التي عالجت موضوعا اجتماعيا مقالة ( من احذية بيكاسو الى احذية المتنبي) ومقالة (مرض العالمية) .
ــ مقالة البوح: في هذا النوع من المقالات يبث الكاتب فيها ما يختلج في نفسه من اسرار قاصدا ذلك البوح لذاته ويفضي بمكنون نفسه الى القارئ افضاءً سمحا لينا, وأن يحدثه بلواعج قلبه مثلما يفعل الشاعر الغنائي, ولعل من امثلة مقالات البوح التي وردت في كتاب (وراء الافق الادبي) مقالة تحت عنوان (شيء في الجو).
 

شارك هذا الموضوع: