قبيلة تغلب والديانة النصرانية  (القسم 1)       
                                         أ.م.د. علي ذياب محيي العبادي   
   
تعد قبيلة تغلب بن وائل من القبائل التي قيل عنها بأنها نصرانية الديانة ، كما قيل في كثير من القبائل في العصر الجاهلي  ، ولعل هذا الرأي ولد خلافا كبيرا بين الباحثين من عرب ومستشرقين ، لذا وددنا أن نبين هنا ذلك الخلاف بعد الوقوف على جميع تلك الآراء التي قيلت في ديانة تلك القبيلة التي قال عنها أبو عمرو بن العلاء(154هـ ) ( لولا مجيء الاسلام لأكلت تغلب الناس ) .
جاء في كتاب  المستطرف في كل فن مستظرف لشهاب الدين الأبشيهي المحلي (850هـ ) أن النصرانية كانت في ربيعة وغسان وبعض قضاعة ، وبناء على ذلك فقد خصص لويس شيخو في كتابه شعراء النصرانية في مفتتح الجزء الخامس قسماً كاملاً لشعراء نجد والحجاز من تغلب وقضاعة واياد بني عدنان ، وذكر فيه شعراء تغلب وشواعرها ، لذلك عندما ترجم للشاعر جابر بن حني قال ( جابر بن حنى كان شاعراً نصرانياً مقدماً ، وقد تفاخر بدينه في شعره : 
 
              وقد زعمت بهراء أن رماحنا      رماح نصارى لا تخوض الى الدم 
 
وجابر بن حنى كان مع أمريء القيس حين خرج الى الروم مستنجداً بقيصر ) .
وقد رد على هذا القول محققا المفضليات حين قالا في هامش ترجمة الشاعر جابر بن حنى     ( وقد زعم لويس شيخو في شعراء الجاهلية أن جابر بن حنى كان نصرانياً ، واستدل على ذلك بالبيت 22 من هذه القصيدة على أنه يفخر بنصرانيته ، وهو بهذا البيت أبعد ما يكون عن النصرانية ) .
أما المستشرق بلاشير فيرى ( أن قبائل جذام وتغلب وعاملة هي مسيحية ، ولكنها مسيحية سطحية ، وان السرعة التي اعتنقت بها القبائل المذكورة الاسلام للدلالة على رقة ايمانهم بالمسيحية ، والخلاصة فأنها ( أي المسيحية ) لم تخلق من أجلهم لأنها جهلت بغض جوانب النفسية العربية ، ورأى الكثيرون منهم ( من العرب ) أنها ديانة دخيلة تحمل طابع الغزاة فلقيت مقاومة المغلوبين ) .
لكن عمر فروخ له رأي يخالف ذلك جملة وتفصيلاً اذ يقول في معرض رده ( ليس في ما بين أيدينا من النصوص الأدبية اشارة الى ذلك ، من قرب أو بعد ، وتسرب النصرانية الى نفر من العرب لم يكن من الأهمية بحيث يصبح عنصراً من عناصر الحياة الجاهلية …. ثم أن جميع الشواهد التي قيلت أنها لشعراء نصارى ليس فيها سوى كلام في الزهد وذكر الله والموت ، مما ليس خاصا بدين معين ) .
فيما يرى البستاني ( أن العرب ، مع اشراكهم وتعدد معبوداتهم ، كانوا يميلون في جملتهم الى التوحيد ، ويتقربون الى الله بعبادة الأصنام والكواكب كأنهم يجعلونها ذرائع للوصول اليه ، ولاريب أن اليهودية والنصرانية كان لهما يد فعالة في توجيه الفكر العربي الى الوحدانية )،
علما أن البستاني أشار في موضع آخر الى أن النصرانية انتشرت في قبائل ربيعة وكندة وقضاعة وجذام وغسان وتميم . وتغلب من ربيعة . 
الا أنه عاد ليقول من جديد أن النصرانية التي شاعت في قبائل العرب لم تكن صافية خالصة ، لأنهم أخذوها في الغالب عن المبتدعة المارقين . وهو بذلك يدفع النصرانية عن قبائل العرب للأسباب التي ذكرها.
ويبدو أن هناك رأياً جديراً بالاهتمام صرح به الدكتور ناصر الدين الأسد حين قال ( واذا كان يحلو لبعض الباحثين أن يجعلوا لأهل الكتاب في الجاهلية سهما في الحضارة أوفر من سهام الأميين _ ولعلهم على شيء من الحق في ذلك _ فمن يكون أهل الكتاب أولئك ؟ وكيف يغرب عنا أن نصارى بلاد العرب ويهودها لم يكونوا _ ما عدا قلة قليلة من الوافدين _ غير قبائل قد تنصرت وتهودت _ قبائل كاملة بقضها وقضيضها ) .
وبعد التتبع وجدنا أن الدكتور الأسد قد ذهب الى ما ذهب اليه ابن حزم في كتابه الجمهرة حين قال ( فيقال أن إياداً كلها ، وربيعة كلها ، وبكر ، وتغلب ، والنمر ، وبد القيس كلهم نصارى ، وكذلك غسان ، وبنو الحارث بن كعب بنجران ، وطي ، وتنوخ ، وكثير من كلب ، وكل من سكن الحيرة من تميم ولخم وغيرهم ) .


 
 
                    
 


شارك هذا الموضوع: