وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
كلية التربية للعلوم الانسانية
جامعة كربلاء / قسم التاريخ
قدسية الأمومة وعبادتها في عصور ما قبل التاريخ في العراق القديم في ضوء المعطيات الآثارية
أ.م.د خلود حبيب كريم الحسناوي
تاريخ قديم
تعد الام مكانة مقدسة على مر العصور التي تربعت على عرش الكون، لذا إنَّ للأمومة مكان مميز في كل عصر من العصور وفي كل وقت من الاوقات. لكن لم يتسنى لكثير من قراءنا عن اهمية الأمومة ومكانتها في عصور ما قبل التاريخ لاسيما العصر الحجري الحديث، إذ كانت تلك العصور الموغلة بالقدم لم تمدنا بمعلومات مؤكدة وذلك لعدم وجود وثائق مدونة سوى المخلفات المادية التي تركها الانسان القديم في الكهوف والملاجئ الجبلية والأكواخ التي اتخذها مسكناً له، واهم تلك المخلفات هي التماثيل والمعابد والقبور والتعاويذ والرسوم وعظام الحيوانات والفخار وغيرها.
ومن التماثيل المهمة التي اثارة فضول الاركولوجيين والمؤرخين في تحليل مكانتها التماثيل المتمثلة بشكل نساء وتكون انواعها من العظام والعاج والحجارة والطين وتعود البدايات الاولى في اكتشافها الى العصر الحجري الحديث (النيوليتية ) إذ ان اكتشاف الزراعة في ذلك العصر قد افرزت ديانة جديدة عرفت بديانة الخصب واستندت تلك الديانة على عبادة الالهة الام (Mother Goddess) ، بينما كان الرجل منشغلاً في صيد الحيوانات والطرائد وجمع القوت، وكانت المرأة ملازمة لأبنائها تقضي وقتها في جمع الحبوب، وتربيتهم، ومن ثم توصلت الى تكثيره عن طريق دفن الحبوب وتفاجأت ان تلك الحبوب انتجت نباتاً تحمل اضعاف الحبوب التي خزنتها في الارض.
وهكذا يعود الفضل الى المرأة بأعظم اكتشاف في التاريخ وهو اكتشاف الزراعة. وبالتالي ربط الرجل عملية التكاثر عن طريق الزراعة بالمرأة. لاعتقاده بأن قدرتها على الانجاب هي من جعلتها مؤهلة للزراعة. وبهذا قدس الالهة الأم وجعلها بمرتبة الالوهية وصارت هي الالهة الأم، تلك الالهة التي تجسد قوى الطبيعة المخصبة والمولدة والمنتجة وهي القوى التي كانت اكثر تأثير في حياة الاقوام القديمة التي بأستمرارية انجابها يمثل بأستمرار تكاثر ابناء جنسها وتفوقهم على قوى التدمير المميتة من الاوبئة والامراض والكوارث الطبيعية ولهذا جعلت الاقوام العراقية المرأة اكثر تميز ومكانة لاسيما عند توليها زعامة القوم بما تحوي صفاتها من القوة والخصب والصحة لأنها تناظر الالهة الأم . ومرت الالهة الأم بمراحل تطور في عبادتها، فضلاً عن تأكيد اهميتها من ناحية الخصب والانجاب اذ اكتشف المنقبون أقدم عبادة لها. إذ عثر في قرية جرمو شمال العراق وهي أقدم قرية زراعية على تماثيل لدمى طينية وهي الالهة الام تحمل صفات البدانة وهي علامة من علامات الحمل. إذ ان تلك العلامة ما هي إلا انها رديفة الارض الخصبة المثمرة، واكتشف الاثاريون في العصر المعدني الوسيط نحو 5600 ق.م تمثال للأم الالهة في موقع اثاري وهو تل الصوان قرب الخابور وتميزت تماثيل الالهة الأم بأنها اقل نحافة عن الاولى فضلاً عن انها تتواجد في بناية ذات جدران مبنية من اللبن وملطخة بالطين للدلالة على تفردها في العبادة لاسيما انها وقعت في معبد صغير لأول مرة لقدسيتها وتفريدها في العبادة.
اما في تل العبيد، في جنوب العراق قد تم اكتشاف تماثيل رمزاً للآلهة الأم إذ أصبح جسمها الأكثر نحافة والرأس بهيئة مثلث ومثلو شعرها بطيات من القير يعني ادخال صفات جديدة لها تتسم بالجمال. فضلاً عن انها تحمل طفلاً على صدرها، هذا ما يدل على الانجاب والتكاثر، إذ ان هذه الدليل التاريخي ما هو إلا تثبيت لتحليلات للتماثيل القديمة بانها فعلاً الهة أم وأنها خاصة بالخصب.
على الرغم من تلك المكانة المميزة التي وصلت الى درجة العبادة في العصور الحجرية القديمة يبقى الدين الاسلامي الوحيد الذي كرم المرأة وجعل لها منزلة رفيعة ومستوى اجتماعي مرموق … وكيف شرع لها ما يصونها ويعفها ويحفظ كرامتها وانسانيتها.
وتبقى المرأة العراقية هي شبيهة اسلافها من حيث القوة والصبر هي المرأة التي جعلت مصاعب الحياة من الحروب وفراق زوجها وترملها ومن ثم فراق ابنائها بعد ان شبوا وكبروا، وهي تستحق المجد بتمثال ينصب لها تعبيراً عن صبرها وقوتها وشرفها.
المراجع
1- تقي الدباغ ، الفكر الديني القديم ، ص14.
2- خزعل الماجدي ، كتاب انكي ، ج1 ، ص109 – 110 .
3- نائل حنون ، عقائد الحياة والخصب في الحضارة العراقية القديمة ، ص76-77 .