قراءة في ترجمة الشاعرة الخنساء (ت 24هـ) د.دعاء كميل ضيف الله
قراءة في ترجمة الشاعرة الخنساء (ت 24هـ)
د.دعاء كميل ضيف الله
جامعة كربلاء /كلية التربية للعلوم الإنسانية/قسم اللغة العربية
من الغريب أن تغيب هذه الشخصية عن كتاب التراجم (وفيات الأعيان وأنباء أهل الزمان) بشكل مستقل ، فابن خلكان لا يوردها إلا بشكل عرضي ليميزها عن سَمية لها ، دون ذكر شيء من أخبار حياتها ، مكتفيا بالإشارة إلى إنها عرفت برثاء أخيها صخرا ([1]) ، في حين إنها حظيت في أوائل الكتب النقدية العربية بمكانة مميزة ، فقد خصها ابن سلام الجمحي (223هـ) بوضعها في طبقة افردها لشعراء المراثي ، جامعا إياها مع المتمم بن نويرة واعشى باهلة وكعب بن سعد ، ومن دون أن يذكر شيئا عن حياتها كذلك ([2]) .
وجاءت بالتسلسل الثالث والأربعين في اختيارات ابن قتيبة الدينوري (ت 276هـ) للشعراء ، وقد خصها بسرد عن حياتها ، استقصى فيه جوانب خاصة بها غير ما تعارف عنها فقط بربطها برثاء أخويها دون أخبارها الخاصة .
فهي تُماضر بنت عمرو بن الشريد ، ذكرها دريد بن الصمة بشعر غزلي رقيق لما خطبها ورفضته مفضلة أبناء عمها ، تزوجت مرتين وولدت أربعة بنين .
صنفها الدينوري بأنها جاهلية ، ذاكرا إنها عاصرت النابغة الذبياني وحضرت حكومة الشعر عنده في القبة التي كانت تضرب له بسوق عكاظ ، وكيف إن النابغة فضل شعرها على النابغة وحسان .
ويذكر الدينوري بعد ذكر حادثة مقتل أخيها صخرا إنها استمرت ببكائه حتى عميت ، ثم علل مبالغتها في الحزن هذه بما روته لإم المؤمنين عائشة بإيثار أخيها لها على نفسه وإنقاذها وزوجها من الفقر أكثر من مرة .
وليس هناك من إشارة إلى موقفها بعد الإسلام ، إلا بما يذكره أيضا من إصرارها على البكاء على أخيها صخر ولكن بسبب دخوله النار هذه المرة وليس بسبب القتل الذي كانت تبكي بسببه قبل الإسلام . ([3])
ويصل دارس شعرها الدكتور إبراهيم عوضين إلى نتيجة مفادها انه ليس للخنساء شعر في الإسلام ، وهو يعلل ذلك بأنها ” وقعت تحت تأثير عهدين ، أما احدهما فكان تأثيره عليها ايجابيا ، أطلق لسانها فقالت ، وأما الآخر فكان تأثيره عليها سلبيا – بما اشتمل من ظروف وأحداث مرت بها –…، فصمتت ” ([4]).
ولحظ الدكتور عوضين ، كما لحظ البحث هنا في شعرها لمحات إسلامية ، ويعتقد البحث انه لا يمكن أن تقال في جاهلية تخاف منها النار على أخيها ، فعلى اقل تقدير يفهم منها إنها كانت من الموحدين ، أو إن ذلك الشعر قالته في أخيها بعد الإسلام ، من ذلك قولها تحرض بني سليم وعامرا على غطفان لقتلهم معاوية :
” لا شيء يبقى غير وجه مليكنا ولست أرى حيا على الدهر خالدا
إلا إن يوم ابن الشريد ورهطه أباد جفانا والقدور الرواكدا” ([5])
وقولها :
” ما لذا الموت لا يزال مخيفا كل يوم ينال منا شريفا
مولعا بالسراة منا فما يأ خذ الا المهذب الغطريفا
فلو ان المنون تعدل فينا فتنال الشريف والمشروفا
كان في الحق ان يعود لنا المو ت وان لا نسومه تسويفا
ايها الموت لو تجافيت عن صخر لالفيته نقيا عفيفا
عاش خمسين حجة ينكر المنكر فينا ويبذل المعروفا
رحمة الله والسلام عليه وسقى قبره الربيع خريفا” ([6])
والأبيات يتضح فيها القيم التي لم تكن معهودة في الجاهلية ، فالخنساء تصف أخاها بالعفة والنقاء ، في حين انه قتل في غزوة ، وأين العفة في الغازين ؟ ، ثم إنها تختم أبياتها بالدعاء له بالرحمة من الله والتسليم عليه وهذه ألفاظ إسلامية واضحة ، واغلب الظن إن استمرار بكائها أخويها في الإسلام استلزم منها استثمار الثقافة الجديدة في موضوعها القديم ؛ فإما أن تكون صادقة المشاعر في هذا الرثاء فوجدت في معاني الدين الجديد ما يمكن أن يزيد من لوعتها واستبكائها الناس على ذكرى فقيدها ، أو إنها شاعرة ذات ملكة وجدت إنها امتازت بذلك اللون من الرثاء وعرفت به وحظيت برضا النقاد المعاصرين لها ، فلم ترد أن تغير صنعتها فتضيع بين آخرين قد يفوقوها في مجالات الدعوة الجديدة ، فاحتفظت بموضوعها الرثائي مضيفة إليه لمحات من الواقع الجديد .
([1])ينظر:وفيات الاعيان وانباء ابناء الزمان ، ابن خلكان ، تقديم : محمد عبد الرحمن المرعشلي ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ، ط2 ، 2009 : 3 : 225
([2])ينظر:طبقات الشعراء ، ابي عبد الله محمد بن سلام الجمحي ، تحقيق : د. عمر فاروق الطباع، دار الارقم ، بيروت ، ط1 ، 1997: 107 – 111
([3])ينظر:الشعر والشعراء ،ابن قتيبة ، تحقيق : احمد محمد شاكر ، دار الحديث ، القاهرة د.ط. ، 2006 : 1 : 331-335 ، وينظر : الاعلام ،خير الدين الزركلي ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط15 ، 2002 : 2 : 86
([4])ديوان الخنساء– دراسة وتحقيق ، د. ابراهيم عوضين ، مطبعة السعادة ، القاهرة ، ط1 ، 1985 : 86