قراءة نقدية في رواية مخيم المواركة
للروائي ( جابر خليف جابر)
م.د. زهراء عبد الحميد غالي
ملخص الرواية : تدور الرواية حول واقعة تاريخية ، وقعت تحديداً في بلاد الأندلس، ينسجها الروائي عبر تقنيات سردية متنوعة ، حديثة ، طريفة ، يصوغها في عناوين متعددة ، كل عنوان يحمل قصة وقعت فيها أحداث لشخصيات مسلمة( المواركة) ومن ساند هذه الشخصيات من الديانات الأخرى ، فجاءت الرواية لتعبر عن تجربة عاشها العرب تحت حكم محاكم التفتيش والكاثوليك ، فعانوا من ظلم واضطهاد وقتل وفتك وبطش، بدأت أحداث الرواية من رحلة قام بها أحفاد الموراكة إلى بلاد الاندلس عند نهر كارو ، وأقاموا هناك مخيماً توزع على خيمات عدة ، كل خيمة تحمل أسماً يمثل من ينتسب إلى مدينة أندلسية من مثل:( قرطبة ، مدريد ، غرناطة ، أشبيلية …) ، والفكرة تنطلق من تحدث كل شخص بجمل ذات كثافة عالية عن الأحداث التي وقعت للمواركة قبل ( 400 سنة ) ، وبسبب تعدد الشخصيات ، تعدد الرواة فيها وأصبح هناك أكثر من وجهة نظر واحدة.
أولاً : هل هذه الرواية تجسيد لواقع العراق أم أنها فعلاً نقل لواقعة حقيقية؟
من يقرأ الراوية لا يجد هناك رابطاً ظاهراً بين واقع العراق وأحداث الرواية ، ما عدا ما جاء في الجزء الذي يخص انتقال أجداد عمار اشبيليو إلى البصرة عن طريق الموانئ، فالمؤلف كان متخذاً موقع القارئ المتفرج الذي ينتظر بفارغ الصبر عمار اشبيليو الذي ينقل له أحداث ما يدور من قصص في تلك الخيام عبر البريد الالكتروني، وحقيقة أنا كنت قد اندمجت مع أحداث الرواية ولاسيما أنها فعلاً أحداث حقيقية مزجها الراوي بخياله حتى خرجت بالشكل الذي صاغ أحداثها فيه ، وكنت متيقنة من حقيقتها إلى أن حصلت على حوار للمؤلف يجيب فيه عن سؤال وجه له حول ما وراء هذه الرواية وهل لها علاقة بالواقع العراقي ؟ وكانت إجابته كالتالي: (( أما إذا كنت تشيرين إلى رواية ( مخيم المواركة ) التي تناولت مأساة الأندلس بعد سقوط غرناطة فهذا مما فات العديد من القراء والنقاد ، وعادة ليس لدي نص بلا رسالة، الرسالة هي؛ إن استمر تنازعنا وتمزقنا واستعانة بعضنا بالأجنبي على بعض، كما يحدث في بلادنا العربية الآن وخاصة في العراق وحتى سوريا ولبنان ، إذا استمر هذا الحال فلا مصير أمامنا سوى مصير الأندلس المرعب والموجع ، ضياع الأندلس والأسوأ اختفت الأمة الأندلسية ولا وجود لها الآن! أليس هذا سبباً كافياً لنراجع حالنا؟ هذه رسالة ( مخيم المواركة ) وهذا ما يدل على أنها كتبت من قلب الهمّ العراقي , وليس عن الأندلس المختفية ! تتجدد آلام العراق, والتاريخ يعيد نفسه باستمرار, ولكن الآن الوضع العراقي بات أكثر إيلاماً…)).
ثانياً : لماذا نجد العناوين المتعددة في رواية مخيم المواركة ؟
الإجابة عن هذا التنوع ربما يسحبنا إلى عنوان الرواية أولاً قبل الخوض في داخل هذه العناوين ، فهذا المخيم لم يكن مخيماً واحداً ، إنما كان هناك أكثر من خيمة تضم مجموعة من الأشخاص ، جاءت موظفة من قبل الروائي في سرد أحداث روايته ، والتعدد في عناوين الرواية أُريد بها الإشارة إلى الفوضى والتشتت التي تمثلت في عمليات الطرد الوحشية التي تعرض لها شعب كامل بمختلف انتماءاته وأطيافه ، فلم يسلم منها المسلم ، كذلك لم يسلم منها المسيحي ، كما جاء في نص الرواية : (( قلت لي قبل قليل أنهم أحرقوا بعض المسيحيين ، هل تعرفهم ؟ المساكين الذين أحرقوهم أعرف بعضهم ، هم لا يتبعون البابا الكبير في روما ، هل هم من تبحث عن أخبارهم؟)).
فتوزيع هذه العناوين على صفحات الرواية ، والانتقال بين هذه العناوين ، وقصص شخصياتها ، يُشعر القارئ بعدم الترابط والضياع بين أحداث هذه الرواية ، وهذا في حقيقته تعبير عن حياة الضياع والخوف في سلب حياتهم في أي لحظة ، والرهبة والاغتراب الذي كان يعيش هؤلاء به ، كما ورد في النص الآتي : (( يُمنع علينا إغلاق أبوابنا أو شبابيكنا يا سيد ، يردون التأكد من أننا نصارى فعلاً ، وأننا لا نصلي مثل المسلمين أو نتلو القرآن ، هكذا يقولون ، ولكن الصحيح أنهم يفعلون ذلك لأغراض أخرى ، لإذلالنا وسرقة أموالنا )).
ثالثاً: على ماذا استندت الرواية ؟
لقد استند الروائي على فكرة المرسل والمرسل إليه ، التي قامت روايته عليها من البداية وحتى الخاتمة ، حيث بدأت الرواية في انطلاقتها الأولى عبر إرسال رسالة من شخص يدعى عمار اشبيليو/ المرسل ، إلى المرسل إليه / الروائي ، وقد صرح عمار اشبيليو بمعرفته بالروائي ومحبته له عبر البريد الالكتروني رغم إنه لم يراه ، ولكن ما يثيرنا في هذه الفكرة التي من خلالها طرح جابر خليفة روايته ، إن هناك علاقة تربط المرسل بالمرسل إليه رغم أن المرسل إليه صرح بعدم معرفته للمرسل ، والشيء الذي يؤكد وجود العلاقة لا بل أكثر من علاقة ، فشخصية عمار اشبيليو هي شخصية جابر خليفة ، وعمار لم يكن سوى شخصية تقمصها جابر وجعلها شخصية رئيسة في روايته، والدليل على هذا الكلام ما أشار إليه عمار من معرفته بتفاصيل دقيقة عن حياة جابر خليفة ، ينقلها جابر بلسانه : (( أدهشتني أولى رسائله ، لا أدري لماذا خاطبني بالموريسكي ، تفاصيل كثيرة يعرفها عني ، بعضها يعود لأيام الطفولة ، يعرف أسم مدرستي ، مدرسة الأندلس الأبتدائية للبنين ، وموقعها بالتحديد ذكره لي ، على ضفة شط العرب ، قرب جامع الفضلي في الفاو )).
رابعاً : تلاعب الروائي في تسلسل الأحداث عبر التلاعب في التقنيات الزمنية
التداخل في الأحداث التي بدأ سردها في مخيم المواركة ، والذي اعتمد على حراك دائم ، متنقل انتقال سريع مع سرعة تداول الكلام على لسان الشخصيات ، هذا الحراك محاط بما يدور حول موضوع واحد لكن هناك تفصيلات مختلفة بحسب القضية المطروحة ، وبحسب الشخصية المتحدث عنها ، مع وجود مبدأ المقاومة عند جميع الشخصيات ، فمع وجود شخصيات رئيسية كان لها دوراً كبيراً ومؤثراً في بناء الأحداث، إلاَّ إن هذا الدور لم يكن ليكتمل لولا اتحاد المجموع فلا ذاتية للأفراد ، فالجميع يتحرك وفق المقاومة ، مقاومة الاستبداد / البطش ، الذي تقنع وتلبس بلباس الدين ، فالأحداث التي وضعها الروائي على ألسنة ( المورسكيين ) كثيرة ، يشعر معها القارئ بالمتاهة والضياع ، حيث الدخول إلى أحداثها تتناسل وتتماهى بتغير أماكنها وأحداثها عبر الانتقال فلا يصل القارئ إلى وجود مخرج حتى يجد نفسه في مدخل جديد ، مجبراً على الخوض فيه لاستكمال فعل القراءة ، وهذه المداخل من فعل الروائي الذي تعمد إدخال هذه الأحداث مداخل فيها متاهات ، كالمتاهات التي عاشها أولئك المواركة ، مع أن القارئ يشعر معها بفقدان عنصر التشويق والاستمتاع ، إلاَّ إنها تخلق نوعاً من حب الاستطلاع بالتعرف على باقي الأحداث ، ومع عدم تراتبية الأحداث داخل الرواية ، والتي تجر القارئ إلى الملل والسأم ، إلاَّ أننا يجب أن نعترف بصعوبة هذه المهمة في أدارة السرد ، فالوظيفة الإدارية ترتبط بمظهر النص السردي، لأن “الراوي يأخذ على عاتقه التنظيم الداخلي للخطاب، وتوجيه الرؤية، وتوزيع الأصوات، كما يقوم بعملية الاسترجاع أو الاستباق والربط بينهما” ، وسط تكاثر وتعدد الرواة ، وهذا يؤكد على الموهبة والقدرة التي يتمتع بها الروائي جابر ، الذي استطاع تجاوز النمط السردي المعروف إلى نمط جديد ، وهذا التجاوز تمثل بكثرة العناوين والشخصيات التي زجها الروائي في رويته فما يكاد يخلص القارئ من العنوان الأول حتى ينقله إلى الثاني والثالث ويستمر هكذا ضمن تسعة وعشرين عنواناً.
خامساً : اعتماد تقنية الاسترجاع بنسبة كبيرة
الانتقال عبر تقنيات الزمن وخاصة تقنية الاسترجاع التي اعتمد عليها الروائي بنسبة كبيرة ، قد أخذت مساحة من أحداث الرواية ، من الصفحة الأولى التي تحدث فيها عن شخصية الدكتور أحمد رودميرو الذي كان من ضمن المنظمين لإقامة المخيم ، ويبدأ الراوي بتقديم معلومات عن هذه الشخصية المسلمة ، ثم ينتقل عبر الزمن بتقنية الاسترجاع إلى قبل عشرين عاماً ، ويدع الحوار للدكتور ، الذي يدخل في حوار مع أمه حينما رأته يقوم بحركات غريبة ، سألته عنها : (( قالت له أمه حين رأته يقوم بحركات غريبة كأنها رأتها من قبل : أمادو ماذا تفعل ؟ … أصلي ماما ، أصلي المغرب )) ، ومن الاسترجاعات قصة هلال القرطبي وأولاده حامد وبدر ، وشخصية حامد الملاح – والد قمرين صاحبة الحمامات – فمن ذلك الاسترجاع الذي جاء على لسان بدر بن هلال : (( كنت صغيراً في السابعة أو أقل عندما بدأ أبي الحاج هلال بن سعيد القرطبي باختباري ، أخذني إلى غرفة منعزلة آخر الدار وقال لي : لا تخبر أحداً بما سأفعله معك .. وشرع في تعليمي كيف ألفظ الآية ( بسم الله الرحمن الرحيم ( وكنت أعرفها ، سمعتها منه كثيراً وهو يصلي بعيدا عنا وكنا أنا وحامد نراقبه من دون أن يعلم ، وفرح عندما عرف بذلك ، دمعت عينا وقال الحمد لله وسجد )) .
سادساً : التسميات المتعددة
المواركة / المورسكيون : نقصد بالأندلسيين ( المواركة ) العرب الذين بقوا في قشتالة ومملكة غرناطة إثر صدور مرسوم التنصير سنة 1502 ، والأندلسيين البلنسيين الذين نصّرهم الرعاع بالقوة سنة 1521 . وكلمة مواركة تعريب لكلمو ( moriscos ) القشتالية التي تعني ( النصارى الجدد ) أو( المغربي الصغير) ، و قد تحولت كلمة (moros) اليوم إلى وصف قدحي يُنعت به جميع المسلمين بربرا كانوا أو عربا أو حتى سكان الجزر الفيليبينية التي كانت تحتلها إسبانيا , حيث أطلقت على سكان تلك البلاد من المسلمين ( المورو).
البروتستانتي / الكاثوليكي : ، المسلم المتنصر ، واليهود المتنصرون ، النصارى المتأسلمون.
الحاج هلال / رودريغو ، بدر بن الحاج هلال/ بدر البشرات / بيدرو ، حامد بن الحاج هلال / حامد الملاح ، حامد بن بدر / خوان ، قمرين بنت حامد / خوان رودريغو ، حامد بن قمرين ، عمار بن قمرين ، حامد بن كناري ، عمار بن كناري ، كريم كاسياس / زكي / زاكاو .
عمار اشبيليو : الذي ورد بثلاث شخصيات ، الأول ابن قمرين ، والثاني ابن كناري بنت قمرين ، والثالث الذي يراسل الروائي .